-->
مدونة المهن القانونية والقضائية .. مدونة  المهن القانونية والقضائية ..

الإطار القانوني والدولي للضمانات المحاكمة العادلة.

 


 الإطار القانوني والدولي للضمانات المحاكمة العادلة.

 



 

    تحتل المحاكمة العادلة كحق من حقوق الإنسان وكغاية سامية لبناء دولة القانون مكانة خاصة في الاتفاقيات  الدولية التي تعني بحقوق الإنسان.

والاتفاقيات الدولية ذات صلة بالموضوع، يمكن تقسمها من حيت مجال تطبيقها إلي اتفاقيات أو معاهدات ذات طبيعة عالمية، ومن ذلك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948 م والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، أو ذات طبيعة إقليمية مثل الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب لسنة 1981 م، الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان لسنة 1969 م، وبرتوكولات الاتفاقية لعام 1988 و1990 م.

والقضاء الدولي ممثلا علي خصوص في المحكمة الأوربية وفي محكمة البلدان الأمريكية لحقوق الإنسان، ساهم وبشكل كبير في حماية حقوق الإنسان لاسيما علي مستوى ضمانات المحاكمة العادلة[1].

وإن الحق في محاكمة عادلة هو من الحقوق الأساسية للفرد، وقد وضع المجتمع الدولي مجموعة متنوعة من الأسس والمبادئ لضمان هذا الحق، وهي تهدف إلى حماية حقوق الأشخاص منذ لحظة القبض عليهم، وأثناء تقديمهم إلى المحاكمة و حتى محاكمتهم، والتي يجب احترامها، لأن عدم احترامها يؤدي بنا إلى انتهاك جل هاته الحقوق، وخاصة حق الفرد في محاكمة عادلة.

 ثم إن وجود سلطة قضائية مستقلة ونزيهة قادرة على تأمين إجراءات المحاكمة العادلة ليس مهما بالنسبة لأفراد فقط، بل هو  أساسي أيضا بالنسبة للأشخاص القانونين الآخرين كالشركات الاقتصادية، والتي تعتمد في أغلب الأحيان علي المحاكم القانونية، للبت في المنازعات علي اختلاف أنواعها.

وعلي سبيل المثال لا ترغب الشركات المحلية والشركات الأجنبية في الاستثمار، في بلدان تقيم العدل بشكل غير منصف. بالإضافة إلي ذلك مما لا شك فيه أن البلدان التي يضار فيها الأشخاص أو غيرهم من الكيانات القانونية، ويتاح لهم السبيل الحر للوصول إلي المحاكم بغية المطالبة بحقوقهم، تكون السيطرة على التوترات الاجتماعية أيسر والرغبة في أن يثأر الإنسان لنفسه أكثر استبعادا.

 والمحاكمة القانونية التي تسهم علي هذا النحو في تبديد التوترات الاجتماعية تشارك في تعزيز الأمن لا علي المستوى الوطني فقط بل حتى علي المستوى الدولي.

ومنه فيعتبر هذا الحق من بين أدق قضايا الحياة القانونية عموما، لأنه يضعنا في مواجهة للمبادئ الكبرى التي تقوم عليها العدالة الجنائية، كما تعتبر مواجهة معقدة وشائكة التفاصيل، كما أنه موضوع دقيق وواسع في نفس الوقت، العديد من المعايير الدولية التي لها صلة بالحق موضوع الدراسة[2].

سنتناول في الفصل من خلال مبحثين اثنين نخصص أولهما للحديث عن مفهوم المحاكمة العادلة دوليا، على أن نخصص المبحث الثاني  للحديث عن مصادر الحق في محاكمة عادلة في المواثيق الدولية لحقوق الإنسان.

المبحث الأول: مفهوم المحاكمة العادلة دوليا.

المبحث الثاني: مصادر الحق في محاكمة عادلة في المواثيق الدولية.


 

المبحث الأول: مفهوم المحاكمة العادلة دوليا.

   إذا كان القانون الدولي لحقوق الإنسان (جملة الاتفاقية و الأعراف والمبادئ الدولية) هو المصدر الذي تعتمد عليه في قياس و تقييم عدالة أو عدم عدالة القضاء الجنائي وذلك من حيث مراعاته للمعايير الدولية، فإن تحديد شروط المحاكمة العادلة كمفهوم تبقي مسألة ضروري.

ومن هنا فإن المحاكمة الجنائية لكي تكون عادلة (من وجهة النظر الدولية) لابد من توافر شرطين أساسيين:

-الشرط الأول: إن تخضع إجراءات المحاكمة للمعايير الدولية سواء كانت اتفاقية أم عرفية أم مبادئ عامة للقانون فيما يتعلق بالقانون الدولي لحقوق الإنسان.

-الشرط الثاني: أن تقوم بالمحاكمة الجنائية و تنفيذ المواثيق الدولية جهة قضائية تتصف بالاستقلال و الحيادية و مخولة بموجب القانون بإجراء المحاكمة[3].

   إن مفهوم المحاكمة العادلة دوليا يتطلب منا وضع تعريفا لمقصود المحاكمة العادلة، ثم نتطرق إلى تعريف المحاكمة العادلة دوليا.

 

المطلب الأول: المقصود بالمحاكمة العادلة.

 إن الحق في المحاكمة العادلة من الحقوق الأساسية للإنسان، لأنها أهم مرحلة تراعي فيها حقوق الإنسان، وتراقب خلالها جميع الإجراءات المتبعة، كالحريات الأولية أو الإجراءات التي تسبقها كالتحقيق القضائي.

ومنه فالمحاكمة بمدلولها الواسع تشمل جميع المراحل الإجرائية للقضية ويمكن لها أن تتجاوز تلك المرحلة بحيث تصل إلى مرحلة الاستئناف والنقص.

 ثم أن المحاكمة العادلة يجب أن تتضمن عدة مواثيق لضمانها كلها تهدف إلى حماية حقوق الأشخاص منذ لحظة القبض عليهم، وأثناء مرحلة احتجازهم، وحتي محاكمتهم إلي آخر مراحل الاستئناف والنقص.

هاته المواثيق هي أن تسترشد إجراءات المحاكمة كلها من بدايتها إلي نهايتها، بمواثيق المحاكمة العادلة التي وضعها المجتمع الدولي، وكذا أن تقوم سلطة قضائية مستقلة ومحايدة بتنفيذ هده المواثيق[4].

وتعتبر المحاكمة العادلة من أهم مواضيع حقوق الإنسان، وهو مؤشر علي مد احترام الدولة لحقوق الإنسان كما هي متعرف عليها دوليا، ومقياس اصيل في بناء دولة القانون.

وقد يعتقد البعض عن خطأ أن المحاكمة العادلة ضماناتها تخص القضاء الجنائي واحده، بيد أن المحاكمة العادلة تصورها، ضرورتها وتجاليتها تمتد لتشمل القضاء المدني وغيره من شعب القضاء الأخرى.

ويرى بعض الفقه عن حق أن المحاكمة العادلة في الميدان الجنائي غير قاصرة على مرحلة المحاكمة، بل تشمل مرحلة ما قبل المحاكمة – البحت التمهيدي المنجز من قبل الشرطة القضائية، الاستنطاق أمام النيابة العامة، التحقيق الإعدادي – وتمتد لما بعدها من خلال الطعن المسموح به في الحكم أو القرار القضائي – سواء كان الطعن عاديا أو غير عادي – وظروف تنفيذه[5].

 

   المطلب الثاني: تعريف المحاكمة العادلة دوليا.

من خلال استقراء مواد القانون الدولي والتي لها صلة بالحق في محاكمة عادلة، نجد أن هذا الحق يتمحور أساسا حول المساواة بين الأشخاص أمام القضاء في أن تنظر قضاياهم جهة قضائية مستقلة ومحايدة دون ظلم أو جور، وهو المبدأ الذي كرسته (المادة 10) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948 م، وكذا (المادة 14/1) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966 م، والتي كلها تلقي الضوء على إيجاد تعريف للمحاكمة التي تعتبر عادلة بمفهوم القانون الدولي لحقوق الإنسان[6].

حيت نصت (المادة 10) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان علي ما يلي: "لكل إنسان، علي قدم المساواة التامة مع الأخرين، الحق في أن تنظر قضيته محكمة مستقلة ومحايدة، نظرا منصفا وعلينا، الفصل في حقوقه والتزامات وفي أية تهمة جزئية توجه إليه"[7].

كما تنص (المادة 14/1) من العهد الدولي الخاص للحقوق المدنية والسياسية علي ما يلي:"الناس جميعا سواء أمام القضاء، ومن حق كل فرد، لدى الفصل في أية تهمة جزئية توجه إليه أو في حقوقه والتزاماته في أية دعوى مدنية، أن تكون قضيته محل نظر منصف وعلني من قبل المحكمة مختصة مستقلة حيادية، منشأة بحكم القانون، ويجوز منع الصحافة و الجمهور من حضور المحاكمة كلها أو بعضها لدواعي الآداب العامة أو النظام العام أو الآمن القومي في المجتمع ديمقراطي، أو لمقتضيات حرمة الحياة الخاصة لأطراف الدعوى أو في أدنى الحدود التي تراها المحكمة ضرورية حين يكون من شأن العلنية في بعض الظروف الاستثنائية أن تخل بمصلحة العدالة، إلا أن أي حكم في قضية جزئية أو الدعوى مدنية يجب أن يصدر بصورة علنية، إلا إذا كان الأمر يتصل بأحداث تقتضي مصلحتهم خلاف ذلك أو كانت الدعوى تتناول خلافات بين زوجين أو تتعلق بالوصية علي الأطفال"[8].

 

المبحث الثاني:  مصادر الحق في محاكمة عادلة في المواثيق الدولية لحقوق الإنسان.

معظم الاتفاقيات الدولية هي صادرة هيئة الأمم المتحدة في أعقاب ما ارتكب من فضاعت أثناء الحرب العالمية الثانية حيت سعى المنتظم الدولي للبحث عن طرق لتعزيز التعاون الدولي بما في ذلك التعاون الهادف لحماية حقوق الإنسان من ممارسة الدولة لنفوذ الدولة بشكل تعسفي.

أما من حيت موضوع الاتفاقيات، فمنها ما هو عام بحيث يتضمن مبادئ عامة كما هو وارد في الإعلام العالمي لحقوق الإنسان ومنها ما هو خاص كاتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية الا إنسانية أو مهنية لسنة 1974 م[9].

إن مفهوم الحق في محاكمة عادلة عرف في المواثيق و الاتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الإنسان، هاته الاتفاقيات التي لها صفة الإلزام والتي حث كثيرا علي احترام هذا الحق ومن بينها: المواثيق الدولية الغير ملزمة والمواثيق الدولية ملزمة.

  المطلب الأول: المحاكمة العادلة في المواثيق الدولية الغير ملزمة.

بحيث سنتناول في هذا المطلب مفهوم ومصادر الحق في محاكمة عادلة في المواثيق الدولية الغير ملزمة كالتالي:

 الفقرة الأولى: الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948 م.

الإعلان العالمي لحقوق الإنسان هو وثيقة حقوق دولية تمثل الإعلان الذي تبنته الأمم المتحدة  10 ديسمبر 1948 في باريس. الإعلان يتحدث عن رأي الأمم المتحدة عن حقوق الإنسان المحمية لدى كل الناس.

وورد في ديباجته أن المقصود منه أن يكون هو المستوى الذي ينبغي أن تستهدفه الشعوب و الأمم كافة، ويتألف من 30 مادة ويخطط رأي الجمعية العامة بشأن حقوق الإنسان المكفولة لجميع الناس.

يعتبر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان سنة 1948 من بين الوثائق الرئيسية لحقوق الإنسان والتي ثم تبينها من قبل الأمم المتحدة، ونالت تلك الوثيقة موقعا هاما في القانون الدولي، ولذلك

مع وثيقتي العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية سنة 1966. والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية و الاجتماعية والثقافية من سنة 1966. وتشكل الوثائق الثلاثة معا ما يسمي  "لائحة الحقوق الدولية ". وفي 1976، بعد أن ثم التصديق علي الوثيقتين من قبل عدد كاف من الأمم، أخذت لائحة الحقوق الدولية قوة القانون الدولي.

ولما كان هذا الإعلان هو للناس كافة سبق الإسلام - بمبادئه وشريعته – كل القوانين الوضعية والمواثيق العالمية، فأحق للإنسان حقوقه وأقر للآدميين حياة كريمة لا ظلم فيها ولا إجحاف، بل إن رسول الإنسانية  محمدًا صلي لله عليه وسلم بعت للناس كافة، ورحمة للعالمين. ومن مقومات هذه الرحمة تكريم الإنسان وإحقاق حقوقه وتبيين واجباته. ولله سبحانه وتعالى يقول:{ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرِ مِمَّا خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} سورة الإسراء الأية :70.

وفيما يلي البيان العالمي لحقوق الإنسان الذي أقرته الأمم المتحدة، ثم تفصيل موجز لحقوق الإنسان في الإسلام[10].

وقد جاء النص علي مبدأ الحق في محاكمة عادلة كحق أساسي من حقوق الإنسان في (المواد 10-11) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان فقد نصت (المادة 10) من الإعلان علي أنه: "لكل إنسان علي قدم المساواة التامة مع الأخرين، الحق في تنظر قضيته محكمة مستقلة ومحايدة نظرا منصفا و علنيا، للفصل في حقوقه والتزامات وفي أي تهمة جزئية توجه إليه".

يقرر الإعلان العالمي المبدأ إجراء محاكمة عادلة للمتهم، يظهر من خلالها ما للمتهم وما عليه بما يضمن قيام العدالة في المجتمع.

وهو ما يشير إليه الإمام رحمه الله بقوله: ( فمن ظهر منه)، والظهور يقتضي إعمال وسائل الإثبات كالشهود والإقرار أو اليمين أو البينات الشرعية كالأوراق والتوقيع وغير ذلك، والمعلوم أن هذه الوسائل تحتاج إلى قاض للنظر فيها، لأن المحتسب وحده لا يملك الحق في المحاسبة أو إيقاع العقوبة مباشرة، فكان إجراء المحاكمة الوسيلة الوحيدة لإيقاع العقوبة عند ثبوتها، ويؤيد هذا قول الإمام يرحمه الله (إذا لم يتب حتى قدر عليه ) أي ضبط بالجرم، وقامت الأدلة علي أنه ارتكب المخالفة،و الدليل ينبغي أن يقام أمام القاضي، إذ هو المخول بإعلان التجريم و الأمر بالعقوبة.

وبهذا يظهر أن الإمام يرحمه لله يقر مبدأ ضمان حق المتهم بإجراء المحاكمة العادلة ولم ينص عليها حرفيا،وإنما من خلال لوازمها.

كما جاء في نص (المادة 11/2) من الإعلان العالمي علي أنه:"لا يدان أي شخص من جراء أداء عمل أو الامتناع عن أداء عمل، إلا إذا كان ذلك يعتبر جرما وفقا للقانون الوطني أو الدولي وقت الارتكاب".

يقرر الإعلان العالمي أن الجريمة ما كان فيها مخالفة للقانون الوطني أو الدولي، سواء كانت المخالفة متمثلة بالفعل أو بترك الفعل، فمن أمثلة الفعل التجسس لمصلحة العدو، ومن أمثلة ترك الفعل التهرب من الضرائب".

غير أن الفارق بين النظر القانوني الذي نص عليه الإعلان و النظر الشرعي الذي أورده الإمام يظهر في وسائل المنع من الجريمة، فالقانون يلجأ إلي الوسائل المادية في المراقبة أو إثبات الجريمة، وأما  الدين فيجعل المراقبة ذاتية من حيت اطلاع لله تعالى الأفعال،مما يجعل المؤمن في دائمة لله تعالى.

كذلك جاء في(المادة11/2) من نفس الإعلان علي أنه"لا توقع عليه – المجرم – عقوبة اشد من تلك التي كان يجوز توقيعها وقت ارتكاب الجريمة".

يقرر الإعلان العالمي عدم جواز اللجوء إلي عقوبة أعلى من تلك التي يمكن إيقاعها علي الجرم، فأمر العقوبة يجب أن تكون منضبطا في القانون بحيث لا تتدخل الأهواء فيه.

فقد نصت (المادة11/1) من الإعلان علي أنه:"كل شخص متهم بجريمة يعتبر بريئا إلي أن تثبت إدانته قانونا".

يقرر الإعلان مبدأ عدم جواز الأخذ بالظن أو إيقاع العقوبة علي من اتهم بجريمة قبل التثبيت من وقوعها ومدى دوره فيها، وذلك إقامة للعدالة، وهو ما يتفق مع ما أورده الإمام يرحمه لله[11].

ومن مرتكزات حقوق الإنسان في الإعلان العالمي:

    أولا: الحقوق و الحريات:

لقد أقر و اعترف الإعلان العالمي بمجموعة من الحقوق والحريات، يمكن تلخيصها فيما يلي:

- تساوي الأفراد في الكرامة والحريات والحقوق، ووجوب معاملتهم لبعضهم بتكافل تآخ.

- منع الاتجار بالبشر أو استعبادهم.

- الحفاظ علي كرامة الإنسان، وعدم تعرضه للإهانة أو التعذيب الوحشي.

- المساواة أمام القانون، والحصول علي الحماية دون أي تمييز أو تفرقة.

- منع سجن أي شخص أو نفيه بدون سبب.

- الحق في الحصول علي محاكمة عادلة وعلنية للبت في التهم الموجهة للفرد و تحديد حقوقه وواجباته.

- براءة الفرد حثي ثبوت إدانته من خلال محاكمة علنية يتاح له فيها الدفاع عن نفسه.

- عدم إدانة الفرد بسبب القيام بعمل معين أو الامتناع عنه ما لم يخالف قانون الدولة أو القوانين العالمية.

- حق للجوء نتيجة التعرض للاضطهاد ما لم يقترف تهمة غير سياسية، أو جريمة  تخالف قوانين الأمم المتحدة وأنظمتها إضافة إلي مجموعة من الحقوق والحريات...

ثانيا: حقوق الإنسان في الإسلام:     

ينص الإسلام علي أن لله كرم الإنسان بأن ميزه بالعقل، وفضله علي كثير من خلقيه، وأعطاه جملة من الحقوق تتضمن ما أقره سبحانه لعباده من أحلام تفضلا منه منة، وبذلك فإن مصدر الحقوق في الشريعة الإسلامية ليس العقل البشري أو الطبيعة وإنما لله عز وجل.

ثالثا: الحقوق المدنية والسياسية:

- حق الحياة:عد الإسلام الاعتداء علي نفس واحد بمثابة الاعتداء علي البشرية جمعاء، قال لله تعالي:  { من أجل ذلك كتبنا علي بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات ثم إن كثيرا منهم بعد ذلك في الأرض لمسرفون[12]وفي هده دعوة لمكافحة الجريمة؛ لأن وجودها يشكل تهديدا لأمن المجتمع بأكمله، كما أن حق الحياة حق مشترك لكل الناس مهما اختلفت أديانهم و أجناسهم وأعمارهم، حتى شمل الجنين في بطن أمه، إذ إن إسقاطه بعد نفخ الروح يوجب عقوبة مالية.

- حق السلامة الشخصية: يحرم الإسلام الحبس دون سبب ودون تقديم لمحاكمة عادلة، فالأصل في الإنسان براءة الذمة ما لم تثبت إدانته بطرق مقبولة شرعا، قال لله تعالى:{ يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا علي ما فعلتم نادمين [13]كما لا يجوز إيذاء أي أحد بالسب و الشتم والطعن في السمعة والشرف، أو الاعتداء علي كل ما يخص الآخرين من دم و مال وعرض[14].

رابعا: مواقف الدول و المنظمات الدولية من حقوق الإنسان:

يعتبر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بمثابة إعلان مبدئي للحريات العامة رغم التفاصيل، ولم يشير إلي كيفية تطبيقه وضمان التنزيل و آليات إلزام الدول الأعضاء بدلك. ولما أدركت الأمم المتحدة أن هذا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ما هو إلا مجموعة مبادئ تنقصها آليات التطبيق، شرعت عام 1966م، في إعداد ميثاقين دوليين هما: الميثاق الدولي للحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية، و الميثاق الدولي للحقوق المدنية و السياسية و البروتوكول الاختياري الملحق بهما، ولم يصبحا نافذين إلا بعد انضمام 35 دولة للميثاق الأول 1976، و انضمام 10 دول للميثاق الثاني عام 1976م[15].

الفقرة الثانية: الحق في محاكمة عادية في العهد الدولي للحقوق المدنية و السياسية.

تضمن العهد الدولي للحقوق المدنية و السياسية لعام 1966م، مختلف الحقوق الأساسية للإنسان وعلي رأسها الحق في محاكمة عادلة وفق ما جاء في {المادة 14/1} والتي تنص علي أنه:" من حق كل فرد أن تكون قضيته محل منصف و علني من قبل محكمة مختصة وحيادية منشأة بحكم القانون".

ومنه فنلاحظ أن العهد الدولي للحقوق المدنية و السياسية ركز حتى تكون محاكمة عادلة، على ضمان الحق في محاكمة أمام محكمة مختصة مستقلة ونزيهة، مشكلة وفق للقانون وكذا الإنصاف في نظر الدعوى[16].

وبموجب (المادة2) من عهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية تتعهد الدول الأطراف باحترام و ضمان الحقوق المعترف بها في العهد لكل الأفراد المقيمين داخل أراضيها و الذين يقعون تحت سلطاتها القضائية دون تمييز من أي نوع مثل العرق و اللون و الجنس و اللغة و الدين و الرأي السياسي و الأصل الاجتماعي...

وبذلك فإن العهد لا يقتصر علي فرض احترام حقوق الإنسان ولكن الدول الأعضاء تتعهد كذلك بضمان التمتع بكل هذه الحقوق بالنسبة لكل الأفراد الخاضعين لسلطاتها القضائية وهو تعهد يرتبط مبدئيا بكل الحقوق التي تم توقيعها في العهد.

والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية بوصفه عهدا ذو طبيعة تشريعية يتضمن قائمة طويلة من الحقوق و الحريات، بحيث يكون علي السلطة بالدرجة الأولى أن تقيم الحاجة المشروعة لأي قيد يمارس علي حقوق الإنسان وكذا ضرورتها وتناسبها.

و معنى هذا أن القيود الواردة علي ممارسة حقوق الإنسان بشكل طبيعي، يجب أن تستند إلي القانون و أن يكون الهدف منها مشروعا و ضروريا و متناسبا كضرورة الحفاظ علي الأمن و الصحة العامة أي النظام العام بصفة عامة.

علي أن ثمة حالات يسمح فيها للدول بعدم التقيد بالالتزامات القانونية في مجال حقوق الإنسان وبموجب (المادة 4) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية نجد أن الأمر يتعلق أ ساسا بحالة الطوارئ التي تهدد حياة الأمة بشرط الإعلان رسميا عنها وأن تكون التدابير المتخذة بشأنها مؤقتة و لا تقوم علي أساس التمييز بسبب العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الأصل الاجتماعي...

ويبقي علي الدولة الراغبة في عدم التقييد استنادا لظروف طارئة أن تشعر الدول الأطراف الأخرى، و الأمين العام للأمم المتحدة ويجب عليها في هذا الإشعار أن توضح الأحكام التي قررت عدم التقيد بها و الأسباب التي حدت بها إلي هذه الإجراء كما يجب عليها تقديم إشعاران في تاريخ الذي ينتهي فيه عدم التقيد.

وحسب (المادة 4) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية هناك بعض الحقوق لا يجوز تقييدها بأي حال من الأحوال ولو في أحلك الظروف ومن ذلك الحق في الحياة (المادة 6)، حق الإنسان في عدم تعريضه للتعذيب ولا المعاملة القاسية أو للإنسانية أو المهنية (المادة 7)، حق الإنسان في أن لا يدان بسب فعل لم يكن وقت ارتكابه بشكل جريمة (المادة 15) وهو ما يعرف بمبدأ عدم رجعية القوانين.

وهذا يعني أن هناك حقوق لا يسمح بتاتا بعدم التقيد بها أنها لازمة للتمتع الفعلي بالحقوق المدرجة صراحة في (المادة4) مثل الحق في محاكمة عادلة بوصفه حق مطلق لا يجوز الإخلال به.

   وعن آليات تنفيذ العهد الدولي للحقوق المدنية و السياسية فإن اللجنة المعنية بحقوق الإنسان هي من يتولي رصد تنفيذ العهد وهي تتألف من 18 عضوا يعلمون بصفتهم الشخصية ويتخذ الرصد ثلاثة أشكال هي:

v           تقديم التقارير الدورية.

v           الرسائل المتبادلة بين الدول.

v           البلاغات المتقدمة من قبل الأفراد.

     وتجدر الإشارة أنه إلي جانب العهد الدولي للحقوق المدنية و السياسية هناك العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية و الثقافية والذي صدر بدوره سنة 1966م ودخل حيزه التطبيق سنة 1976م وحتى سنة 2002م كانت هناك 140 دولة طرف فيه، ويعهد للمجلس الاقتصادي و الاجتماعي رسميا بموجب العهد بمهمة رصد تقييد الدول الأطراف بالتزامات القانونية وتكلف بهذه المهمة منذ سنة 1987م لجنة الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية.

    ولمزيد من الإيضاح فالعهدان وردا بادئ الأمر في وثيقة واحدة إلي أن ثم اتخاذ قرار بعد جدل كبير بفصلهما عن بعضهما و صياغة عهدين اعتمدا في نفس الوقت.

   ويرجع السبب في هذا الفصل إلي الطبيعة الأكثر تعقيدا للحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و التي تستلزم صياغة دقيقة[17].

 ووردت متطلبات المحاكمة العادلة في (المواد 7، 8، 9، 10، 11) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، و (المادة 14) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية.

   واستكملا لتقرير أصدره مركز مرود عن الحق في محاكمة عادلة، وفق لما ورد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية، ويشمل الحق في محاكمة عادلة حقوق ما قبل المحاكمة، و حقوق أثناء المحاكمة، وتتمثل حقوق ما قبل المحاكمة في الحق في الحرية، معرفة أسباب الاحتجاز، الحق في الاستعانة بمحاكم قبل الحاكمة و الاتصال بالعالم الخارجي لضمان أمن الأفراد وعدم تعرضهم للاختفاء القسري أو المعاملة المهنية الإنسانية، الحق في المثول علي وجه السرعة أمام قاضي، والحق في الطعن في مشروعية الاحتجاز من الأساس، بالإضافة إلي حق المحتجز في محاكمة عادلة خلال مدة زمنية معقولة أو الإفراج عنه، والحق في تسهلات و مدة زمنية لإعداد الدفاع.

    ولأنه يصبح أي شخص يشتبه في الارتكاب لفعل جنائي أو يتهم بارتكاب فعل من هذا النوع عرضه لانتهاكات حقوق الإنسان من بينها التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية للإنسانية أو المهنية أثناء التحقيق الجنائي، كان من الضروري حفظ حقوق الأشخاص المحتجزين في خلال مراحل التحقيق، أما عن الحقوق أثناء المحاكمة فتتمثل في الحق في المساواة أمام القانون و المحاكم دون تمييز علي أساس الدين أو العرق أو غيره من الانتماءات، الحق في المحاكمة أمام محكمة مختصة مستقلة ونزيهة مشكلة وفق القانون، الحق في النظر المنصف للقضايا كافتراض البراءة وعدم الإبطاء في سير المحاكمات، الحق في عدم الإكراه علي الاعتراف بالذنب، و الحق في التزام الصمت، كما يتم استبعاد الأدلة المنتزعة نتيجة للتعذيب أو غيره من ضروب الإكراه، ولا يجوز توقيع العقوبات علي المتهم ما لم يصدر حكم بإدانته بعد محاكمة عادلة، وأخيرا الحق في الاستئناف[18].

    المطلب الثاني: المحاكمة العادلة في المواثيق الدولية الملزمة

 بحيث سنتناول في هذا المطلب الحق في محاكمة عادلة في المواثيق الدولية الملزمة كالتالي:

الفقرة الأولى: الحق في محاكمة عادلة في الاتفاقية المتعلقة بحقوق السجناء

      بعد أن قام مؤتمر الأمم المتحدة الأول لمنع الجريمة و معاملة المجرمين، المعقود في عام 1955م، تبنى القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء.17

    قامت الجمعية العامة باعتماد مجموعة المبادئ المتعلقة بحماية جميع الأشخاص الذين يتعرضون لأي شكل من أشكال الاحتجاز أو السجن، والتي تكفل لهم حقهم في محاكمة عادلة و منصفة ومن بين أهم المبادئ نذكر:

   - المبدأ العاشر: الذي ينص علي ضرورة تبليغ كل شخص يقبض عليه، وقت إلقاء القبض بسبب ذلك، وتبليغه علي وجه السرعة بكل التهم الموجهة إليه.

  - المبدأ الحادي عشر: جاء ينص هذا المبدأ علي أنه:"لا يجوز استبقاء شخص محتجزا دون أن تتاح له فرصة حقيقية للإدلاء بأقواله في أقرب وقت أمام سلطة قضائية أو سلطة أخرى، ويكون للشخص المحتجز الحق في أن يدافع عن نفسه أو أن يحصل علي مساعدة محام بالطريقة التي يحددها القانون".

   كما نص نفس المبدأ علي وجوب إعطاء الشخص المحتجز أو محاموه، إن كان له محام معلومات كاملة عن أي أمر بالاحتجاز وعن أسبابه إلي جانب صلاحية السلطة القضائية وغيرها بإعادة النظر في استمرار الاحتجاز حسب القضاء.

  - المبدأ الثاني عشر: والذي يقضي بضرورة تسجيل أسباب القبض وقت القبض و وقت اقتياد الشخص المقبوض عليه إلي مكان الحجز، وكذلك وقت مثوله الأول مرة أمام سلطة قضائية أو سلطة أخرى، إلي جانب المعلومات الدقيقة المتعلقة بمكان الحجز مع إبلاغها للشخص المحتجز أو محامية إن وجدة بالشكل الذي يقرره القانون.

   - المبدأ الثالث عشر: نص عن واجب السلطة المسؤولة عن إلقاء القبض أو الاحتجاز أو السجن علي التوالي، بتزويد الشخص لحظة القبض عليه وعند بدء الاحتجاز أو السجن أو بعدهما مباشرة، بمعلومات عن حقوقه و بتفسير هذه الحقوق وكيفية استعمالها.

   - المبدأ الرابع عشر: تضمن حق كل فرد لا يفهم أو لا يتكلم علي نحو كاف اللغة التي تستخدمها السلطات المسؤولة عن القبض عليه أو احتجازه أو سجنه، الحق في أن يبلغ علي وجه السرعة و بلغة يفهمها، له الحق في الحصول علي مساعدة مترجم شفوي فيما يتصل بالإجراءات القانونية التي تلي القبض عليه[19].

     إن وضع السجين و مطابقة حقوقه بالمواثيق الدولية يقتضي معرفة المصطلحات القانونية المحددة لوضعه وفق التعريفات القانونية فيعني "القبض" اعتقال شخص بدعوى ارتكابه لجريمة أو بإجراء من سلطة ما ويعني "الشخص المحتجز" كل شخص محروم من الحرية الشخصية ما لم يكن ذلك لإدانته في الجريمة ويعني "الشخص المسجون" كل شخص محروم من الحرية الشخصية لإدانته في الجريمة ويعتبر معتقلا بمفهوم هذا القانون كل شخص اتخذ في حقه تدبير سالب للحرية وتم إيداعه داخل مؤسسة سجينة ويعتبر معتقلا احتياطيا كل معتقل لم يصدر في حقه مقرر قطعي بالإدانة سواء كان ظنينا أو متابعا أو متهما ويعتبر مدانا كل شخص معتقل صدر في حقه مقرر قطعي بعقوبة سالبة للحرية ويعتبر مكرها بدنيا كل شخص اعتقل في نطاق مسطرة الإكراه البدني ويعني "الاحتجاز" حالة الأشخاص المحتجزين حسب تعريفهم الوارد أعلاه ويعني "السجين" حالة الأشخاص المسجونين حسب تعريفهم الوارد أعلاه.

-                حقوق السجين حسب المواثيق الدولية.

     إن تحديد مفهوم كل مصطلح يساعد علي معرفة الوضع القانوني للمعتقل و الحقوق المخول له قانون ليتمتع بها وفق المتعارف عليه عملا بمقتضى ظهير 98.23 القانون الذي أحدث تغييرا جوهريا علي القوانين المنظمة للسجون ومع ذلك لم يسلم هذا القانون من انتقادات لعدم مطابقة بعض مواده للمواثيق الدولية وخاصة القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء، التي أوحى باعتمادها مؤتمر الأمم المتحدة الأول لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين المنعقد في عام 1955م وأقرها المجلس الاقتصادي و الاجتماعي بقراريه 663 جيم (د24-) المؤرخ في 31 يوليوز 1957 و2076 (د62-)المؤرخ في 13 ماي 1977 ومجموعة المبادئ المتعلقة بحماية جميع الأشخاص الذين يتعرضون لأي شكل من أشكال الاحتجاز أو السجن اعتمدت و نشرت علي الملأ بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 173/43 المؤرخ في 9 دجنبر:

1-           يعامل جميع الأشخاص الذين يتعرضون لأي شكل من أشكال الاحتجاز أو السجن معاملة إنسانية وباحترام لكرامة الشخص الإنساني الأصلية.

2-           التمتع بالحقوق المتعارف عليها في المواثيق الدولية و لا يجوز التذرع بأن الدولة تعترف بها بدرجة أقل.

   ومن تلك الحقوق : حق التظلم من ممارسة السلطة لصلاحيات غير مخول لها قانونا والاستعانة بالمحامي والحق في الحصول على المعلومات وأسباب الاحتجاز بسرعة والحق في الحصول على المعلومات عن حقوقهم وبتفسير لهذه الحقوق وكيفية استعمالها والحق في الحصول على مترجم لمعرفة هذه الحقوق بلغة الشخص المعني والحق في الاتصال بالعالم الخارجي والحق في التبليغ الأسرة بالمكان الذي نقلت إدارة السجن المعتقل إليه والحق الأجنبي بالاتصال بالقنصلية والمنظمات الدولية والحق في أن تتولى الدولة بالاتصال بنفسها بالنسبة للأحداث والحق في المحامي وتوفير جميع تسهيلات الاتصال وحق المراسلة و زيارة الأسرة والحق في أن يكون قريبا من الأسرة وفق القواعد النموذجية لمعاملة المسجونين و الحق في احترام حقوقه دون تمييز و الحق في الاحترام المعتقدان الدينية و المبادئ ألأخلاقية للفئة التي ينتسب إليها السجين و الحق في أن يسجل في سجل مضبوط  و الحق في الفصل بين فئات الرجال و النساء و الأحداث و المحبوسين احتياطيا و المحكومين.

     وأماكن الاحتجاز لا يجوز أن يوضع في واحدة منها أكثر من سجين واحد ليلا كما يجب أن تتوفر على جميع المتطلبات الصحية مع الحرص على مراعاة الظروف المناخية وخصوصا من حيث الحجم الهواء والمساحة الدنيا المخصصة (السجناء )، ويجب أن تكون المراحيض كافية لتمكين كل سجين من تلبية احتياجاته الطبيعة وبصورة النظيفة ولائقة ويجب أن تتوفر منشات الاستحمام والاغتسال بحيث في مقدور كل سجين النظافة الشخصية ويجب أن تفرض على السجناء العناية بنظافتهم الشخصية ومن أجل ذلك يجب أن يوفر لهم الماء...

   كما يجب على الإدارة توفير الطعام ذات قيمة غذائية كافية لكل سجين للحفاظ على صحته بالإضافة إلى التمارين الرياضية الخدمات الطبيعية...

   أدوات تقييد الحرية: لا يجوز أبدا أن تستخدم أدوات تقييد الحرية كالأغلال والسلاسل والأصداف وثياب التكبيل كوسائل للعقاب.

تزويد السجناء بالمعلومات وحقهم في الشكوى، الاتصال بالعالم الخارجي، ممارسة الدين والحفاظ على متاع السجناء، واجب الإخطار، التفتيش، التعليم والترفيه...

-                حقوق السجين حسب القانون المحلي.

  إن القانون 23-98 يحتوي على 141 مادة و9 أبواب ومن أبرز الحقوق التي ينظمها هذا القانون هو إخبار المعتقل بمقتضيات هذا القانون وما يتضمنه من حقوق وواجبات، إذ يجب إشعار كل معتقل عند إيداعه بالمؤسسة السجنية بالمقتضيات الأساسية الواردة في هذا القانون وفي النصوص والضوابط الصادرة تطبيقا له ويجب على الخصوص إخباره بحقوقه وواجباته ويتضمن هذا الإشعار كذلك المعلومات المتعلقة بالعفو والإفراج المقيد بشروط وبمسطرة ترحيل المعتقلين وكل البيانات التي تقيده أثناء قضاء فترة إعتقاله خاصة طرق تقديم التظلمات والشكايات وتبليغ هذه المعلومات عن طريق الدليل ويسلم للمعتقل بطلب منه وعن طريق ملصقات داخل المؤسسة.

  وإذ كان المعتقل أميا وجب إخباره شفهيا من لدن المكلف بالعمل الاجتماعي وفي هذه الحالة يشير إلى ذلك الإخبار بملفه كما يجب أن يشعر كل معتقل عند إيداعه بالمؤسسة بحقه في إدلاء باسم و عنوان الشخص أو الأشخاص الذين يمكن الاتصال بهم في الحالات الطارئة ويسجل تصريحه في جميع الأحوال بملفه.

إذا تعلق الأمر بحدث جانح يجب أن يسجل مدير المؤسسة في بطاقة معلوماته وبمجرد إيداعه اسم و عنوان وهاتف أبويه أو وصية أو كافلة و إذا وجد معتقل بالمستشفى عند وجوب الإفراج عنه ينبغي إشعار عائلته أو الأشخاص الذين عبر عن رغبته في إشعارهم بالإفراج عنه وبمكان استشفائه...

إن قانون 23-98 احدث ثورة في إدارة السجون و مع ذلك فإن ابسط الحقوق مازلت مهضومة وليست في متناول الجميع مثل رخصة الخروج في الأعياد و حق التعليم بحيث يمنع منه البعض و تقريب السجين من أهله و ذويه تفاديا للتنقلات المتكررة المرهقة للعائلة و أما عن اتخاذ القرارات التأديبية فهي لا تزال متأثرة بعقلية القوانين المنسوخة بدلا من أن ترقى إلي المواثيق الدولية المصونة[20].

 

الفقرة الثانية: الحق في محاكمة عادلة في الاتفاقية المتعلقة بحقوق الأطفال

  اتفاقية حقوق الطفل هي أول اتفاقية دولية تلزم قانونيا بحماية حقوق جميع الأطفال في العالم، وهي جزء من الصكوك الدولية الملزمة قانونيا بضمان حقوق الإنسان و حمايته.

  وثم الاتفاق و التصديق علي اتفاقية حقوق الطفل بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 15/44 بتاريخ 20 تشرين الثاني من سنة 1989م، وقد دخلت حيز التنفيذ اعتبارا من أيلول سنة 1990م، وفقا للمادة 49، و تتضمن الاتفاقية 54 مادة، حيث ثم تعريف الطفل بالمادة الأولى من اتفاقية حقوق الطفل علي أنه كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشر من عمره، أو بحسب قانون الدولة التي يعيش فيها.

  فتؤكد اتفاقية حقوق الطفل علي حق الأطفال بالرعاية و الحماية بسبب ضعفهم، كما و تولي اهتماما خاصا برعاية الأسرة و تؤكد علي مسؤوليتها في حماية الطفل، و تؤكد علي حاجة الطفل للحماية القانونية و غيرها من أشكال الحماية قبل و بعد الولادة، وتؤكد أيضا علي أهمية احترام القيم الثقافية لمجتمع الطفل وأهمية الدور الذي يلعبه التعاون الدولي في ضمان حقوق الطفل.

  صادقت علي اتفاقية حقوق الطفل 196 دولة في العالم، ومن الجدير بالذكر أنه كان البعض الدول منها بعض التحفظات علي بعض المواد التي شملتها الاتفاقية، فعلى سبيل المثال أعربت المملكة الأردنية الهاشمية عن تحفظها من الالتزام بالمواد 14 و20 و21 من الاتفاقية لأن هذه المواد تمنح الطفل الحق في حرية اختيار الدين و تهتم بمسألة التبني، وهذه المواد تتعارض مع مبادئ الشريعة الإسلامية المتسامحة المتبعة في دولة الأردن[21]

  لقد اشتملت هذه الاتفاقية علي ضمانات للمحاكمة العادلة فيما يخص الأطفال المتهمين بمخالفة أحكام قانون العقوبات. لاسيما ما ورد في (المواد37 و40) من هذه الاتفاقية[22].

  فقد فرضت (المادة 37) من اتفاقية حقوق الطفل، مجموعة من الالتزامات علي رأسها عدم تعريض الطفل للتعذيب أو لغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو غير الإنسانية أو المهنية.

كما أكدت (الفقرة د من المادة 37) علي حق كل طفل محروم من حريته الحق في الحصول بسرعة علي مساعدة قانونية وغيرها من المساعدة المناسبة، فضلا عن الحق في الطعن في شرعية حرمانه من الحرية أمام محكمة أو سلطة مختصة مستقلة و محايدة أخرى، وفي أن يجرى البت بسرعة في أي إجراء من هذا القبيل[23].

 كما نصت المادة ( 40/2/ب) بصورة لا غموض فيها حق الطفل في محاكمة عادلة كما وضعت الضمانات الكفيلة بحماية هذا الحق والمتمثلة فيما يلي:

§        افتراض براءته  إلى أن تثبت إدانته وفقا للقانون.

§        إخطاره فورا ومباشرة بالتهم الموجهة إليه، عن طريقة ولديه والأولياء القانونيين عليه عند الاقتضاء، و الحصول علي مساعدة قانونية أو غيرها من المساعدة الملائمة لإعداد وتقديم دفاعه.

§        قيام سلطة أو هيئة قضائية مختصة ومستقلة ونزيهة بالفصل في دعواه دون تأخير في محاكمة عادلة وفقا للقانون، بحضور مستشار قانوني أو بمساعدة مناسبة أخرى وحضور والديه أو الأوصياء القانونيين عليه، ما لم تعتبر أن ذلك في غير مصلحة الطفل الفضلي، ولاسيما إذا أخذ في الحسبان سنة أو حالته.

§        عدم الإكراه على الإدلاء بالشهادة أو الاعتراف بالذنب، والاستجواب أو التأمين، استجواب الشهود المناهضين وكفالة اشتراك واستجواب الشهود لصالحه في ظل ظروف من المساواة.

§        إذا اعتبر أنه انتهاك القانون العقوبات، تأمين قيام سلطة مختصة أو هيئة قضائية مستقلة ونزيهة أعلى وفقا للقانون بإعادة النظر في هذا القرار وفي أي تدابير مفروضة تبعا لذلك.

§        الحصول على مساعدة المترجم شفهيا مجانا إذا تعذر على الطفل فهم اللغة المستعملة أو النطق بها.

§        تأمين احترام حياته الخاصة تماما أثناء جميع مراحل الدعوى[24].

ولا تتضمن اتفاقية حقوق الطفل أي حكم تقييدي، ومعني هذا أنه يتعين تطبيق الاتفاقية بحذافيرها حتى في حالات الأزمات الاستثنائية.

الفقرة الثالثة: اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة   القاسية أو للإنسانية أو المهنية لسنة 1974م.

  على الرغم من أن أهم معاهدات حقوق الإنسان تحظر التعذيب، إلا أنه مع ذلك يبقى ممارسة شائعة تتطلب تنظيما أكثر تفصيلا وآلية تنفيذ أكثر فعالية، وبناء عليه تقررت صياغة اتفاقية مناهضة التعذيب و غيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية للإنسانية أو المهنية.

وثم اعتماد هذه الاتفاقية من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر 1974م، وبدأ نفاذها في 26 يونيو 1978م. وفي أبريل 2002م، بلغ عدد الأطراف في الاتفاقية 127 دولة طرف. وقد أنشأت الاتفاقية هيئة خبراء وهي لجنة مناهضة التعذيب لرصد تنفيذ التزامات الدول الأطراف[25].

  ويقصد بالتعذيب حسب الاتفاقية "كل عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد جسديا كان أو عقليا يلحق عمدا شخصا ما بقصد الحصول من هذا الشخص أو من شخص آخر على معلومات أو على اعتراف أو معاقبته على عمل ارتكبه أو يشتبه في أنه ارتكبه هو  أو شخص آخر أو تخويفه أو إرغامه هو أو أي شخص آخر أو عندما يلحق مثل هذا الألم أو العذاب لأي سبب من الأسباب يقوم على التمييز أيا كان نوعه أو يحرض عليه أو يوافقا عليه أو يسكت عنه موظف رسمي أو أي شخص آخر يتصرف بصفته الرسمية، إلا أن ذلك لا يتضمن الألم و العذاب الناشئ فقط عن عقوبات قانونية أو الملازم لهذه العقوبة أو الذي يكون نتيجة عرضية لها.

  والمعلوم أن المغرب صادق على هذه الاتفاقية من خلال القانون رقم 43.04 المتعلق بمناهضة التعذيب بحيث نظم أحكامه من خلال 8 فقرات أضيفت للفصل 321 من القانون الجنائي.

  وتضيف (المادة2) من الاتفاقية "أنه لا يجوز التذرع بأي ظروف استثنائية أيا كانت، سوء كانت هذه الظروف حالة حرب أو تهديد بحرب أو عدم استقرار سياسي داخلي أو أي حالة من حالات الطوارئ العامة الأخرى كمبرر للتعذيب".

  والملاحظ أن الاتفاقية الخاصة بمنع التعذيب جاءت منسجمة مع ما ورد في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لسنة 1966م، من حيث عدم تقييده.

وتوضح اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو للإنسانية أو المهنية أنه لا يجوز التذرع بالأمر الصادرة عن الموظفين الأعلى مرتبة أو عن أو عن السلطة العامة (المادة2).

أو بعبارة أخرى فإن مبدأ المسؤولية الفردية عن أعمال التعذيب قد ثم إقراره بوضح (المادة50).

  وتتخذ الدول الأطراف ما يلزم من التدابير لإقامة ولايتها القضائية على الجرائم السابقة وتقديم الشخص المرتكب لهذه الأعمال المخالفة (للمادة4) من الاتفاقية إلى السلطات المختصة بقصد تقديمه للمحاكمة (المواد5 و8).

كما أنه على كل دولة طرف أن تقدم إلي الدول الأطراف الأخرى  أكبر قدر من المساعدة فيما يتعلق بالإجراءات الجنائية المتخذة بشأن هذه الجرائم (المادة9).

  وتضمن الدول الأطراف في الاتفاقية حسب المادة 10 إدراج التعليم و الإعلان فيما يتعلق بحظر التعذيب على الوجه الكامل في برامج تدريب الموظفين المكلفين بنفاذ القوانين سواء كانوا من المدنيين أو العسكريين أو العاملين في ميدان الطب و الموظفين العموميين أو غيرهم ممن قد تكون لهم علاقة باحتجاز أي فرد معرض لأي شكل من أشكال التوقف أو الاعتقال أو السجن أو باستجواب هذا الفرد  أو معاملته.

  ويبقي على كل دولة تنظيم قواعد الاستجواب وتعليماته و أساليبه وممارسته وكذلك الترتيبات المتعلقة بحجز و معاملة الأشخاص الذين يتعرضون لأي شكل من أشكال الحرمان من الحرية.

  ويجب على السلطة المختصة في الدولة إجراء تحقيق سريع و نزيه كلما وجدت أسباب معقولة تدعو للاعتقاد بارتكاب أي عمل من أعمال التعذيب، وتضمن كل دولة طرف لأي فرد يدعى أنه تعرض للتعذيب الحق في أن يرفع شكوى إلى السلطات المختصة وفي أن تنظر هذه السلطات في حالته على وجه السرعة وبترهة.

  وأخيرا جاء في المادة 15 من الاتفاقية: "عدم اعتداد كل دولة طرف في الاتفاقية بأية أقوال يثبت أنه ثم الإدلاء بها نتيجة للتعذيب كدليل في أي إجراء إلا إذا كان ذلك ضد شخص متهم بارتكاب التعذيب كدليل على الإدلاء بهذه الأقوال.

  وعن آليات تنفيذ هذه الاتفاقية فيعهد بها إلى لجنة مكونة من 10 أعضاء يقومون برصد تنفيذ هذه الاتفاقية وذلك من خلال الاطلاع على تقارير الدورية التي تقدمها الدول الأطراف ويمكنها علاوة على ذلك استلام البلاغات من الدول الأعضاء ومن الأفراد و النظر فيها، كما تعطي الاتفاقية للجنة صلاحية زيادة كل بلد يتم فيه ممارسة التعذيب شرط موافقة الدولة المعينة.

  وتعتبر للجنة أي بلاغ غير مقبول إن كان لا يتضمن التوقيع أو إذا رأت أنه يشكل إساءة لاستعمال حق تقديم مثل هذه البلاغات أو أنه لا يتفق مع أحكام الاتفاق (المادة22).

  وعلى للجنة قبل النظر في أي بلاغ أن تتأكد من جملة أمور منها كون الفرد قد استنفذ جميع وسائل الإنصاف الوطنية المتاحة إلا في حالة إطالة مدة التطبيق وسائل الإنصاف بصورة غير معقولة أو في حالة عدم احتمال إنصاف الشخص المزعوم وقوعه ضحية انتهاك هذه الاتفاقية على نحو فعال (المادة22).

  وتجدر الإشارة إلى أن هناك برتوكول اختيار ملحق باتفاقية التعذيب المذكور[26].

 

الفقرة الرابعة: المحاكمة العادلة في النظام الأساسي للمحاكمة الجنائية الدولية

   يعتبر النظام الأساسي للمحاكمة الجنائية الدولية حدثا تاريخيا هما. ويشكل دفعا قويا نحو حماية شاملة لحقوق الإنسان بعدما عانت البشرية من أبشع الجرائم الدولية ولا تزال نعاني منها، وقد دخل النظام الأساسي للمحاكمة الجنائية الدولية حيز النفاذ في 01 جويليه 2002[27].

1-          المبادئ العامة للقانون الجنائي:

يشتمل النظام الأساسي على المعايير و المبادئ الدولية الموجودة من أجل ملاحقة الجرائم فعلى سبيل المثال، لا يخضع شخص لمقاضاة جنائية أو يعاقب من جانب المحكمة الجنائية الدولية على أي سلوك ما لم يشكل ذلك السلوك أو يوجب عقابا كهذا وقت وقوعه (المادتان 22 و23). إضافة إلي ذلك فإن لا يخضع أي شخص لمقاضاة من المحكمة الجنائية الدولية على أي سلوك شكل الأساس لجرائم سبق أن أدين بسببها الشخص أو برئ من طرف المحكمة أو من طرف أية محكمة أخرى إلا إذا كانت إجراءات المقاضاة المتخذة في محكمة أخرى قد هدفت إلى حماية ذلك الشخص من المسؤولية الجنائية، أو أنها لم تجر بصورة تتسم بالاستقلال أو النزاهة وفق لأصول المحاكمات المعترف بها في القانون الدولي، وجرت على نحو لا يتسق مع النية لتقديم ذلك الشخص إلى العدالة (المادة 20) كما تنص (المادة 26) على أنه لا يجوز مقاضاة أي شخص كان دون الثامنة عشر من عمره وقت ارتكاب الجريمة المنسوبة إليه.  

  كما ينص النظام الأساسي على المسؤولية الجنائية الفردية بما في ذلك المسؤولية كمتدخل أو شريك عن علم وقصد وطوع منه في جريمة أو تورط تورطا مشابها آخر في ارتكاب أو المحاولة ارتكاب جريمة (المادة 25).غير أن [المادة 25(1)] تنص على أن لا يكون للمحكمة اختصاص إلا على الأشخاص الطبيعيين . وذلك فإن المحكمة ليس لها سلطة قضائية على الشركات أو الهيئات في حد ذاتها (كما قد يكون الحال في القانون الوطني عندما يدرج هذا القانون الشركات في قائمة الأشخاص المعنويين). وينتج عن ذلك أن المحكمة الجنائية الدولية لا تستطيع إدانة الشركات أو محاكمتها. غير أنه يجب عدم الخلط بين ذلك من ناحية و بين موظفي الشركات و مستخدميها من ناحية أخرى، إ ذا يمكن اعتبار هؤلاء مسؤولين كأفراد مسؤولية جنائية عن الإبادة الجماعية و الجرائم ضد الإنسانية و جرائم الحرب، أو مسؤولين "كقادة" أو "رؤساء مشرفين" بموجب " (المادة28). إذ تنص تلك المادة تحديدا على مسؤولية القادة و الرؤساء الآخرين  عن أعمال مرؤوسيهم في ظروف معينة.  

  ويعتبر النظام الأساسي في وقت ذاته بمبررات معينة لاستبعاد المسؤولية الجنائية مثل الدفاع عن النفس و القصور العقلي و الغلط في الوقائع (المادتان 31و32). لكن يجب أن نلاحظ أن الشخص لا يستطيع أن يحتج بأنه كان في حالة دفاع عن النفس عندما كان يتصرف بناء على أوامر من الحكومة أو من الرئيس له إلا إذا: (1) كان على الشخص التزام قانوني بإطاعة أوامر الحكومة أو الرئيس المعني(2) لم يكون الشخص على علم بأن الأمر غير مشروع (3) إذا لم يكن عدم مشروعية الأمر ظاهرا بوضوح، كما ينص النظام الأساسي على أن أي أمر يتطلب من الشخص ارتكاب إبادة جماعية أو جرائم ضد الإنسانية هو أمر عدم مشروعيته ظاهرة بوضوح ( المادة 33).لاحظ كذلك  (المادة 30) التي تشترط إثبات كل من النية لارتكاب الجريمة و العلم بها و ذلك طبقا للتعريفات ذات الصلة الواردة في النظام الأساسي.

2-          كيفية تقديم أية قضية للمحاكمة:

بناء على طلب من المدعي العام تقرر الدائرة التمهيدية ما إذا كانت ستصدر أم لا مذكرة بالقبض و التقديم إلي المحكمة شخص مشتبه بارتكابه جريمة تقع ضمن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية.

ويقدم النظام الأساسي عددا من العوامل التي يجب أن تأخذها الدائرة في الحسبان قبل إصدار مذكرة من هذا القبيل ، بما في ذلك أسباب معقولة تحمل على الاعتقاد بأن الشخص الذي ارتكب الجريمة التي هي قيد التحقيق (المادة 58). و يطلب إلى الدول الأطراف مساعدة المحكمة في إلقاء القبض على الأشخاص و تقديمهم إلى المحكمة الجنائية الدولية (المادتان 59و89). وما إن يتم إحضار الشخص أمام المحكمة سواء طواعية أو عن طريق مذكرة إحضار، حتى يتحتم على الدائرة التمهيدية عقد جلسة محاكمة توكيدية لضمان توفير أدلة كافية لدى المدعي العام لدعم كل تهمة [المادة61(5)]. ويحق للشخص التقدم بطلب للحصول على إفراج مؤقت عنه في مراحل متعددة سابقة للمحاكمة [المادتان59(3) و60(2)]. وهناك أيضا فرص متعددة مفتوحة أمام المتهم و المدعي العام و الدول للطلب إلى الدائرة التمهيدية مراجعة القرار المختلفة التي اتخذها المدعي العام، واستئناف قرارات معينة اتخذتها الدائرة التمهيدية قبل البدء في المحاكمة.

3-          الحق في محاكمة عادلة:

      الحق في محاكمة عادلة مضمون في النظام الأساسي. فعلى سبيل المثال يجب أن يكون المتهم حاضرا أثناء المحاكمة (المادة 63)، كما يحق للمتهم أن يعد بريئا إلى أن تثبت إدانته أمام المحكمة طبقا للقانون الواجب التطبيق [المادة66(1)].وعلى المدعي العام يقع عبء إثبات أن المتهم مذنب، كما يجب عليه إقناع المحكمة بأن المتهم مذنب دون قدر معقول من الشك [المادتان 66(2) و(3)]. و تبين المادة67 حقوق المتهم في محاكمة عادلة و علنية، تجرى طبقا للمعايير المستقاة من الميثاق الدولي للحقوق المدنية و السياسية و غيره من الوثائق الدولية المقبولة على نطاق واسع. كما تتم حماية الشهود و المجني عليهم المعرضين للخطر أثناء أية محاكمة، و ستقرر المحكمة ما هي الأدلة المقبولة أو غير المقبولة ( المادتان 68و69).كما ستتمكن المحكمة من مقاضاة الأشخاص الذين يحاولون عرقلة سير العدالة كأن يدلوا بشهادات كاذبة أو يقوموا برشوة القضاة أو تهديدهم (المادة70).

وتنص (المادة 74) على وجوب حضور جميع قضاة الدائرة الابتدائية (دائرة المحكمة)، وفي كل مرحلة من مراحل المحاكمة و طوال مداولاتهم، وضرورة محاكمة توصلهم إلى قرار بالإجماع. كما يجب أن يصدروا قراراتهم كتابة معللة بالحيثيات [المادة74(5)]. وتنص [المادة76(4)]على وجوب صدور أي حكم علنا وبحضور المتهم ما أمكن ذلك. كما يسمح النظام الأساسي باستئناف مختلف قرارات الدائرة الابتدائية مثل القرار بإدانة شخص أو إصدار حكم معين ضده (المواد 81و84).و سيصار إلى النظر في جميع الاستئناف هذه من قبل دائرة الاستئناف التي ستتألف من الرئيس وأربعة قضاة آخرين في كل حالة (المادة 39). ويجوز للمحكمة إنزال العقوبات التالية بالشخص المدان (1) السجن لمدة لا تتجاوز 30 سنة. (2) السجن المؤبد حيثما تكون هذه العقوبة مبررة بالخطورة البالغة للجريمة و بالظروف الفردية الخاصة للشخص المدان، و/أو (3) فرض غرامة و (4) مصادرة العوائد المتأتية من تلك الجريمة (المادة 77).علاوة على ذلك، يحق للمحكمة أن تلزم الشخص المدان بجبر أضرار المجني عليهم مثل رد الحقوق و التعويض ورد الاعتبار [المادة 75(2)].

  ويشترط النظام الأساسي على أن تكون للمحكمة القواعد الإجرائية و قواعد الإثبات الخاصة بها، و التي سوف تبلورها جمعية الدول الأطراف (المادة51). وستقدم هذه مزيد من التفاصيل حول النصوص الواردة في النظام الأساسي ذات الصلة بإدارة جميع إجراءات المحكمة الجنائية الدولية. و على سبيل المثال، يحتمل أن تشترط القواعد أمورا عملية مثل العوامل التي يجب أن تأخذها المحكمة في الحسبان عندما تفرض غرامة، و الإجراءات الخاصة بتحديد نوعية جبر الأضرار التي قد تكون مناسبة، و الفترة الزمنية المسموح بها للتقديم بطلب الاستئناف.

كما ستعتمد المحكمة على الدول في تقديم التعاون و المساعدة طيلة فترة التحقيق و المقاضاة و تنفيذ العقوبة حسبما تقتضي الضرورة (المواد 86 إلى 103). ويطلب إلى الدول الأطراف الاستجابة لطلبات المساعدة التي تتقدم بها المحكمة ما لم تتعرض مصالح حقيقية للأمن القومي للتهديد (المادة76)، و كذلك في ظروف معينة أخرى محدودة جدا، وقد يطلب إلى الدول الأطراف المساعدة أيضا في تطبيق أوامر غرامات و مصادرة حقوق أو أوامر لجبر الأضرار [المادتان 75(5) و 109].إضافة إلي ذلك فإنه يجوز لأية دولة أن تتطوع بقبول الأشخاص المحكومين و الإشراف عليهم ( المواد 103-107).غير أنه لا يحق لهذه الدول تعديل الحكم الصادر بحف الشخص ولا الإفراج عنه قبل انتهاء مدة المحكومة التي أصدرتها المحكمة ( المادتان 105و110)[28].



[1]  - يونس العايشي، "المحاكمة العادلة بين النظرية والتطبيق علي ضوء المواثيق والمعاهدات الدولية والعمل القضائي"، المرجع السابق،  (ص:11).

[2] - فريجة محمد هشام: أستاذ مساعد بكلية الحقوق والعلوم السياسية ،المرجع السابق (ص:429).

[3] -ذ:عبد لله الحبيب عمار"المعايير الدولية للمحاكمة الجنائية العادلة" (ص:2).

[4] - نفس المرجع السابق (ص:429).

[5] - يونس العايشي، المحاكمة العادلة بين النظرية و التطبيق، الرجع السابق ذكره (ص:34).

[6] - فريجة محمد هشام ، مرجع السابق، (ص:429).

[7] - (المادة10)، من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

[8] - (المادة14/1) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية، اعتمد و عرض للتوقيع والتصديق و الانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 2200 ألف (د-21) المؤرخ في 16 ديسمبر 1966م. تاريخ بدء النفاذ: 23 مارس 1976.

[9] - يونس العايشي: مرجع سبق ذكره (ص:11و 12).

[10] - الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، اعتمد نشر علي ملأ بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 217 ألف (د-3) المؤرخ في 10 ديسمبر 1948.

[11] - محمد نوح علي سليمان، الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في ضوء " كتاب الحسبة في الإسلام " لشيخ الإسلام ابن تيمية( ص":107-108-109).

[12] - سورة المائدة، الآية 32.

[13] - سورة الحجرات، الآية 6.

[14] -بحث عن حقوق الإنسان، بواسطة T- Waleed Ostoz أخر تحديث : 35،07: 15، فبراير 2018.

[15] - ذ. أحمد الدرداري، أستاذ بكلية المتعددة التخصصات بتطوان- مرتيل. حقوق الإنسان والحريات العامة، ص 128.

[16] - فريجة محمد هشام، مرجع سابق، ص490.

[17] - يونس العياشي، مرجع سابق، ص: 13-14-16-17.

[18] - الحق في محاكمة عادلة الإصدار الثاني أوضاع الاحتجاز والمحاكمات في مصر.

[19] - القواعد النموذجية الدنبا لمعاملة السجناء أوصى بإعتمادها مؤتمر الأمم المتحدة الأول لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين المعقود في جنيف سنة 1995، وأقرها المجلس الاقتصادي والاجنماعي بقراره 663 جيم (د 24) المؤرخ في 31 يوليو 1957 و 2076 ( د 62) المؤرخ في 13 ماي1977.

[20] - حقوق السجناء حسب المواثيق الدولية و قانون 23-98 و مدى تطابق القانون الداخلي لها، نشر بوساطة نور الدين بوبكر في الجسور يوم 01-09-2010.

[21] -محمد مروان آخر تحديت 14.08.30 ديسمبر 2017.

[22] -اتفاقية حقوق الطفل، اعتمدت وعرضت للتوقيع  و التصديق و الانضمام بموجب قرار الجمعية العامة 25/44 المؤرخ في 20 نوفمبر 1989م، تاريخ بدء النفاذ 2 أيلول / سبتمبر 1990م.

[23] - (المادة 37)، من اتفاقية حقوق الطفل المرجع سبق ذكره.

[24] - (المادة 40-2-ب)، اتفاقية حقوق الطفل المرجع سبق ذكره.

[25] - يونس العايشي، المحاكمة العادلة بين النظرية و التطبيق ، نفس المرجع السابق (ص:19 و20).

[26] -اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو الانضمام إليها في القرار 39/46، المؤرخ في 10 كانون الأول/ ديسمبر 1984م، تاريخ بدء النفاذ 26 حريزان/يونيو 1987، وفق للمادة 27(1).

[27] -فريجة محمد هشام: ضمانات الحق في محاكمة عادلة في المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، مرجع سبق ذكره، (ص: 433).

[28]-   المحكمة الجنائية الدولية، دليل للتصديق على نظام روما الأساسي وتطبيقه. مشروع مشترك بين المركز الدولي لحقوق الإنسان والتطوير الديمقراطي و المركز الدولي لإصلاح القانون الجنائي وسياسة القضاء الجنائي. ترجمة وتحرير: صادق عودة/عيسى زايد – مراجعة قانونية: المحامي أيمن القاسم. عمان- الأردن.

التعليقات



إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

باحث في المجال القانوني حاصل على الماستر المتخصص في المهن القانونية والقضائية بكلية

جميع الحقوق محفوظة

مدونة المهن القانونية والقضائية ..

2016