آثــــــار الــعـــقـــد
العقد قوة ملزمة لأطرافه، فالعقد شريعة المتعاقدين ف 230 ق ل ع ولكن قوة العقد الملزمة ليست مطلقة بل نسبية سواء من حيث الأشخاص أو من حيث الموضوع.
من حيث الأشخاص لا يسري العقد إلا بالنسبة إلى المتعاقدين وخلفهما العام والخاص.
أما من حيث الموضوع فلا يتقيد أطراف العقد إلا بالالتزامات المنصوص عليها فيه.
وهذا هو مبدأ نسبية آثار العقد، وسوف نبحث اثر العقد أولا من حيث الأشخاص ثم من حيث الموضوع على الشكل التالي:
المطلب الأول: اثر العقد من حيث الأشخاص
المطلب الثاني: اثر العقد من حيث الموضوع
المطلب الأول: اثر العقد من حيث الأشخاص
أن القوة الملزمة للعقد لا تمتد إلى أكثر من طرفيه، فالعقد لا يلزم غيرهما، ولكن يجوز أن يكسبه حقا، فالأجنبي عن العقد لا يمكن أن يضار من العقد وان أمكن أن يستفيد منه، وإذا أردنا أن نعرف ماذا يقصد بالمتعاقد فانه يمكن تحديده بأنه مقصود من هذه الكلمة يجاوز العاقد إلى كل من يمثله هذا في العقد، ومن ثم فهو يشمل الخلف العام والخلف الخاص والدائنين، فهؤلاء جميعهم يمتد إليهم اثر العقد بدرجة تختلف قوة وضعفا وهذا ما سنتناوله بالتحليل في الفقرات التالية:
الفقرة الأولى: اثر العقد بالنسبة للخلف العام
الفقرة الثانية: اثر العقد بالنسبة للخلف الخاص
الفقرة الثالثة: اثر العقد بالنسبة للدائنين
الفقرة الرابعة: اثر العقد بالنسبة للغير
الفقرة الأولى: اثر العقد بالنسبة للخلف العام
الخلف العام هو من يخلف الشخص في ذمته المالية كلها أو في جزء شائع منها كالوارث الذي يرث التركة، أو يرث حصة منها كالنصف أو الثلث أو الربع، وكالموصى له بحصة من التركة كالثلث أو الخمس، فالخلافة العامة تتحقق عن طريق الميراث أو الوصية.
وقد عرض المشرع لآثار العقد بالنسبة للخلف العام في الفصل 229 ق ل ع فبمقتضى هذا الفصل القاعدة هي أن اثر العقد ينصرف إلى الخلف العام، مع عدم الإخلال بقواعد الميراث، ولكن لهذه القاعدة بعض الاستثناءات لا يسري فيها اثر العقد على الخلف العام.
المشرع بقي متمشيا مع أحكام الشريعة الإسلامية، من حيث انه جعل الورثة، حتى في حالة قبولهم التركة لا يلتزمون إلا في حدود أموال التركة وبنسبة مناب كل واحد منهم ففي إطار هذه القواعد المتعلقة بالميراث، ينصرف اثر العقد إلى الخلف العام كما لو كان هو العاقد، مع ملاحظة عدم إمكان ترتيب الالتزامات عليه إلا بقدر ما يصيبه من الحقوق، فالأوراق العرفية حجة بتاريخها على الخلف العام كما كانت عليه بالنسبة لسلفه.
هناك ثلاث حالات لا ينصرف فيها اثر العقد إلى الخلف العام:
قد يعمد المتعاقدين، وقت إبرام العقد، إلى النص في صلبه على عدم انصراف اثر العقد إلى الخلف العام، كما لو اتفق البائع مع المشتري على انه إذا توفي هذا الأخير قبل انقضاء الأجل المحدد لدفع الثمن يسقط الأجل ولا يستفيد الورثة من هذا الأجل.
كما لو تعاقد فنان أو محام أو مهندس على عمل يتصل بفنه، فان وفاته لا يترتب عليها انتقال التزامه إلى ورثته.
إذا نص القانون على أن اثر العقد لا ينصرف إلى الخلف العام وذلك لاتصال الالتزامات الناشئة عنه بشخص المتعاقد، كما في عقد الشركة الفصل 1051 ق ل ع وعقد الوكالة الفصل 929 ق ل ع.
الفقرة الثانية: اثر العقد بالنسبة إلى الخلف الخاص
الخلف الخاص هو من يتلقى من السلف حقا عينيا أو شخصيا كان في ذمة هذا السلف، فيعتبر خلف خاص المشتري والموصى له بعين معينة وصاحب حق الانتفاع والمحال له.
والمشرع لم يورد نصا بشأن انصراف اثر العقد إلى الخلف الخاص، وبالرغم من ذلك نستطيع تحديد ذلك الأثر على ضوء المبادئ العامة ذلك لان الخلف الخاص إذا حل محل سلفه في حق معين فانه يكتسب هذا الحق بالحالة التي كان عليها وقت انتقاله إليه، وذلك أن الشخص لا يستطيع أن ينقل لغيره أكثر مما يملك.
على أن ثمة شروط لابد من توافرها لسريان عقود السلف على الخلف الخاص وهذه الشروط هي:
أولا: أن يكون عقد السلف سابقا على العقد الذي انتقل به الشيء إلى الخلف الخاص
أما العقود التي يبرمها السلف في شأن الشيء المستخلف فيه، بعد انتقال الشيء إلى الخلف، فان الخلف يعتبر من الغير بالنسبة إليها، فلا يسري أثرها عليه بشرط أن يكون العقد ثابت التاريخ.
ثانيا: أن تكون الحقوق والالتزامات الناشئة عن العقد من مستلزمات الشيء الذي انتقل إلى الخلف الخاص
أـ تعتبر الحقوق من المستلزمات الشيء إذا كانت مكملة له أي إذا كانت من توابعه أو ملحقاته، ومثال ذلك: " أن يؤمن شخص على عقاره ضد الحريق ثم يبيع هذا العقار، فان حق البائع قبل شركة التأمين ينتقل إلى المشتري وهو الخلف الخاص للبائع".
ب ـ ولالتزامات تعتبر من مستلزمات الشيء إذا كانت تحد من الانتفاع به كما هو الحال بالنسبة إلى الالتزام بعدم البناء إلى ارتفاع معين فهذه القيود تنتقل من السلف إلى الخلف الخاص.
ثالثا: أن يكون الخلف الخاص قد علم بما انتقل إليه من حقوق والتزامات وقت انتقال الشيء إليه
تظهر أهمية هذا الشرط في الالتزامات الناشئة من عقد السلف، ذلك أن هذه الالتزامات تعتبر بمثابة قيود على حق الخلف الخاص، فلا بد من أن يكون الخلف عالما فعلا بهذه القيود ليكون ملزما باحترامها.
الفقرة الثالثة: اثر العقد بالنسبة للدائنين
المقصود بالدائنين هنا الدائنون العاديون وهم لا يعتبرون لا خلفا عاما ولا خلفا خاصا لمدينهم لأنهم لم يتلقوا أي حق منه ولهم حق الضمان العام على أموال مدينهم ولذا لهم حق الاستئثار بالعقود التي يبرمها المدين بقدر ما تزيد هذه العقود أو تنقص من الضمان العام .
وإذا كان الدائن يتأثر بتصرفات مدينه التي يترتب عليها نقص أمواله، وتنعكس عليه آثار هذه التصرفات، فان الشارع لم يتركه دون حماية إزاء التصرفات الضارة به.
ومن وسائل الحماية التي اقرها المشرع للدائن ما إذا صدر عن المدين تصرف صوري ضار بالدائن كبيع عقار مملوك له بيعا صوريا جاز للدائن أن يطعن في هذا التصرف بدعوى الصورية الفصل 22 ق ل ع ومن هذه الوسائل أيضا منح الدائن كل الإجراءات التحفظية كطلب كفيل أو أي ضمانة أخرى بما في ذلك اللجوء إلى حجز أموال المدين حجزا تحفظيا الفصل 138 ق ل ع.
وإذا صدر عن المدين تصرف ينقص من حقوقه، كالبيع أو الهبة أو يزيد في التزاماته، كما إذا اقرض نقودا، وترتب على هذا التصرف إعساره أو زيادة إعساره جاز للدائن بشروط معينة أن يطلب عدم نفاد هذا التصرف في حقه .
الفقرة الرابعة: اثر العقد بالنسبة للغير
المقصود بالغير هو من كان أجنبيا عن العقد ولم يكن خلفا عاما أو خاصا لأحد المتعاقدين
والقاعدة العامة أن اثر العقد لا ينصرف إلى الغير سواء أكان هذا الأثر حقا أو التزاما الفصل 228 ق ل ع.
وقاعدة عدم سريان اثر العقد بالنسبة إلى الغير لا تحول دون التزام الغير بعقد لم يشترك فيه متى اقره، أو إفادته من عقد لم يشترك فيه إذا اتجه طرفا هذا العقد إلى إيجاد حق لهذا الغير في صورة ما يسمى "بالاشتراط لمصلحة الغير".
ومنه سنقسم موضوعنا هذا كالتالي:
الاشتراط لمصلحة الغير تعاقد بين شخصين أحدهما يسمى المشترط والآخر يسمى المتعهد وبموجب هذا التعاقد، يشترط الأول على الثاني أن يلتزم هذا الأخير في مواجهة شخص ثالث أجنبي عن التعاقد ويسمى المنتفع، وينشأ للمنتفع حق مباشر من هذه المشارطة، يستطيع أن يطالب به المتعهد.
وللاشتراط لمصلحة الغير تطبيقات عملية كثيرة أهمها:
ـ عقد التأمين: فالمتعاقد (وهو المشترط) يؤمن على حياته لصالحه ولصالح أولاده، فيكتسب الأولاد حقا مباشرا من عقد التأمين.
ـ كذلك قد يعقد أمين النقل تأمينا على سلامة البضاعة، ويكون التأمين في هذه الحالة لمصلحة مرسل البضاعة، فإذا هلكت أو تلفت يحق لمرسل البضاعة أن يطالب شركة التأمين مباشرة بعوض التامين.
وقد عالج المشرع الاشتراط لمصلحة الغير في الفصلين 34 و35 ق ل ع.
ومنه فإننا سنقسم موضوعنا هذا إلى:
أولا: شروط الاشتراط لمصلحة الغير:
لتحقق الاشتراط لمصلحة الغير يجب أن تتوافر الشروط التالية:
هذا ما يميز الاشتراط لمصلحة الغير عن النيابة في صورها المختلفة، فالنائب يتعاقد باسم الأصيل، فتنصرف آثار العقد إلى الأصيل باعتباره هو طرف العقد لا النائب، أما الاشتراط لمصلحة الغير، فالمشترط طرف في العقد، أما المنتفع فهو أجنبي عن العقد، فالعقد لم يبرم باسمه ولا يعتبر طرفا فيه.
ـ فحق المنتفع ينشأ مباشرة في ذمة المتعهد، فإذا كان الحق الناشئ من العقد قد اشترطه المشترط لنفسه أولا ثم حوله بعد ذلك إلى المنتفع فلا يعتبر ذلك اشتراطا لمصلحة الغير، كما لو باع شخص عقارا له ثم حول الثمن إلى دائنه، ففي هذه الحالة يوجد عقدان متعاقبان لا اثر فيهما للاشتراط لمصلحة الغير عقد البيع بن البائع والمشتري، ثم عقد الحوالة بين البائع ودائنه، والجدير بالذكر انه لا يشترط في المنتفع أن يكون موجودا أو معينا الفصل 35 من ق. ل.ع وقت الاشتراط، بل يكفي أن يكون موجودا أو مستطاع التعيين وقت أن يرتب العقد أثره.
يجب أن تكون للمشترط في الاشتراط مصلحة شخصية ، لأنه يتعاقد باسمه ولحسابه، إنما لا يستلزم أن تكون مصلحة مادية، كالبائع الذي يشترط دفع باقي أقساط الثمن إلى مرتهن العقار المبيع، بل يكفي أن يكون له في الاشتراط مصلحة معنوية أو أدبية كأب يؤمن على حياته لمصلحة أولاده.
يولد الاشتراط لمصلحة الغير ثلاث علاقات:
المشترط والمتعهد طرفا عقد الاشتراط، فالعلاقة بينهما يحكمها عقد الاشتراط، كدفع أقساط التأمين في عقد التأمين، فإذا امتنع احد الطرفين عن تنفيذ التزامه جاز للطرف الأخر أن يطلب فسخ العقد، ولكل من المشترط والمتعهد الحق في التمسك في مواجهة الأخر بالدفوع التي تنشأ عن العقد كالبطلان أو الانقضاء.
وللمشترط أن يطالب المتعهد بتنفيذ التزامه بناء على مصلحته الشخصية في الاشتراط الفصل 34 ق ل ع، مالم يكن هذا الحق محصورا على المنتفع فقط الفصل 35 ق ل ع.
تختلف هذه العلاقة على حسب الأحوال فقد تكون علاقة تبرع وقد تكون علاقة معاوضة الفصل 34 ق ل ع.
ـ إذا كان المشترط قد أراد التبرع للمنتفع جاز له" أن ينقض حق المنتفع حتى لوأقرالمنتفع الاشتراط ، لان الاشتراط في هذه الحالة يعتبر هبة تطبق عليه الأحكام الخاصة بها من حيث جواز الرجوع فيها لذا يجب توفر أهلية التبرع في المشترط، وان طبق على الاشتراط الأحكام الموضوعية للهبة إلا انه لا يطبق عليها الأحكام الشكلية الخاصة بها، لذلك لا يشترط أن يتم الاشتراط في هذه الحالة في شكل رسمي لأنه هبة غير مباشرة.
ـ وان قصد المشترط أن يكون الاشتراط من قبيل المعاوضة فتحدد العلاقة بينه وبين المنتفع بحسب الأحوال، فقد يكون غرض المشترط مثلا إقراض المنتفع بطريق الاشتراط فتسود علاقتهما أحكام القرض، ويكون غرضه وفاء دين عليه للمنتفع فتطبق عليهما في هذه الحالة قواعد انقضاء الالتزام بالوفاء على انه سواء كانت طبيعة العلاقة بين المشترط والمنتفع علاقة التبرع أو كانت علاقة معاوضة فان حق المنتفع من الاستفادة من الاشتراط، متوقف على عدم رفضه للاشتراط ذلك أن للمنتفع الخيار بين قبول الاشتراط الجاري لمصلحته وبين رفض هذا الاشتراط.
1ـ فان أعلن المنتفع رغبته في الاستفادة من الاشتراط استقر حقه نهائيا، والإعلان عن هذه الرغبة لا يخضع لشكل معين، فيجوز أن يأتي صريحا أو ضمنيا، تم هو غير مقيد بأجل مطلقا لكن ضمن حدود مدة التقادم المسقط.
2 ـ وان أعلن المنتفع رفضه الاستفادة من الاشتراط واخطر المتعهد بهذا الرفض، فاعتبر الاشتراط كأن لم يكن الفقرة الأخيرة من الفصل 34 ق ل ع. وفي هذه الحالة ينصرف الحق المشروط لمصلحة المنتفع إلى المشترط أو إلى ورثته من بعده، وذلك من وقت العقد، ويجوز حينئذ للمشترط أن يعين منتفعا آخر غير الذي رفض، وفي هذه الحالة يثبت الحق للمنتفع الجديد من وقت العقد أيضا.
ينشأ للمنتفع حق مباشر يكسبه من عقد الاشتراط ولو انه ليس طرفا فيه، ويصبح دائنا للمتعهد وله أن يطالبه بتنفيذ ما تعهد به لمصلحته، فإذا امتنع المتعهد عن التنفيذ كان للمنتفع أن يرفع عليه دعوى يطالبه بذلك وله أن يطالبه بالتعويض في حالة عدم التنفيذ، ولكن ليس له أن يفسخ العقد لأنه لم يكن طرفا فيه ويترتب على كون المنتفع يكسب حقه من العقد مباشرة ، لا من ذمة المشترط ما يلي :
أولا: لا يحق لدائني المشترط استفاء من حق المنتفع لان هذا الحق لم يمر في ذمة المشترط المالية ولم يشكل بالتالي عنصرا من عناصر الضمان العام الذي يتمتعون به.
ثانيا: يصبح المنتفع بما له من حق مباشر، دائنا للمتعهد ويشترك مع دائني هذا الأخير في استفاء حقه من أمواله، ويقسمها معهم قسمة غرماء.
ويترتب على أن حق المنتفع مصدره عقد الاشتراط:
1ـ أن هذا الحق ينشأ للمنتفع منذ صدور الاشتراط لمصلحته لا من وقت إقراره له، وينبني على هذا ألا يكون فقد المتعهد لأهليته قبل إقرار المنتفع لحقه، مانعا له من إصداره.
2ـ يجوز للمتعهد أن يتمسك في مواجهة المنتفع بكافة الدفوع الجائزة في عقد الاشتراط.
3ـ يتحدد حق المنتفع وفقا لبنود العقد الذي ابرم بين المتعهد والمشترط.
الالتزام عن الغير التزام يبرمه شخص مع أخر باسم غيره شرط أن يقر هذا الأخير الالتزام الذي أبرم باسمه.
فقد يحدث كثيرا أن تتمخض عن الحياة العملية ظروف تفرض مثل هذا الالتزام : فقد يملك اثنان من الورثة منزلا على الشيوع و يكون أحداهما حاضرا و الأخر غائب. و يريد الحاضر أن يتصرف في نصيبه و لكن المشتري لا يرضى بغير شراء المنزل كله فيضطر مالك النصف شائعا إلى بيع المنزل بالأصالة عن نفسه و باسم الوارث الغائب أيضا شرط أن يقر هذا الأخير البيع الذي جرى باسمه.
و قد يحدث كذلك أن الوكيل الذي رأى أن يتجاوز حدود الوكالة و لم تكن لديه فسحة من الوقت لاستئذان الموكل و يلجأ إلى التعاقد باسم هذا الأخير شرط إقرار العمل.
فإذا التزم شخص عن الغير كما في الأمثلة السابقة فإن هذا الالتزام لا يلزم الغير. و لهذا الأخير الحق في أن يقبل الالتزام الذي أبرم باسمه أو أن يرفضه.
فإذا رفض الغير الالتزام فإن الملتزم عن الغير لا يكون مسؤولا إزاء من تعاقد معه لأن التعاقد وقع في الأصل على شرط أن يحظى بإقرار الغير المتعاقد باسمه.
أما إذا قبل الغير الالتزام و أقره قراره يجب أن يعلن خلال أجل معقول لا يتعدى 15 يوما بعد حصول الإعلام بالعقد و إلا تحلل الطرف الأخر من التزامه و هذا ما قرره ف 36 من ق ل ع بقوله [...يكون للطرف الأخر أن يطلب قيام هذا الغير بالتصريح بما إذا كان ينوي إقرار الاتفاق و لا يبقى هذا الطرف ملتزما إذا لم يصدر الإقرار داخل أجل معقول على أن لا يتجاوز هذا الأجل 15 يوما بعد الإعلام بالعقد]
ولا يشرط في إقرار الالتزام أن يصدر صراحة بل يمكن أن يحصل بصورة ضمنية كما لو قام الغير بتنفيذ العقد الذي أبرم باسمه [ف 37 من ق ل ع] بل يسوغ استنتاج الإقرار من السكوت إذا كان الشخص الذي يحصل التصرف في حقوقه حاضر أو أعلم بحصوله على وجه سليم و لم يتعرض عليه من غير أن يكون هناك سبب مشروع يبرر سكوته [ف 38 من ق ل ع]
ويعتبر الإقرار بمثابة الوكالة لذا ينتج أثره في حق المقر فيما يرتبه له أو عليه من وقت إبرام العقد الذي حصل إقراره ما لم يتبين صراحة أن المقر قصد إرجاع أثر القبول إلى الوقت الذي صدر فيه الإقرار.
على أن أثر الإقرار الرجعي يبقى محصورا فيما بين المقر و المتعاقد الآخر أما في مواجهة الغير فلا يكون للإقرار أثر إلا من تاريخ حصوله [ف 37 من ق ل ع ].
التعهد عن الغير نظام قانوني شبيه بالالتزام عن الغير شرط إقراره إياه إلا أنه أنجح ضمانا من هذا الأخير لأنه يحمل المتعهد المسؤولية عند عدم إقرار الغير للالتزام فالتعهد عن الغير إذن هو التزم شخص بالحصول على رضاء شخص آخر بعقد من العقود مع شخص ثالث مثال ذلك أن يتصرف شركاء في المال الشائع و يكون أحدهم قاصرا و يريدون تجنب إجراءات بيع مال القصر و إذن المحكمة أو يكون أحدهم غائبا و يخشون ضياع صفقة في حال الانتظار فمن يصح تعاقده من هؤلاء يستطيع التعاقد عن نفسه و يتعهد عن غيره فيلتزم بالحصول على رضاء القاصر عند الرشد أو الغائب عند حضوره.
و يجب لقيام التعهد عن الغير أن تتوفر الشروط الآتية:
1ـ أن يتعاقد المتعهد باسمه لا باسم الغير الذي يتعهده و هذا بخلاف الملتزم عن الغير الذي لا يتعاقد باسمه بل باسم الغير.
2 ـ أن يلتزم المتعهد بحمل الغير على قبول التعهد أما الملتزم عن الغير فهو يتعاقد بشرط إقرار الغير للعقد دون أن يلتزم بشيء.
أ ـ فإذا قبل الغير التعهد قام عقد جديد بينه و بين من تعاقد مع المتعهد و هذا يعني أن القبول لا ينتج أثره من وقت صدوره ما لم يتبين صراحة أو ضمنا أنه قصد إرجاع أثر القبول إلى الوقت الذي صدر فيه التعهد و هذا بخلاف الالتزام عن الغير شرط إقراره حيث إقرار الغير لا ينشئ عقدا جديدا بل يبقى العقد الذي أبرم باسم الغير هو نفسه الذي ينتج آثاره من وقت إبرامه.
ب ـ أما إذا رفض الغير التعهد فإن المتعهد يلتزم بتعويض من تعاقد معه كما يجوز له أن يتخلص من التعويض بأن يقوم هو نفسه بتنفيذ الالتزام الذي تعهد به و هذا بخلاف الالتزام عن الغير شرط إقراره حيث لا يلزم المتعهد بأي تعويض لأنه ليس مسؤولا عن إحقاق الالتزام.
و تجدر الإشارة إلى أن المشرع المغربي لم يورد تنظيم للتعهد عن الغير كما فعلت بعض التشريعات الحديثة و مع ذلك لا يوجد ما يمنع من إقرار صحة التعهد عن الغير مادام لا يخالف النظام العام و الآداب.
المطلب الثاني: أثر العقد من حيث الموضوع
يلتزم أطراف العقد بتنفيذ الالتزامات الناشئة عن العقد أي الالتزامات التي اتجهت إرادتهم إلى ترتيبها، لذلك يجب البحث عن إرادتهما المشتركة مما يقتضي تفسير نصوص العقد.
على أن أثر العقد من حيث الموضوع لا يقتصر فقط على التزام المتعاقد بما ورد فيه ولكنه يتناول أيضا ما هو من ملحقاته وفقا للقانون والعرف والعدالة بحسب طبيعة الالتزام.
ومن جهة أخرى فان للعقد قوة ملزمة تساوي قوة القانون، فيجب على كل عاقد تنفيذ الالتزامات التي ترتبت في ذمته بمقتضاه وإلا كان مسؤولا عن عدم تنفيذها، ثم تفسير العقد، وتحديد كيفية تنفيذ الالتزامات الناتجة عنه.
وعلى ذلك سنقسم موضوعنا هذا إلى فقرات كالتالي:
الفقرة الأولى: تفسير العقد
الفقرة الثانية: تنفيذ الالتزام التعاقدي
يقصد بتفسير العقود التعرف على مراد المتعاقدين المشترك ومقصدهم، من خلال العبارة التي استعملوها في التعبير عن الإرادة.
وفي تفسير العقد يجب أن نفرق بين ثلاث حالات:
إذا كانت عبارة العقد واضحة فلا يجوز الانحراف عن طريق تفسيرها للتعرف على إرادة المتعاقدين، فالمفروض أن عبارة العقد واضحة ومطابقة لحقيقة المقصود وتعبر تعبيرا صادقا عن إرادة المتعاقدين المشتركة الفصل 461 ق ل ع.
ولكن قد تكون عبارة العقد واضحة ولكنها لا تعبر تعبيرا صادقا عن إرادة المتعاقدين، فقد يستخلص من الظروف والملابسات أن المتعاقدين قد قصدا معنى أخر غير الذي يفيده التعبير، ففي هذه الحالة يجوز للقاضي أن يترك المعنى الظاهر إلى المعنى الذي يتفق مع إرادة المتعاقدين. بشرط باب المسوغة لذلك وإلا تعرض حكمه للنقض.
إذا كانت عبارة العقد غامضة، فإنه لا ينبغي الوقوف عند المعنى الحرفي للألفاظ، بل يجب البحث عن النية المشتركة للمتعاقدين. وقد بين الفصل 462 من ق.ل.ع الحالات التي يعتبر فيها العقد غامضا وهي كالتالي: :يكون التأويل في الحالات الآتية:
1 ـ إذا كانت الألفاظ المستعملة لا يتأتى التوفيق بينها وبين الغرض الواضح الذي قصد عند تحرير العقد.
2 ـ إذا كانت الألفاظ المستعملة غير واضحة بنفسها، أو كانت لا تعبر تعبيرا كاملا عن قصد صاحبها.
3 ـ إذا كان الغموض ناشئا من مقارنة بنود العقد المختلفة بحيث تثير المقارنة الشك حول تلك البنود.
وعندما يكون للتأويل موجب، يلزم البحث عن قصد المتعاقدين، دون الوقوف عند المعنى الحرفي للألفاظ ولا عند تركيب الجمل.
وقد أحيل القاضي إلى عدة قواعد للكشف عن النية المشتركة للمتعاقدين، وهذه القواعد هي كما يلي:
1 ـ بنود العقد يفسر بعضها البعض بأن يعطى لكل منها المدلول الذي يظهر من مجموع العقد. وإذا تعذر التوفيق بين هذه البنود لزم الأخذ بآخرها رتبة في كتابة العقد الفصل 464.
2 ـ إذا أمكن حمل عبارة بند على معنيين كان حمله على المعنى الذي يعطيه بعض الأثر أولى من حمله على المعنى الذي يجرده عن كل أثر. الفصل 465
3 ـ يلزم فهم الألفاظ المستعملة حسب معناها الحقيقي ومدلولها المعتاد في مكان إبرام العقد، إلا إذا ثبت انه قصد استعمالها في معنى خاص. وإذا كان للفظ معنى اصطلاحي، افترض انه استعمل فيه. الفصل 466
4 ـ التنازل عن الحق، يجب أن يكون له مفهوم ضيق، ولا يكون له إلا المدى الذي يظهر بوضوح من الألفاظ المستعملة ممن أجراه، ولا يسوغ التوسع فيه عن طريق التأويل. والعقود التي يثور الشك حول مدلولها لا تصلح أساسا لاستنتاج التنازل منها. الفصل 467
5 ـ إذا ذكر في الالتزام، المبلغ أو الوزن أو المقدار على وجه التقريب بعبارتي"ما يقارب وتقريبا" وغيرهما من العبارات المماثلة، وجب الأخذ بالتسامح الذي تقضي به عادات التجارة أو عرف المكان. الفصل 470
6 ـ إذا كتب المبلغ أو المقدار بالحروف وبالأرقام، وجب، عند الاختلاف الاعتداد بالمبلغ المكتوب بالحروف ما لم يثبت بوضوح الجانب الذي اعتراه الخلط. الفصل 471
7 ـ إذا كتب المبلغ أو المقدار بالحروف عدة مرات، وجب الاعتداد عند الاختلاف بالمبلغ أو المقدار الأقل ما لم يثبت بوضوح الجانب الذي اعتراه الغلط. الفصل 472.
إذا لم يستطع القاضي بتفسير العقد ومعرفة النية المشتركة للمتعاقدين، وبقي لديه شك حولها بالرغم من استنجاده بقواعد التفسير السابق ذكرها، تعين عليه تفسير الشك في مصلحة المدين، وهذا ما أكده الفصل 473 من ق.ل.ع بقوله:" عند الشك يؤول الالتزام بالمعنى الأكثر فائدة للملتزم".
يلتزم طرفي العقد بتنفيذ الالتزامات الناشئة عن العقد فالعقد شريعة المتعاقدين و لكن قد تطرأ ظروف غير متوقعة تجعل تنفيذ الالتزام مرهقا للمدين بحيث يهدده بخسارة فادحة فتقضي العدالة أن يتدخل القاضي لكي يرد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول .و هذا ما يعرف بنظرية الظروف الطارئة وفيما يلي نبحث أولا القواعد العامة في تنفيذ العقد ثم نبحث نظرية الظروف الطارئة
يخضع تنفيذ العقد لمبدأين:
المبدأ الأول ـ العقد شريعة المتعاقدين فلا يجوز نقضه ولا تعديله إلا باتفاق الطرفين أو للأسباب التي يقررها القانون
و هذا هو ما يقضي به مبدأ سلطان الإرادة فلا يجوز لأحد الطرفين أن ينقض العقد أو يعدله بإرادته المنفردة فنقض العقد أو تعديله يقتضي اتفاق الطرفين على ذلك ولكن قد يبيح القانون استثناءا أن يستقل احد الطرفين بنقض العقد كما في إنهاء الوكالة كما يجوز للمتعاقدين ان يتفقا على إمكان نقض العقد أو تعديله بإرادة الطرفين الفصل 230 ق ل ع
و الأصل أنه لا يجوز للقاضي أن ينقض العقد او يعدله فمهمة القاضي تقتصر على تفسير نصوص العقد ولكن خضوعا لاعتبارات تتعلق بالعدالة فان المشرع يجيز للقاضي في بعض الحالات الاستثنائية ان يعدل في شروط العقد مثال ذلك سلطة القاضي في تعديل الشرط الجزائي و نظرة الميسرة.
ويعتبر هذا المبدأ من المبادئ الأساسية في القانون و الواقع أن سوء النية في تنفيذ العقد يعتبر من قبيل الغش و يقابله التدليس عند تكوين العقد فحسن النية يقتضي وجوب التعاون بين المدين و الدائن في تنفيذ العقد فلا يفترض حسن النية على مدين فقط في تنفيذ التزامه بل و على الدائن في استعمال حقه كأن يخطر المستأجر المؤجر بكل واقعة تستوجب تدخله ف 674 ق ل ع
و يقتضي حسن النية أن ينفذ العقد بالطريقة التي تفرضها الأمانة و النزاهة في التعامل فالمقاول الذي تعهد بتوصيل الأسلاك الكهربائية يتعين عليه أن يقوم بتوصيلها من أقصر الطرق
قد يحدث عند حلول أجل تنفيذ العقد أن تكون الظروف الاقتصادية قد تغيرت بسبب حادث لم يكن متوقعا بحيث يصبح تنفيذ الالتزام وإن لم يكن مستحيل مرهقا للمدين إلى حد يهدده بخسارة فادحة تفوق حد المألوف و حينئذ تقضي العدالة تخفيف عبء الالتزام عن المدين.
أولا ـ أن يكون العقد الذي يستجيب تطبيق هذه النظرية متراخي التنفيذ ويقصد بهدا التراخي ان يكون العقد إما من العقود الزمنية الدورية التنفيذ كعقد التوريد أو مؤجل التنفيذ أي التي يقوم فاصل زمني ما بين صدورها و تنفيذها
ثانيا ـ أن يطرأ بعد إبرام العقد وقبل تنفيذه حادث فجائي استثنائي عام كحرب أو زلزال فإذا لم يكن الحادث عاما و إنما كان خاصا بالمدين أو إفلاسه أو مرضه فلا مجال لتطبيق النظرية
ثالثا ـ أن يكون الحادث غير متوقع فإذا كان الحادث متوقعا كانتشار الدودة في الزراعة فلا تطبق نظرية الظروف الطارئة ولا يكفي أن يكون الحادث غير متوقع بل يشترط أيضا أن يكون الحادث مما لا يمكن دفعه فإذا كان في وسع المدين أن يدفع الحادث ببذل جهد معقول ولم يم بذلك فلا يستفيذ من حكم الظرف الطارئ
رابعا ـ يجب أن يترتب على الحادث الطارئ جعل التنفيذ الالتزام مرهقا فقط وليس مستحيلا بحيث يهدد بخسارة فادحة.
خول القانون للقاضي في حالة توافر شروط الظروف الطارئة سلطة تجاوز مهمة القاضي العاديةفأجاز له أن يعدل في العقد بحيث يرد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول .
ويمكن أن نتصور لذلك ثلاثة حلول
1- زيادة الالتزام المقابل المرهق أي أن يوزع القاضي عبء الزيادة في الالتزام منافصة بين الطرفين و ذلك فيما يزيد عن الحد المعقول .فإذا كان الارتفاع العادي في الأسعار يقدر ب 20 ثم يقسم ما زاد على ذلك مناصفة بين الطرفين
2-إنقاص الالتزام المرهق ذاته
3-إيقاف تنفيذ العقد حتى يزول الحادث الطارئ
وتجدر الإشارة إلى أساس نظرية الطارئة يختلف في القانون المدني عنه في القانون الاداري حيث يرجع إلى القواعد العدالة . والمشرع المغربي لم يقر هذه النظرية ومن هنا ينبغي التميز بدقة بين العقود الإدارة التي تبرمها في ظل القواعد القانون الخاص و تلك التي يمكن اعتبارها عقودا إدارية بالمعنى الدقيق فهذه الأخيرة وحدها هي التي تحتمل تطبيق نظرية الظروف الطارئة.
الشرح الوافي والتلخيص الكافي
في نظرية الالتزامات في ق.ل.ع المغربي
إنجاز: مجموعة من الطلبة الباحثين
جمع وتنسيق
الأستاذ يونس حبروق
الدار البيضاء في: غشت 2012