-->
مدونة المهن القانونية والقضائية .. مدونة  المهن القانونية والقضائية ..

 

الضمانات الدستورية و       الجنائية للمحاكمة العادلة في القانون المغربي.

 

 


 

   يشكل الحق في المحاكمة العادلة أحد الأعمدة الأساسية لدولة الحق و القانون و الحماية الإنسان من التعسف و الشطط و التمييز و الاعتداء. لذلك حضي هذا الحق بمكانة خاصة كرستها الصكوك الدولية في مجال حقوق الإنسان من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان إلي العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية واتفاقية مناهضت التعذيب و غيرها من الإعلانات و القواعد ذات الصلة[1].

بل الأكثر من ذلك أن المحكمة العادلة في القانون المغربي اليوم أصبحت تستمد مرجعيتها من الدستور الجديد الذي عمل على تكريسها في الفصل 23 منه و الذي ينص على (قرينة البراءة و الحق في المحاكمة العادلة مضمونان) إن هذه الضمانة ثم ترسيخها في الفصل 120 من الدستور و الذي أكد على أن (لكل شخص الحق في محاكمة عادلة وفي حكم يصدر في أجال معقول)[2].

   و يضل مفهوم المحاكمة العادلة من المفاهيم النسبية، فليست هناك محاكمة عادلة و محاكمة غير عادلة. إلا أن التحليل القانوني لهذا المفهوم يحلنا على القول إنها تلك المحاكمة التي احترمت فيها القواعد الشكلية و الموضوعية و الضمانات المنصوص عليها في القانون. حيث أن ظهور هذا المصطلح لم يكن إلا بعد الحرب العالمية الثانية عبر مواثيق الأمم المتحدة و التي لم تتحدث عن المحاكمة العادلة بل تحدثت على حق كل شخص في أن تنظر المحكمة في دعواه نظرا منصفا. فالمحكمة العادلة هي التي أحترم فيها القانون و طبقا فيها الأنصاف. فتأصيل الدستورية لهذا الحق يشكل قفزة نوعية في الارتفاع بهذا الحق إلى مصاف الحقوق الدستورية الذي تلتزم الدولة بتوفيرها للمواطنين مادام الدستور يشكل أسمى القوانين[3].

  و يبقي قانون المسطرة الجنائية من أهم القوانين التي لها ارتباط وطيد بحماية الحقوق و الحريات المتعلقة بالأفراد داخل المجتمع، وقد خضع هذا القانون منذ بداية إعداده لنقاشات خصبة سواء على مستوى المؤسسات الدستورية أو على مستوى الفاعلين الحقوقيين و السياسيين و القانونيين من خلال الندوات والأيام الدراسية التي خصصت له، كما كرس مكاسب حقوقية لبناء أسس دولة الحق و القانون وما يقتضيه ذلك من تعزيز للديمقراطية و حقوق الإنسان وتقوية سلطة العدالة الجنائية عن طريق جهاز القضاء وضمان المحاكمة العادلة و حقوق الدفاع و الحريات الفردية والجماعية في إطار التوازن بين حقوق الفرد و  حقوق المجتمع[4].

  وتبعا لما ذكر أعلاه، ارتأينا أن نقسم هذا الفصل إلى مبحثين رئيسيين: المبحث الأول سنتناول فيه ضمانات المحاكمة العادلة من خلال دستور 2011، و المبحث الثاني سنخصصه للحديث عن ضمانات المحاكمة العادلة من خلال قانون المسطرة الجنائية.

المبحث الأول: ضمانات المحاكمة العادلة من خلال الدستور 2011.

المبحث الثاني: ضمانات المحاكمة العادلة من خلال قانون المسطرة الجنائية.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المبحث الأول: ضمانات المحاكمة العادلة من خلال الدستور 2011.

  لقد ركز دستور 2011 على تصوير اعتبره جزاء لا يتجرأ من الدستور حيث تمت الإشارة فيه إلى مجموعة من المبادئ: الديمقراطية، والقانونية، والأمن والحريات والكرمة و الحقوق والحريات... وبعد ذلك ثم تكريس مجموعة من الكليات في الباب الأول المتعلق بالأحكام العامة منها: سمو القانون لأنه التعبير الأسمى على إرادة الأمة. واحترام الاختبار الديمقراطي لأنه أصبح ثابتا من الثوابت الجامعة الأمة.

  وقد خصص الدستور الباب الثاني للحريات و الحقوق الإنسانية. حيث ثم تركيز على المناصفة والحق في الحياة، والسلامة الجسدية والمعنوية، معتبرا قرينة البراءة والحق في المحاكمة العادلة مضمونان. كما تطرق إلى عدم الانتهاك كرمة المنازل وسرية الاتصالات، مشيرا إلى مجموعة من تجليات الحرية نحو الحق في المحاكمة، والفكر والصحافة و الإضراب... ناهيك على الحقوق الاجتماعية.

  وكون السلطة القضائية مستقلة، فإن الدستور يمنع كل تدخل في القضايا المعروضة على القضاء. وطلب القضاة بتطبيق القانون. ضامنا حقوق المتقاضين، وقواعد سير العدالة. لأنه لكل شخص الحق في محاكمة عادلة. ونصت (المادة 133) من الدستور على أن المحاكمة الدستورية تنظر في كل دفع متعلق بعدم دستورية قانون، أثير أثناء النظر في قضية. تمس الحريات و الحقوق التي يضمنها الدستور[5].

 

  المطلب الأول: أهم المبادئ الدستورية للمحاكمة العادلة.

    لقد عمل الدستور الجديد على وضع مجموعة من المبادئ لتأطير مفهوم المحاكمة العادلة وعمل على تقويتها بمجموعة من الضمانات، إلا أنه لابد من التذكير بأن تكريس التأصيل الدستوري للمحاكمة العادلة وتفعيلة رهين بمدى تطور البناء الديمقراطي ومدى ترسيخ فكرة دولة الحق والقانون والمؤسسات حيث أن هذه الأمور إذا انعدمت،انعدمت المحاكمة العادلة وإذا وجدت وجدت المحاكمة العادلة وإذا تعززت الأولى تعززت دعائم المحاكمة العادلة.

  لقد عمل الدستور الجديد على تأكيد مجموعة من المبادئ لتكريس ضمانات المحاكمة العادلة، لعل أهمها مبدأ قرينة البراءة (الفقرة الأولى)، ثم مبدأ الشرعية (الفقرة الثانية).

    الفقرة الأولى: مبدأ قرينة البراءة.

  يمكن مناقشة بداية بما نص عليه الدستور المغربي لسنة 2011م، قد ثم تعريفها قرينة البراءة في (المادة1) من قانون المسطرة الجنائية وهي: "كل متهم أو مشبه فيه بارتكاب جريمة يعتبر بريئا إلى أن تثبت إدانته قانونا بمقرر مكتسب لقوة الشيئ المقضي به، بناء على محاكمة عادلة تتوفر فيها كل الضمانات القانونية". يفسر الشك لفائدة المتهم.

  فهي بذلك قرينة قانونية بسيطة لإمكانية إثبات ما يخالفها إلا أنها وردة في نطاق ضيق وهو نطاق الدعوى العمومية وبالدرجة الأولى في مجال الإثبات الجنائي، أي في إطار علاقة المشبه فيه أو المتهم بأجهزة العدالة الجنائية وهو ما يؤدي إلى سهولة إدخاله إلى وضعية المتهم أو الضنين ويتبع ذلك بشكل ملازم تدحرجه من وضعية البريء حقيقة أو حكما إلى وضعية شخص مفترض براءته فقط وبالتالي تصبح براءته موضوع شك وشبهة.

  إن الضمانة الأساسية التي يتمتع بها المفترض براءته بمقتضى قرينة البراءة تمكن في كون عبء إثبات ما ينقله إلى وضعية المدان  يقع على عاتق أجهزة العدالة الجنائية، وخاصة أجهزة البحث و التحقيق. لكن مقابل إلقاء عبء الإثبات على هذه الأجهزة. فإنه وقع منحها صلاحيات متنامية تصل إلى اتخاذ تدابير تنال بقوة من الحقوق الأساسية للمفترضة براءته لاسيما حياته الخاصة (تفتيش تنصت) وحريته الشخصية (حراسة اعتقال احتياطي) وفي تدابير يتواسع نطاقها بعلة مواجهة خطر الجرام المنضم. الشيئ الذي يترتب عليه أن المفترضة لا يعامل معاملة البريء تماما بسبب النيل المبرر من حقوقه الأساسية ويترتب عن ذلك أيضا خطر نقله بسهولة إلى وضعية المدان.

  إن الاعتراف الدستوري بهذا المبدأ الذي يؤكد على (يعتبر كل مشتبه فيه أو متهم بارتكاب جريمة بريئا إلى أن تثبت إدانته بمقرر قضائي مكتسب لقوة الشيئ المقضي به) يؤكد حتمية كسر هشاشة الوضع الجنائي للمفترض براءته . وغدا كان من البديهي أن الاعتراف سيد الأدلة فيجب أن يخضع الاعتراف إلي مبدأ الشك، فقد يعترف شخص لتبرئة شخص أخر و لتضليل العدالة[6].

  فالاعتراف المعتمد به إثبات الجريمة هو الاعتراف المطابق للحقيقة و الواقع[7].

  والشخص الذي يصطلح عليه بالمتهم هنا خلا هذه المرحلة يكون مشتبه فيه أو ضنين أو متهم أمام قاضي التحقيق والنيابة العامة، وكذلك عندما يصدر الحكم الابتدائي، ولا يصطلح عليه مجرم لأنه لم يكتسب قوى الشيئ المقضي به، ولم تثبت الجريمة في حقه[8].

وهذا المبدأ يكرس ما تضمنه الدستور من أن المملكة المغربية تتعهد "بالتزام ما تقتضيه المواثيق (الدولية) من مبادئ و حقوق وواجبات وتؤكد تشبتها بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا"[9].

  و الجدير بالذكر أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 10 دجنبر 1948 كان قد نص على هذا المبدأ في مادته الحادية عشر كما يلي:"كل شخص متهم بجريمة يعتبر بريئا إلى أن تثبت إدانته قانونا بمحاكمة علنية تؤمن له فيها الضمانات الضرورية للدفاع عنه"، وأكدته المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

  وبالإضافة إلي النص صراحة على قرينة البراءة، فإن قانون المسطرة الجنائية أحاطها بعدة تدابير عملية لتعزيزها و تقويتها من بينها:

 - اعتبار الاعتقال الاحتياطي و المراقبة القضائية تدبيرين استثنائيين؛

 - تحسين ظروف الحراسة النظرية و الاعتقال الاحتياطي، وإحاطتهما بإجراءات مراقبة صارمة من طرق السلطة القضائية؛   

 - ترسيخ حق المتهم بإشعاره بالتهمة؛

 - حقه في الاتصال بمحامي خلال فترة تمديد الحراسة النظرية، وحق المحامي في تقديم ملاحظات كتابية خلال تلك الفترة؛

 - حقه في أن تشعر عائلته بوضعه تحت الحراسة النظرية؛

 - إمكانية النشر الكلي أو الجزئي لقرار عدم المتابعة الذي يصدره قاضي التحقيق بالصحف بناء على طلب من يعنيه الأمر أو النيابة العامة؛

 - منع تصوير شخص معتقل أو يحمل أصفادا أو قيودا أو نشر صورته أو اسمه أو أية إشارة تعرف به دون موافقة منه والمعاقبة على ذلك أو القيام بأية وسيلة كانت نبشر تحقيق أو تعليق أو استطلاع للرأي يتعلق بشخص تجري في حقه مسطرة قضائية سواء كان متهما أو ضحية دون موافقته[10].

ومبدأ قرينة البراءة نجد سنده في نصوص من القرآن ومن السنة النبوية سنوضحه فيما يلي:

   أولا: من الكتاب

  فمن الكتاب نجد أن هذا المبدأ مستمد من قوله تعالى: {يأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين} الآية 6[11].                                       وقوله عز وجل: {يأيها الذين اجتنبوا كثيرا من الظن إن بغض الظن إثم } الآية 8[12].

  وهي آيات تدل على ضرورة أن تبنى الإدانة على اليقين والأدلة المؤكدة، إذ لا يجوز أن تبنى على الشك و الاحتمال، أو الظن و التخمين، وهذه البراءة يقينية. واليقين لا يزول إلا بيقين مثله.

   ثانيا: من السنة

  أما من السنة، عن عائشة رضي لله عنها قالت: "قال الرسول عليه الصلاة والسلام: ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم فإن كان له مخرج فاضلوا سبيله فإن الإمام لان يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة " وفي حديث آخر "ادرؤوا الحدود بالشبهات ".

   خلاصة

  لنخلص في الأخير إلى القول أن الأصل في الإنسان البراءة هو الأساس الذي تبنى عليه إجراءات الدعوى. كما أنه هو الأساس الذي يحدد المكلف بتحمل عبء الإثبات في الدعوى العمومية هل هو المتهم أم النيابة العامة، بل ويتعدى هذا الدور أيضا إلى أن يلزم القاضي بمراعاته في كل ما يتعلق بالدعوى و ملابستها وإجراءاتها والحكم فيها، ومن ثم فإن هذا المبدأ هو الحصن و السياج الذي يتحصن به المتهم من أي تعسف أو ظلم يمكن أن يلحقه في أي مرحلة من مراحل الدعوى.

      الفقرة الثانية: حقوق الدفاع

   يمكن التعريف بحقوق الدفاع كحق من حقوق الإنسان في الدفاع عن نفسه وعن مصالحه.

ويمكن هذا الحق في الإمكانية المتاحة للإنسان بصفة عامة إثبات ادعاءاته أو الرد على كل دفاع مضاد. ويمكن القول بأن حقوق الدفاع تنطلق من مرحلة البحث، لتمر إلى مرحلة التحقيق ولتصل إلى مرحلة المحاكمة.

ويجب أن تؤخذ حقوق الدفاع في جميع أبعادها الكونية لأنها لا تقبل التجزئة. ويعتبر طابع العالمية هو الشرط الوحيد لتجاوز الخصوصيات الوطنية.

ويمكن القول بأن حقوق الدفاع هي حجر الزاوية للديمقراطية.

وتنطلق حقوق الدفاع من مبدأ البراءة كأصل وهو ما ورد في المادة 11 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان المؤرخ في 10 دجنبر 1948 والذي ورد فيه أن "كل شخص متهم بجريمة يعتبر بريئا إلى أن تثبت إدانته قانون".

  كما نص الإعلان الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية بالمادة 14 أن "من حق كل متهم بارتكاب جريمة أن يعتبر بريئا إلى أن يثبت عليه الجرم قانونا".

وقد ورد في خطاب الملك محمد السادس الذي وجهه إلى الأمة 7 يونيو 2011بشأن الدستور الجديد أن الدستور يعد أكثر من قانون أسمى للمملكة باعتباره الأساس المتين للنموذج الديمقراطي التنموي المغربي المتميز من خلال "دسترة كافة حقوق الإنسان كما هو متعارف عليها عالميا بكل آليات حمايتها وضمان ممارستها... بما فيها قرينة البراءة".

  وقد نص دستور 29 يوليوز 2011 في الفصل 23 (الفقرة 4) بالفعل على أن قرينة البراءة مضمونة. كما نص بالفصل 119 على أن كل مشتبه فيه أو متهم بارتكاب جريمة يعتبر بريئا إلى أن تثبت إدانته بمقرر قضائي مكتسب للشيء المقتضي به. ومن ثم فإن الدستور المغربي الجديد وكسابقه أقر قاعدة من قواعد القانون الدولي العام الواردة في الكثير من المواثيق الدولية كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والاتفاقية الأوربية لحماية حقوق الإنسان وحريته الأساسية، وهذه الضمانة الدستورية تكفل حق الإنسان في مواجهة الأدلة مع الحق في نفيها بالوسائل التي يسمح بها القانون، ويصاحب هذه القرينة "الشك الذي يفسر لصالح المتهم" ومن المبادئ الأساسية لكفالة حقوق الدفاع كذلك المساواة أمام القانون وهو مبدأ عالمي ورد في المادة 7 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي اعتبر أن "كل الناس سواسية أمام القانون".

   وقد نص الفصل 6 من الدستور المغربي على انه " القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة والجميع، أشخاص ذاتيين واعتبارين، بما فيهم السلطات العمومية، متساوون أمامه، وملزمون بالامتثال له".

كما أكد الفصل 6 المذكور أعلاه على أنه من المبادئ الملزمة دستورية القواعد القانونية وتراتيبها ووجوب نشرها وأنه ليس للقانون أثر رجعي.

أما الفصل 124 من الدستور فإنه نص على أن "الأحكام تصدر باسم الملك وطبقا للقانون" كما أن الفصل 117 يلزم القاضي بتطبيق القانون.

والمساواة أمام القانون تعني الحق للمجتمع في الحماية القانونية دون تمييز.

  ومن حقوق الدفاع كذلك الحق في التقاضي التي تضمنه كافة المواثيق الدولية والذي نص عليه الدستور الجديد بالفصل 118حيث قال "حق التقاضي مضمون لكل شخص للدفاع عن حقوقه و معالجة التي يحميها القانون".

ومن حقوق الدفاع التي أقرها الدستور كذلك بالفصل (23/3) إلزامية إخبار كل شخص ثم اعتقاله على الفور وبكيفية يفهمها. بدواعي اعتقاله وبحقوقه ومن بينها حقه في التزام الصمت، وهو ما ورد بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية بالمادة 14 التي نصت على أن " لكل متهم بجريمة أن يتم إعلامه سريعا و بالتفصيل وفي لغة يفهمها بطبيعة التهمة الموجهة إليه وأسبابها وأن يعطى من الوقت ومن التسهيلات ما يفيه لإعداد دفاعه وللاتصال بمحام يختاره بنفسه"

كما أقر الدستور حق الإنسان في الاستفادة في أقرب وقت ممكن، من مساعدة قانونية والتي تمكن في الحق في اختيار محام، ومن إمكانية الاتصال بأقاربه. وإذا كان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ينص في المادة 9 على أنه "لا يجوز القبض على أي إنسان أو حجزه أو نفيه تعسفا" فإن المادة 23 من الدستور تنص على أنه "لا يجوز إلقاء القبض على أي شخص أو اعتقاله أو متابعته أو إدانته إلا في الحالات وطبقا للإجراءات التي ينص عليها القانون".

كما ينص الدستور المغربي على أن "الاعتقال التعسفي أو السري والاختفاء ألقصري، من أخطر الجرائم تعرض مقترفيها لأقصى العقوبات". ويمكن اعتبار أهم المستجدات الدستورية في مجال حقوق الدفاع هو ضمان الدستور للحق في المحاكمة العادلة بالفقرة الرابعة من الفصل 23 منه وفي الفصل 120 الذي نص على أن لكل شخص الحق في محاكمة عادلة وفي مجانية التقاضي في الحالات التي لا يتوفر فيها القاضي على موارد كيفية للتقاضي، وتدخل ضمن مبادئ المحاكمة العادلة المنصوص عليها وإلى جانب الحق في اختيار محام والتخابر معه والاطلاع على الملف وأخذ صورة منه محاكمة الشخص أمام محكمة عادية أو مختصة منشأة مسبقا و الابتعاد عن المحاكم الاستثنائية.

وقد نص الدستور بالفصل 127على أن المحاكم العادية والمتخصصة تصدر بمقتضى القانون وأنه يمنع أحداث محام استثنائية.

كما أن من بين شروط المحاكمة العادلة علانيتها و الابتعاد عن محاكمة الأشخاص في السر إلا إذا نص القانون على ذلك في بعض الحالات الخاصة مراعاة للأخلاق العامة أو النظام العام أو لحماية الأطراف أو الشهود

  وأورد الدستور بالفصل 123 على علانية الجلسات إلا في الحالات التي يقرر فيها القانون خلاف ذلك، إلا أن جميع الأحكام تصدر معللة وفي جلسة علنية طبقا للفصل 125.

وقد نصت المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على الحق في أن يحاكم الشخص دون تأخير لا مبرر له، وأن يحاكم حضوريا وأن ينصب له محاميا دون تحميله أجرا على ذلك إذا كان لا يملك الوسائل الكافية لدفع الأجر. وقد نص الدستور المغربي بالمادة 120 على حق كل شخص في حكم يصدر في أجل معقول وعلى مجانية التقاضي ضمن الشروط التي يحددها القانون.

  ومن حقوق الدفاع كذلك والتي تدخل في إطار المحاكمة العادلة المنصوص عليها دستوريا حق الإنسان في المجادلة ودفع التهم ومناقشة شهود الاتهام بنفسه أو من قبل غيره، وأن يزود مجانا بترجمان إذا كان لا يفهم أو لا يتكلم اللغة المستخدمة في المحكمة، وألا يكره على الشهادة ضد نفسه أو علم الاعتراف بذنب، وهي المبادئ التي أقرها العهد الدولي الخاص  بالحقوق المدنية والسياسية في المادة 14 المذكورة أعلاه.

ومن حقوق الدفاع كذلك حق الإنسان في طلب خبرة تقنية وطلب خبرة مضادة، والمطالبة باستدعاء شهود النفي وغيرها من المطالبة التي تمكن من دفع التهم المنسوبة إليه. ومن حقوق الدفاع كذلك انتقاد عدم مشروعية المسطرة والتجريم في القاضي والحق في اللجوء إلى محكمة أعلى درجة لكي تعيد النظر في الحكم الذي صدر من محكمة أدنى درجة.

وتعتبر الأحكام النهائية الصادرة عن القضاء ملزمة للجميع وعلى السلطات العمومية المساعدة على تنفيذ الأحكام[13].

   والخلاصة أن الدستور المغربي الجديد أقر الكثير من الحقوق المتعلقة بالدفاع والمنصوص عليها بالمواثيق الدولية ويبقي تنزيل مقتضيات هاته الحقوق على أرض الواقع رهين بالإرادة السياسية الحقيقية لجميع مكونات المجتمع المغربي لإقرار مجتمع ديمقراطي حداثي يعيش فيه المواطن ويتعايش وهو مطمئن على حياته وعلى حريته وعلى شرفه وعلى ماله.                 

    الفقرة الثالثة:مبدأ الشرعية

  الشرعية حيث كانت سلطة التجريم والعقاب بيد القاضي، إلا أن هذا المبدأ الأخير لم يعرف في القوانين الوضعية إلا إبان الثورة الفرنسية.

ويكتسي مبدأ الشرعية أهمية بالغة سواء على الصعيد الدولي أو الدستوري أو الإقليمي أو العملي فعلى مستوى الدولي نرى أن هناك كثير من الاتفاقيات و البروتوكولات التي أكدت على أهمية هذا المبدأ حيث أن الدول تعتبره من المبادئ الأساسية وتنص عليه في دساتيرها علاوة على الأهمية العملية التي يكتسيها مبدأ الشرعية من حيث أنه ضمانة لحقوق الأفراد.

  إن مبدأ الشرعية هو من أهم القيود التي ترد على دولة القانون في ممارسة سلطتها في العقاب بما يتضمنه لفائدة المواطنين من ضمانات من شأنها كبح جماح الدولة ومنعها من التدخل جنائيا خارج الحدود و الأوضاع التي يعاينها القانون[14]، وهو أيضا يقيد سلطة القاضي وذلك ضمانا لحقوق الأفراد وحرياتهم وهذا نتيجة مضمون مبدأ الشرعية الذي عرف تطور ملحوظا.

وقد أعطيت لهذا المبدأ عدة تعريفات منها ما هو فقهي ومنها ما هو تشريعي، حيث عرفه بعض الفقه بأنه ضرورة خضوع الفعل أو الامتناع لنص من نصوص التجريم[15]، كما عرفه البعض الآخر اختصارا ب"لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص سابق"[16]، كما نجد المشرع المغربي قد عرفه في الفصل الثالث من القانون الجنائي "لا يسوغ مؤاخذة أحد على فعل لا يعد جريمة بصريح القانون ولا معاقبته بعقوبات لم يقررها القانون"، أما المشرع اللبناني فقد نص في المادة الأولى من قانون العقوبات على ما يلي:"لا تفرض عقوبة ولا تدبير احترازي أو إصلاحي من أجل جرم لم يكن القانون قد نص عليه حين اقترافه"  من خلال قراءة أولية لهذه التعريفات الفقهية منها و التشريعية فإنه يبدو أن كل هذه التعارف متفقة حول مسألة أساسية وهي أن التجريم و العقاب يجب أن يكون سابق لوقوع الفعل الذي أثاره الشخص بمعنى أنه لا يجوز مسألة أي فرد عن أي فعل مهما كان ضارا إلا إذا جرمه القانون بنص من النصوص التجريم، كما لا يجوز معاقبته إلا بالعقوبات التي يكون القانون قد قررها لعقاب الجريمة التي اقترفها[17].

  ومن وجهة أخر يعتبر مبدأ الشرعية إحدى الضمانات الأساسية للأفراد في مواجهة السلطة القضائية إذ أن هذا المبدأ يمثل تقليصا من سلطات القاضي، حيث كان يمارس في السابق سلطة العقاب و التجريم، بل إن اسناذتنا لطبقة مهدا في اعتبرت أن مبدأ الشرعية ضابط أولي و أساسي على حرية القاضي مادام هذا الأخير ملتزما بما حدده القانون سلفا في إطار الأهداف الحقيقية للمشرع[18].

من وجهة أخرى فإن الشرعية التي يخضع لها القانون ليست قاصرة على تحديد الجرائم و العقوبات وحسب بل هي شرعية تعود كل مراحل تدخل القانون الجنائي منذ وقوع الجريمة حتى محاكمة المجرم تنفيذ العقاب في شأنه،  ومعنى هذا أن شرعية الجريمة والعقوبة تمثل الحلقة الأولى من الشرعية الجنائية تتلوها الشرعية الإجرائية وتعني أنه لا يجوز اتخاذ أي إجراء ضد أي شخص ما لم يكن القانون هو مصدر هذا الإجراء مسموحا به من طرق القانون، وأنه لا يجوز الحكم على شخص وإدانته إلا عن طريق دعوى قضائية تسير وفق الإجراءات التي رسمها القانون ثم يأتي بعد ذلك المرحلة الثالثة من مراحل الشرعية الجنائية وهي مرحلة التنفيذ العقابي، وهي تعني ضرورة أن يكون القانون هو مصدر القواعد التي تخضع لها إجراءات معاملة المجونين وإجراءات تنفيذ العقوبات عموما[19].

علي الرغم من أن المبدأ عد من المبادئ الدستورية في كثيرة من التشريعات كما رأينا إلا أن المبدأ كان محلا للنقاش الفقهي حول تقديره باعتبار أحد المبادئ الأساسية في التشريعات الجنائية إذ لم يسلم هذا المبدأ من الانتقادات التي وجهة له[20].

   أولا: مبدأ الشرعية وجمود القانون

  يرى البعض أن قاعدة لا جريمة بدون نص جنائي تؤدي إلى جمود النص القانون حيث أن النص القانوني الجنائي في ظلها لا يستطيع مواكبة التطورات التي تطرأ على المجتمع حيث تظهر أفعال جديدة مخلة بأمن ونظام المجتمع ولم ينص القانون على تجريمه. ويزداد هذا الأمر صعوبة في العصر الحديث حيث خلفت الحضارة الإنسانية المتشبعة والحياة الاجتماعية المتشابكة أنواعا مختلف من أنماط السلوك البشري سريعة التغير و التجدد بما لا يمكن مقارنته بجمود النصوص و تبات التشريعات. وتأخر المشرع في الرد على الأفعال المهددة لأمن المجتمع ونظامه ومعنى ذلك أن كثير من أفعال غير الأخلاقية التي تضر بالأفراد و الجماعة تظل بغير عقاب ظلما أن القانون لم ينص عليها القاضي الجزائي بمقتضى هذه القاعدة لا يستطع أن يتوسع في تفسير النص ليواجه به ما يستجد من أفعال ضارة بالمجتمع. بل إن القاضي لا يستطيع أن تيوسع في تفسيره[21].  ليتناول بالعقاب أفعلا سها المشرع وقت وضع النص عن تجريمها وهذا كله من شأنه أن يصل بمبدأ الشرعية إلى العجز عن حماية الجماعة من الأفعال الضارة بها حيث أن قاعدة لا جريمة بدون نص قانوني تقف سد منيعا أمام إمكانية تجريم بعض السلوكيات التي تبدو خطورتها واضحة فقضية البهايين[22]، كمثل هذه السلوكيات الخطيرة نجد أن القضاء المغربي ممثلا في محكمة الموضوع أدان معتنقي هذا الفكر البهائي، فقصي في حقهم بعقوبة الإعدام من أجل ردتهم عن الإسلام ليتدخل المجلس الأعلى لنقضى هذا القرار بحجة غياب أي نص تشريعي يعاقب على مثل هذا السلوك و أن مبدأ الشرعية يحضر معاقبة أي شخص بارتكابه لسلوك غير منصوص على تجريمة في نصوص القانون الجنائي.

   ثانيا: مجافاة مبدأ الشرعية مع تفريد العقوبات

  تعارض المبدأ مع نظام تفريد العقاب إذ يعاب على المبدأ أنه يفترض الجريمة كيانا قانونيا متجردا عن شخص مرتكبها و يحدد العقوبة وفق الإضرار المادية للجريمة لا وفق الخطورة الكامنة في شخص مرتكبها لأن المشرع يضع نصوصا يحدد فيها العقوبة على قدر جسامه الجريمة وليس في وسعه أن يجعل العقوبة ملائمة لظروف  مرتكبيها لأنه لا يعرف أشخاصهم ولا يستطيع العلم بظروفهم[23].

إذن مبدأ الشرعية يلزم المشرع بأن يحدد سلفا العقوبة لكل جريمة، سواء من حيث نوعها أم من حيث مقدارها دون النظر عما أحاطت به من ظروف دفعته إلى ارتكابها، ومعيار المشرع في تحديد العقوبات سلفا هو النظر إلى ما ينطوي عليه الفعل من خطر لا إلى ما ينطوي عليه مرتكبه من خطورة. وذلك لأن خطورة هذا الأخير لا تبرز أمام القاضي حينها يواجه كل جريمة وكل مجرم على حدة.

  ولقد أدي هذا التزمت في تطبيق مبدأ الشرعية إلى أن واجه القضاء ألونا عديدة من الحرج حينما يثبت ارتكاب المتهم للجريمة. إذ لا يملك  القاضي إزاء ثبوتها سوء أن يوقع العقوبة المحددة بغض النظر عن ظروف المتهم، وفي هذا مالا يخفي من القسوة بالجاني وعدم الارتياح القاضي.

واقتناعه بملائمة العقوبة للحالة المعروضة أمامه. لهذا لم يجد هؤلاء حرجا في بعض الحالات من أن يحكموا بالبراءة رغم الجريمة في حق المتهم للحيلولة بينه وبين الخضوع لعقوبة يرونها قاسية وغير ملائمة لظروفه.

وهكذا استحال أمر القاضي في ظل مبدأ الشرعية إلى أن يصبح مجرد آلة لا وجدان لها وتطبق عقوبات غير عادلة بل ومهدرة للغاية التي تنشدها الجماعة من الالتجاء إلى معاقبة الجناة.

  وأمام هذه النتيجة الخطيرة التي ترتيب على التطبيق الحرفي و المتطرف لمبدأ الشرعية كان لابد من أحد حلين. إما إهدار هذا المبدأ والعودة من جديد إلى ترك زمام تحديد العقوبات للقاضي على نحو ما كان سائدا قبل الثورة الفرنسية وقبل وضع تشريع 1791م وفي هذا خسارة لا تعوض. وإما الالتجاء إلى نظام أكثر مرونة في تحديد العقوبة لا يخرج بها عن إطار الشرعية.

  وبالرجوع إلى مقتضيات الفصل 23 من الدستوري فقرته الأولى نجذه ينص على أنه: "لا يجوز إلقاء القبض على أي شخص أو متابعته أو إدانته إلا في الحالات وطبقا للإجراءات التي ينص عليها القانون" فإذا كان مبدأ الشرعية يؤكد على أنه "لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص ولا إدانة إلا بمحاكمة قضائية"[24].  حيث يكون القانون بناء على هذا هو المصدر الوحيد لتجريم الأفعال و العقوبة عليها فإن مبدأ الشرعية لا يستساغ في مجال الزجري إلا  في إطار مفهوم الدولة التي تتوفر على مواصفات معينة يمكن تحديدها في دولة القانون، فصل السلطات، واحترام حقوق الإنسان، وفي هذا الإطار فإن القاضي الزجري تمنح له سلطة تقديرية[25].

  هذا الاستعمال الذي قد يؤدي إلي جعل المحاكمة العادلة أو غير عادلة بناء على مختلف الموصفات المذكورة خصوصا إذا علمنا أن القناعة الوجدانية للقاضي الزجري هي التي تحكم في فض المنازعات. لا يجب أن تضل مفهوم الشرعية مقتصرا على التجريم والعقاب فقط وإنما يجب أن يطال مرحلة التنفيذ وهو ما عبر عليه الفقه الجنائي من خلال إعادة تأطير مفهوم الشرعية " لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون، ولا يجوز عقاب شخص إلا على الأفعال اللاحقة للقانون الذي ينص عليها ولا بعقوبة أشد من تلك التي كانت مقررة وقت ارتكابها. ولا يجوز توقيع لا عقوبة أو النطق بها من هيئة غير مخولة في ذلك قانونا. أو تنفيذها بأسلوب مخالف لما ينص عليه القانون"، وهكذا تعتبر الشرعية عن تحقيق التوازن بين حق المحكوم عليه والمجتمع في جميع مراحل المحاكمة بما في ذلك مرحلة التنفيذ والتي تستوجب وبالضرورة وجود مراقبة قضائية فإذا تكرس مفهوم الشرعية نقول أن الشرط الأول للمحاكمة العادلة قد تكرس[26].

 المطلب الثاني: الضمانات الدستورية للمحاكمة العادلة.

   إذا كان المشرع الدستوري عمل على تأطير مفهوم المحاكمة العادلة من خلال ثلاث ركائز أساسية على أقل تقدير أولاها الانطلاق من قرينة البراءة وثانيها ضمان حقوق الدفاع ثالثها الالتزام بالشرعية، فإنها أقر مجموعة من الضمانات منها ما هو قانوني (الفقرة الأولى) ومنها ما هو قضائي (الفقرة الثانية) وذلك من أجل تفعيل ناجح لمضامين المحاكمة العادلة.

    الفقرة الأولى: الضمانات القانونية.

   لعل أهم الضمانات القانونية التي يتضمنها الدستور المغربي للمحاكمة العادلة نجدها في صلب تصديره حيث ثم إقرار و لأول مرة سمو المواثيق الدولية على القانون الوطني ما لم يكن هناك مخالفة لأحكام الدسترة والقانون الوطني والهوية الوطنية وهذا يعني مصادقة المغرب على الإعلان العلمي للحقوق الإنسان وما يتضمنه من ضمانات في المادة  10ومصادقته للعهد الدولي الخاص بالحقوق السياسية والمدنية وما تتضمنه من ضمانات للمحاكمة العادلة في إطار المادة 14 تسمو على القوانين الوطنية كما ركز دستور 2011 على اعتبر هذا التصدير جزاء لا يتجرأ من الدستور.

حيث تمت الإشارة فيه إلى مجموعة من المبادئ: الديمقراطية، والقانون، و الأمن والحرية والكرامة والحقوق والحريات... وبعد ذلك تم تكريس مجموعة من الكليات في الباب الثاني المتعلق بالأحكام العامة منها: سمو القانون لأنه التعبير الأسمى على إدارة الأمة. واحترام الاختبار الديمقراطي لأنه أصبح ثانيا من الثوابت الجامعة للأمة.

فالفصل السادس من الدستور أتى بمجموعة من الضمانات المهمة في المحاكمة الجنائية حيث يؤكد هذا الفصل على "أن القانون يعتبر أسمى تعبير عن الأمة والجميع أشخاص ذاتيين أو اعتباريين بما فيهم السلطات العمومية متساوون أمامه  وملزمون بالامتثال له" كما يؤكد في فقرته الأخيرة على أنه "تعتبر دستورية القواعد القانونية، وتراتيبتها، ووجوب نشرها، مبادئ ملزمة وليس للقانون أثر رجعي". وقد خصص الدستور الباب الثاني للحريات و الحقوق الإنسانية حيث ثم تركيز على الحق في الحياة، والسلامة الجسدية والمعنوية، كما تطرق إلى عدم الانتهاك كرمة المنازل وسرية الاتصالات، مشيرا إلى مجموعة من تجليات الحرية نحو الحق في المعلومة، والفكر والصحافة والإضراب... ناهيك على حقوق الاجتماعية[27].

    الفقرة الثانية: الضمانات القضائية.

   لقد تضمن الدستور الجديد ولأول اعتراف بالسلطة القضائية كسلطة مستقلة عن باقي السلط[28]، حيث ثم الارتقاء بالقضاء من الوظيفة إلى السلط وذلك من يؤكده الفصل 107 ودستور استقلال السلطة القضائية، وتوفير الضمانات الهيكلية لهذا الاستقلال، أهم آلية لتحقيق الإصلاحات لي يخدم المحاكمة العادلة [29].

ولعل أهم تجليات هذا الاستقلال ما نصت عليه الفصل 110 "لا يلزم قضاة الأحكام إلا بتطبيق العادل للقانون" ويحمى المجلس الأعلى للسلطة القضائية استقلالية القضاة. كل هذا من أجل توفير قواعد سير المحاكمة العادلة[30].

كما يمنع كل تدخل في القضايا المعروضة على القضاء ولا يتلقى القاضي بشأن مهمته القضائية أي أوامر أو تعليمات لأي ضغط[31].

ناهيك عن الحق في صدور الحكم في أجل معقول على أساس أن تكون كل الأحكام معللة[32]، ووفق الشروط المنصوص عليها في القانون ويبقى القاضي في كل الحالات ملزما بحماية حقوق الأشخاص والجماعات وحرياتهم وأمنهم القضائي وتطبيق القانون حسب الفصل 117، يضاف إلى هذا اعتبار كل قاضي زجري أضل بواجب الاستقلالية و التجرد مرتكبا لخطأ مهني جسيم بصرف النظر عن المتابعات القضائية الفصل 109.  إلا أن أهم ضمانة قضائية مخولة للمتهم في هذا الدستور نجد تحمل الدولة التعويض لكل متضرر عن الأخطاء القضائية التي قد ترتكب في حقه كذلك عدم الزج بالأبرياء وراء أسوار السجون فكا ذلك يشكل ضمانات لحقوق المتقاضين وقواعد لسير العدالة، إن مختلف هذه الضمانات تعتبر إجابة شافية لمظاهر التقديس التي كانت تعطي للمحاضر الضابطة القضائية حيث يتضح بما لا يضع مجالا لشك أن من يتولى إدانة المتهم أو تبرئته ليس في جلسات الأحكام كما قد يتبادر إلى الأذهان وإنما في مخافر الشرطة القضائية التي يوجد فيها اعترافات وليس اعتراف.

   تدور فكرة المحاكمة العادلة في الدستور الجديد بناءا على مختلف المبادئ و الضمانات المذكورة حول وعي معرفي مؤسس لها. وعي معرفي عميق بأن تحقيق العدل معادلة معقدة بقدر تعقد العوامل التي تولد السلوك الإنساني وبقدر تشعب المعايير التي تقييد السلوك وتوجهه. ووعي بأن العدل مخلوق أدمي لا يرقى إلى مصاف العدل المطلق، الشيء الذي يحتم الحرص على تحصينه من ضعف الإنسان ومن طغيانه.

كما تدور فكرة المحاكمة العادلة حول فكرة التوازن في نشدان الحق بين السائل والمسؤول بين المتابع بين الجاني والمجني عليه بين المنحرف والمجتمع الذي أفرز الانحراف وبين أهداف القانون الجنائي من وقاية وعلاج وتأهيل وإصلاح[33].

المبحث الثاني: ضمانات المحاكمة العادلة من خلال  قانون المسطرة الجنائية.

   لم يعرف المشرع المغربي قانون المسطرة الجنائية، ونفس الأمر بالنسبة لقانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية، إلا انه من خلال قراءتنا لنصوص يمكن تعريف قانون المسطرة الجنائية "مجموعة القواعد التي توضح كل الإجراءات الخاصة بالبحث للتثبيت من وقوع الجريمة، وضبط مرتكبيها، وجمع الأدلة وإقامة الدعوى العمومية، وما يترتب عنهما من طرق الطعن والتنفيذ، ورد الاعتبار والعفو".

فقواعده هي التي تحرك نصوص القانون الجنائي، وتبث فيها الحياة لتحقيق أهدافها.

ولذلك، سميت بالقانوني الشكلي، لأن قواعده تقتصر على تنظيم كيفية التطبيق لنصوص القانون الجنائي الذي يطلق عليه اسم "قانون الموضوع".

فالقانون الجنائي ينظم موضوع التشريع الجنائي ذاته، وهو تحديد مبادئ التجريم، والمسؤولية الجنائية، وتعيين الجرائم وعقوباتها.

 أما المسطرة الجنائية فتنظم كيفية تنفيذ هذه المبادئ، وذلك بتحديد الهيآت المكلفة بالبحث عن الجرائم والتحقيق فيها، وتحريك الدعوى العمومية، والحكم فيها مع تنفيذ العقوبات على المحكوم عليه.

وهي في كل هذا تعمل على المحافظة، أو التوفيق بين مصلحتين متنافرتين هما مصلحة المجتمع المتمثلة في توقيع  العقوبة على كل مجرم، ومصلحة الفرد المتمثلة في توفير ضمانة لحرياته، وتمكينه من إثبات براءته.

و تتجلى أهمية قانون المسطرة الجنائية في إقامة التوازن الحقيقي والفعال بين حق المجتمع في معاقبة المدنيين من أفراده، وحق الفرد في ضمان حرياته التي لا ينبغي النيل منها إلا بمحاكمة عادلة.

كما تبرز أهمية قانون المسطرة الجنائية أيضا في كونها أنها تعطي الحركة لنصوص القانون الجنائي وتبث فيها الحياة[34].                                                                                          "فمبدأ لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص" لا يستفيد الفرد منه كثيرا، إذا كانت المسطرة قد أغفلت حمايته من التعسف في الوضع تحت الحراسة والاعتقال الاحتياطي، ولم توفر له ضمانات الدفاع عن نفسه، هذا إذا كانت أحكام المسطرة معيبة.

أما إذا كانت تراعي فيها الحكمة والسداد، فإنها تساعد الفرد على تفادي قساوة القانون الجنائي.

فإذا كان القانون الجنائي قد غالى في عقاب جريمة ما، فإن قانون المسطرة الجنائية نص على اقتناعه الصميم الجازم بنسبة الجريمة إلى المحكوم عليه[35].

 المطلب الأول: ضمانات التحقيق (قبل المحاكمة)

   نص الفصل 23 من الدستور على مجموعة من الحقوق (تجريم الاعتقال التعسفي-الاختفاء ألقسري-الحق في الإخبار بدواعي الاعتقال- الحق في الصمت... الحق في محاكمة عادلة) وقد نصت المسطرة الجنائية بالنسبة للمشتبه فيه قبل المحاكمة حيث رتب المشرع جزء البطلان على إجراء التفتيش دون الرضا الصريح لصاحب المسكن الفصل 82 من ق.م.ج.

وقد حدد الفصل 66 ق.م.ج شروط ومدة الوضع تحت الحراسة النظرية، وكرس حقوق أخر بموجب التعديل الأخير في إطار القانون 35.11(3) كالحق في الصمت وحق الإخبار بدواعي الاعتقال ... وأيضا في إطار مسودة مشروع قانون المسطرة الجنائية الذي كرس لمجموعة من الضمانات ومنها المادة 160 اعتماد المراقبة القضائية بدلا عن الاعتقال الاحتياطي وأيضا جعل الاعتقال الاحتياطي تدبيرا استثنائيا، وتنص المادة 155 من المسودة ضبط السلطة التقديرية فيما يخص الاعتقال الاحتياطي وإتاحة إمكانية الطعن في قرار الاعتقال المادة 2-73 من مسودة مشروع المسطرة الجنائية. فهذه التعديلات جاءت لتجاوز قصور الحماية القانونية لحقوق دستورية أساسية قبل المحاكمة إذ الأصل هو البراءة.

وأثناء مرحلة التحقيق الإعدادي تقدم النيابة العامة ملتمس الإجراء تحقيق في مواجهة المتهم ومثوله أمام قاضي التحقيق لينتقل من مشتبه به إلى المتهم وفي ضل مسطرة قضائية وافرة من الضمانات تبتدئ بحضور المحامي إلى جانب المتهم من أول لحظة بمجرد مثوله وذلك لتجنب انتزاع الاعتراف بالضغط والإكراه ودليلا لشفافية التحقيق وأيضا الضمانات التي جاءت بها المسودة من تعزيز الدفاع خلال مرحلة البحث من خلال تمكينهم من الحضور إلى جانب الأحداث والأشخاص المصابين بأحد العاهات أثناء الاستماع إليهم من طرف الشرطة القضائية (المادة 1-66)[36].

ويمكن تقسيم هذا المطلب إلى البحث التمهيدي (الفقرة الأولى) والتحقيق الإعدادي (الفقرة الثانية).   

    الفقرة الأولى: البحث التمهيدي.

   البحث التمهيدي هي تلك المرحلة التي يتم فيها التثبت من وقوع الجريمة، وجمع الأدلة عنها والبحث عن مرتكبيها... ويمكن تعرفه بأنه التحريات التي تنجز قبل التحقيق و المحاكمة لضبط وجمع الأدلة عن وقائع الجريمة وعن الأشخاص المشبوه في نسبة الجريمة إليهم، وتنجزه أساس الشرطة القضائية طبقا لنصوص ق.م.ج ونصوص المنظمة لشرطة القضائية في أنواع الجرائم الخاصة[37].

والبحث التمهيدي يجسد بشكل عام حالتين، وهما حالة التلبس التي نظمها المشرع من الفصل 56 إلي الفصل 77 من ق.م.ج، والحالة العادية نظمها المشرع من الفصل 78 إلي الفصل 82 من ق.م.ج.، وتكمن أهمية البحث التمهيدي في كون الأشخاص أو الهيئة التي تقوم به تتوفر على الإمكانيات الفنية والمادية التي تسهل لها القيام بمهمتها، كما أن إجراءاته تتم فور العلم بارتكاب الجريمة وبالسرعة التي يراها الباحث ضرورية ولا تقيده في ذلك الشكليات المفروضة في مرحلتي التحقيق الإعدادي والمحاكمة[38]. فهو يشكل مرحلة خطيرة من مراحل المحاكمة لذلك وجب تعزيزه بضمانات تكفل للمشتبه فيه على الأقل كرامته وتحفظ إنسانيته من بعض الأفعال التي قد تمارسها الضابطة القضائية على المشتبه فيه كالضرب والتعذيب والاستفزاز وغيرها من الأعمال ألا إنسانية بغية الحصول على الاعتراف بالجريمة المنسوبة إلي المشتبه فيه أو الإفصاح عن المشاركين معه في الجريمة وغير ذلك من المعلومات التي قد تساعد الشرطة على حل لغز الجريمة.                

كلما عوامل أدت إلى تعزيز هذه المرحلة بمجموع من الضمانات القانونية، إذن ما هي هذه الضمانات؟ وما الحقوق التي يملكها الشخص المشتبه فيه خلال مرحلة البحث التمهيدي؟

للجوب على هذه الأسئلة نقسم هذه الفقرة إلي ضمانات المشتبه فيه أمام الشرطة القضائية (أولا) ثم إلي ضمانات المشتبه فيه أمام النيابة العامة (ثانيا).

   أولا:ضمانات المشتبه فيه أمام الشرطة القضائية.

   إن البحث الذي تقوم به الضابطة القضائية فيما يخص التثبت من وقوع الجرائم وجمع الأدلة بشأنها يتم إما في الحالة التلبس أو الحالة العادية وتتميز إجراءات البحث في حالة التلبس عنها في الأحوال العادية بخصوصيات بحيث يعطي القانون للضابطة القضائية مرونة أكثر في ممارسة بعض الصلاحيات لا يتيحها لهم متى تعلق الأمر بالبحث في غير حالة التلبس[39]، لذلك كان من الطبيعي أن يكون للمشتبه فيه حقوقا وضمانات أمام هذه الجهة، سنركز على أهم الضمانات المتوفرة خلال مرحلة البحث بنوعيه:  (حالة التلبس و الحالة العادية)، إذ سنحاول إبراز هذه الضمانات من خلال الجانب التوجيهي التأطيري لعمل الضابطة القضائية ثم بعد ذلك سنحاول إبراز مجموعة من الضمانات من خلال بعض الإجراءات التي تمارسها الضابطة القضائية  و التي لها ارتباط وثيق بحرية الأشخاص وحقوقهم  أهمها التفتيش والحراسة النظرية.

1-   الضمانات التي تدخل في الجانب التوجيهي والتأطيري لعمل الضابطة القضائية.

   ما من شك في أن الشرطة القضائية كجهاز مهيأ بالأساس لمساعدة القضاء الجنائي، يكتسي الأهمية الأولى. في كونه يضمن لقواعد المسطرة الجنائية قدرتها الحقيقية و الفعلية على الاستتغال سواء تعلق الأمر بمعاينة الجرائم أو جمع الأدلة أو ضبط مرتكبيها أو انحصر فقط في تأمين فرص الاستتغال بالميدان لكل من النيابة العامة وقضاء التحقيق، وبالرغم من هذه الأهمية التي تلعبها الضابطة القضائية فإنه يصعب التنكر لهيمنة الصفة الإدارية لهذا الجهاز، بحيث ومهما اجتهدنا في الاعتراف له ببسط يده على المرحلة الأولى[40]، الممهدة لتدخل السلطة القضائية يبقي واجب إخضاعه لمراقبة هذه الأخيرة أمرا ضروريا بل وحتميا في بعض الأحياء خصوصا عندما يتعلق الأمر بنيابة العامة التي يتوخى منها ق.م.ج أن تلعب دور المحرك للآلة الزجرية وأوجب لتحقيق ذلك أن تحاط علما بالجرائم المرتكزة في الدائرة القضائية التابعة لنطاق اختصاصها.

   وعليه فمن بين ما جاء في ديباجة ق.م.ج فإنها تقوم بمراقبة القضاء الأعمال الشرطة القضائية، حيث أصبح متعينا غلي وكيل جلالة الملك معاينة أماكن الوضع تحت الحراسة النظرية مرة كل أسبوع علي الأقل للتحقيق من شريعة الاعتقال وظروفه، كما أصبحت النيابة العامة ملزمة بتقييم أداء ضابطة الشرطة القضائية  وتنفيضهم، هو ما سيمكن رؤسائهم الإداريين من التعرف بكيفية منظمة على مؤهلاتهم وقدراتهم ومجهودتهم في مجال الشرطة القضائية مع المحافظة على صلاحيات الغرفة الجنائية لدى محكمة الاستئناف كسلطة تأديبية بالنسبة لضابط الشرطة القضائية[41]، وتمارس النيابة العامة مراقبتها على جهاز الشرطة القضائية عن طريق مجموعة من الآليات منها:

   أ- إشعار وكيل جلالة الملك للوكيل العام جلالة الملك بما يعاينه من إخلالات في حق ضباط الشرطة القضائية (المادة 17 من ق.م.ج).

  ب-المحاضر المنجزة من طرف ضباط الشرطة القضائية والتي أحاطها القانون الجديد بالمسطرة الجنائية بعناية خاصة[42]، حيث جاءت المادة 24 من ق.م.ج لتعرف مستحدث للمحضر و بتحقيقات أخرى مهمة إذ نصت على أن المحضر في مفهوم المادة السابعة هو "الوثيقة المكتوبة التي يحررها ضابط الشرطة القضائية أثناء ممارسة مهامه ويضمنها ما عاينه أو ما تلقاه من تصريحات أو ما قام به من عمليات ترجع لاختصاصه".

دون الإخلال بالبيانات المستثار إليها في مواد أخرى من هذا القانون أو في نصوص خاصة أخرى، يتضمن المحضر خاصة اسم محرره وصفته ومكان عمله وتوقيعه، ويشار فيه إلى تاريخ وساعات إنجاز الإجراء وساعات تحرير المحضر، إذا كانت تخالف ساعات إنجاز الأجراء يتضمن محضر الاستماع هوية الشخص المستمع إليه ورقم بطاقة تعريفه عند الاقتضاء وتصريحاته والأجوبة التي يرد بها عن أسئلة ضابط الشرطة القضائية.

إذا تعلق الأمر بمشتبه فيه، يتعين على ضابط الشرطة القضائية إشعاره بالأفعال المنسوبة عليه.

يقرئ المصرح تصريحاته أو تتلى عليه، ويشار إلى ذلك بمحضر ثم يدون ضابط الشرطة القضائية الإضافات أو التغييرات أو الملاحظات التي يبدها المصرح، أو يشير إلى عدم وجودها يوقع المصرح إلى جانب ضابط الشرطة القضائية على المحضر عقب التصريحات وبعض الإضافات ويدون اسمه بخط يده. وإذا كان لا يحسن الكتابة أو التوقيع يضع بصمته ويشار إلى ذلك في المحضر يصادق ضابط الشرطة القضائية المصرح على التشطيبات والإحالات.

   يتضمن المحضر كذلك الإشارة إلى رفض التوقيع أو الأبصام أو عدم استطاعته، مع بين أسباب ذلك.

يبرز هذا التعريف المطول وعي المشرع المغربي بأهمية هذه الوثيقة بعتبرها وسيلة مهمة من الوسائل الإثبات بالإضافة إلى كونها آلية يصخر المشرع لإنجازها سلطة واسعة بيد الشرطة القضائية لذلك وحتى يبني المشرع تصوره على منطق قانوني سليم كان لابد من تعريف هذه الوثيقة لحصرها في ذهن كل من الممارس للإجراء والخاضع له والغاية المثلى من إنجاز المحاضر حسب البعض هو التفاعل بحياد مسؤول مع العملية الثلاثية المتلخصة في معاينة الجرائم وجمع الأدلة عنها والبحث عن مرتكبيها[43].

  ج-إشعار ضابط الشرطة القضائية لنيابة العامة قبل الانتقال لعين المكان أو بالموازاة مع انتقال لعين المكان وذلك ضمانا لسرعة التي يتطلبها الموقف[44].

  د-الحرص على ضبط معا لم الجريمة وحجز وسائلها قبل اختفائها لأنها تشكل فيها بعض وسائل الإثبات أمام القضاء الزجري[45].

   وعموما يعد إشراف النيابة العامة على أعمال الشرطة القضائية ضمانة أساسية لسلامة الإجراءات المتخذة وصونا للحق في المحاكمة العادلة، وإن كان ذلك لا ينبغي أن يأتي بانعكاس سلبي على فعالته وأداء ضباط الشرطة القضائية[46].

   إذا ما هي الإجراءات التي تتخذها الشرطة القضائية في حق المشتبه فيه في سبيل إتمام البحث والوصول إلى الحقيقة؟ وما هي ضماناته في تلك الإجراءات؟

2-   الضمانات التي تدخل ضمن بعض الإجراءات التي بها ضابطة الشرطة القضائية

   إن الشرطة القضائية بما تملكه من وسائل، يبقى الجهاز المهيأ وكل المقاييس لإنجاز بعض الإجراءات البحث التمهيدي باحثا في حالة  التلبس، ومن ضمن الإجراءات التي تقوم بها ضابطة الشرطة القضائية التفتيش و الحراسة النظرية.

واخترنا الحديث عن هذين الإجرائيين لما لهم من مساس بالحرية الشخصية و حرمة المسكن وغيرها من الحقوق المضمونة دستوريا والتي نظرا لخطورة المساس بها قام المشرع المغربي بوضع ضوابط قانونية صارمة موجهة لجهاز الشرطة القضائية لوقايتها من الانزلاق والتعسف أثناء القيام بهذه الإجراءات إلى جانب ذلك تبقى حماية الضحايا شرطا جوهريا من شروط المحاكمة العادلة.

أ‌-      التفتيش وضماناته

   إن واجب الدولة في تعقب الجناة وضبطهم وضبط الأدلة التي تفيد في الكشف عن الحقيقة بهدف تحقيق العدالة الجنائية التي يجسدها ضابط الشرطة القضائية في مرحلة البحث التمهيدي، تستدعى من هؤلاء دخول المنزل وفق القانون لإجراء تفتيش عن الأشياء تشكل في حد ذاتها وسائل الإثبات كالمستندات أو نقود مزورة أو خمور...

ونظرا لما للمنزل من حرمة حماها الدستور فإن المشرع المغربي وفي إطار دعم هذه الحرمة ودعم ضمانات المحاكمة العادلة نظم التفتيش و قيده بشروط، يترتب عن إخلال بها بطلان التفتيش.

فما المقصود بالتفتيش؟ وما هو الإطار القانوني الذي ينظمه؟ وما الضمانات القانونية التي يوفرها المشرع في هذه الإجراء؟

·       مفهوم التفتيش:

    لم يعرف المشرع المغربي التفتيش شأنه في ذلك شأن بعض التشريعات المقارنة بل ترك ذلك للفقه والقضاء، ويعرفه بعض الفقه بأنه إجراء تحقيق يقوم به موظف مختص بالبحث عن الأدلة المادية لجناية أو جنحة وذلك في خاص أو لدي شخص وفق لأحكام القانون، وعرفه رأي أخر أنه الدخول في مكان يتمتع بالحرمة باعتباره مستودع لأسرار صاحبه للبحث عن الأدلة المادية التي تفيد في الكشف عن جريمة وقعت.

·       الإطار القانوني للتفتيش:

   لقد أقر المشرع المغربي للحديث عن إجراءات البحث ألتلبسي الخاص بتفتيش المنازل من المواد(59إلى 63 من ق.م.ج) و الملاحظ أن المشرع أهتم بتفتيش المنازل أكثر من تفتيش الأشخاص وأحاطها بمجموعة من الضمانات والقيود يتعين عدم الخروج عليها أثناء القيام بهده الإجراء ونظرا لما للمنزل من حرمة فإن المشرع المغربي حماها من خلال فصل 24 إذ جاء فيه "لا تنتهك حرمة المنزل ولا يمكن القيام بأي تفتيش إلا وفق الشروط والإجراءات التي ينص عليها القانون"  إذن ما هي هذه القيود وشروط التي قيد بها التفتيش.

·       ضمانات المتوفرة في التفتيش:

   إن الانتقال إلى مسرح الجريمة يعتبر من أهم الإجراءات التي يعتمد عليها ضابط الشرطة القضائية؛ واعتبارا لكون البحث في الجريمة ينطلق أساسا من مكان وقوعها فإن من شأن هذا الإجراء أن يقود ضابط الشرطة القضائية للبحث في المنازل وغيرها  من المحلات وحجز ما بها من أدوات إثبات للجريمة. نظرا لما لتفتيش من خطورة على حرية المواطنين وحرمة منازلهم كما أشرنا سابقا فإن المشرع وضع جملة من القيود والشروط الإجرائية التي أحكم بها التفتيش هذه الإجراءات التي يمكن تقسيمها إلى إجراءات شكلية وأخرى موضوعية:

-         واحد: الإجراءات الشكلية:

   تقييدا لعمل الشرطة القضائية عمل المشرع المغربي على وضع شكليات جعلها مقرونة بجزاء البطلان فإن اقتل شرط من شروطها وتتمثل هده الإجراءات في كيفية حفظ المحجوزات، ثم التزم ضابط الشرطة القضائية الكلف بالتفتيش تحرير محضر.

ü    وجوب حفظ المحجوزات:

   تنص الفقرة الثانية من المادة 59 من ق.م.ج على أنه "وفيما عاد حالات المس بأمن الدولة أو تعلق الأمر بجريمة إرهابية، فلا يحق إلا لضابطة الشرطة القضائية ومعه الأشخاص المشار إليهم في المادة 60 وحدهم الإطلاع على الأوراق أو المستندات قبل القيام بحجزها" يستفاد من منطوق هذه الفقرة بأنه في حالة المس بأمن الدولة الداخلي أو الخارجي وإذا تعلق الأمر بجريمة إرهابية فإن هنا كعدة جهات معينة بالإطلاع عن الأوراق والمستندات[47]، ويرجع مبرر إطلاع هذه الجهات على المحجوزات نظرا لخصوصية الجريمة وتهديدها الكبير على أمن الدولة.

إلا أنه فيما عادا حالة هذه الجرائم فلا يحق إلا ضابط الشرطة القضائية ومنه الأشخاص المشار إليهم في المادة 60 وحده إطلاع على الأوراق و المستندات قبل القيام بحجزها، كما يقوم ضابط الشرطة القضائية بإحضار الأشياء والوثائق المحجوزة فورا ويضعها في غلاف أو وعاء وأن يختم عليها وفي حالة تعدد إحصائها فورا وجب عليه الختم مؤقتا إلى حين إحصائها والختم عليها نهائيا ويجب أن يتم إجراء إحصاء الوثائق و الأشياء ولفها والختم عليها بحضور الأشخاص الذي حضروا عملية التفتيش سواء كان الختم نهائيا أو مؤقتا[48]،

   وإلم يحترم ضابط الشرطة القضائية هذه الإجراءات في حفظه للمحجوزات فإنه وفقا للفصل 63 من ق.م.ج يترتب على ذلك بطلان إجراءات التفتيش. لأن هدف المشرع من التفتيش هو الحصول على وسائل إثبات الجريمة بواسطة الحجز فإن لم يتم ضغط هذه المحجوزات فهذا يدل على أن التفتيش لم يرمي إلى تحقيق لهدف حقيقي الذي توضاه المشرع منه ويتعين تصريح ببطلانه[49]. وبذلك يكون المشرع وضع قيود صارمة لحفظ الوثائق و الأشياء التي يتم حجزها من طرف ضابط الشرطة القضائية وجعل كل إخلال من طرف هذا الأخير جزاؤه البطلان.

ü    وجوب تحرير محضر بتفتيش والحجز:

   يشكل المحضر وثيقة مهمة وضمانة أساسية كما أشرنا إلى ذلك سلفا، فهو يتضمن العمليات التي قام بها ضابط الشرطة القضائية كما يشير فيه إلى الحصيلة والنتائج التي أسفر عنها التفتيش، مع وضع جميع المتحصلات المحجوزة في غلاف أو وعاء مختوم بعد وضعها بدقة، ويوقع ذلك المحضر من قبل جميع من حضر عملية التفتيش  إلى جانب ضابط الشرطة القضائية ويشار إلى الممتنع منهم أو من تعذر عليه التوقيع هذا،  وتنص الفقرة الأخيرة من المادة 83 من ق.م.ج على أنه "يجب أن تشير المحاضر أن لمحررها صفة ضابط الشرطة هذا". وفي هذا الصدد أكد مجلس الأعلى أن تحرير المحضر ممن ليس لهم الصفة يكون باطلا.[50]

  إلا أنه من ضمن الإشكالات التي قد تطرح حالة رفض المشتبه فيه التوقيع على المحضر الذي أعده ضابط الشرطة القضائية. إذا أنه بالرجوع إلى المادة 24 تنص على الإشارة وبيان أسباب الرفض.

وبالتالي يعتد بالمحضر كوسيلة من الوسائل الإثبات مما يؤدي إلى إعدام ضمانات الأفراد، إذ دهب البعض إلى اعتبار المشرع أنه رجح محاضر الشرطة القضائية على كفة قرينة البراءة[51].

   على كل حال فإن المحضر يبقى ضمانة أساسية من ضمانات المحاكمة العادلة لكونه وثيقة لها تأطير قانوني وشكليات حماها القانون الخاصة تلك المتعلقة بصفة ضابط الشرطة القضائية وزمان ومكان إجراء التفتيش.

إذن عدم الالتزام بهذه الشكليات يجعل المحضر باطلا وذلك طبقا لما نصت عليه المادة 63 من قانون المسطرة الجنائية. 

-         اثنان:الإجراءات الموضوعية.

   تتمثل هذه الإجراءات في كل ما هو متعلق بتوقيت عملية التفتيش والشروط المتعلقة بحفظ السر المهني وحفظ المحجوزات بالإضافة إلى الشروط المتعلقة بضرورة حضور بعض الأشخاص وخاصة صاحب المنزل. كما سنتطرق من خلال هده الفقرة بتفتيش النساء؛ والخصوصيات التي يتميز بها هذا النوع من التفتيش.

ü    ضرورة احترام الوقت القانوني:

   إن الأوقات ليست متشابهة إذ أن هناك أوقات لها حرمتها وتستدعى الحماية نظرا لكونها تشكل أوقات حساسة بالنسبة لسكينة الأشخاص وأمنهم وحرة المشرع على أنه يضفي الحماية على هذه الأوقات. وجاءت المادة 62 من ق.م.ج تنص على ما يلي: "لا يمكن الشروع في تفتيش المنازل أو معاينتها قبل الساعة السادسة صباحا وبعد التاسعة ليلا"، وبالتالي فإن المشرع وضع وقت قانوني للتفتيش ولا يمكن الشروع في التفتيش خارج هذا التوقيت. إلا في بعض الحالات تشكل اسثتناءا وهي:

1)إذا طلب صاحب المنزل إجراء تفتيش خارج الوقت القانوني أي أن يطلب صاحب المنزل وبصفة تلقائية وليس استجابة لمبادرة ضابط الشرطة القضائية.

2)أن تسمع نداءات أو استعانته داخل المنزل والحكمة من هذا الإجراء هي انقاد ومساعدة الأشخاص المعرضين للخطر، وبالرجوع للقانون الجنائي المغربي نجده يعاقب في الفصل 431 "من أمسك عمدا عن تقديه مساعدة لشخص في خطر رغم أنه كان يستطيع أن يقدم تلك المساعدة إما بتدخله الشخصي وإما بطلب الاغاثة دون تعريض نفسه أو غيره لأي خطر يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهور إلى خمس سنوات وغرامة مالية من مائتين إلى ألف درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين".

3)وجود نص خاص يرفض بالتفتيش خارج الوقت القانوني ومن أمثله على ذلك ظهير 74-02-21 بخصوص زجر الإدمان على المخدرات في فصله الرابع وأيضا الفصل 4 من قانون العدل العسكري الصادر في 26-07-1971.

4)إذا كان التفتيش يجري في محالات يمارس فيها عمل أو نشاط ليلي بصفة معتادة، كالمصانع والمراقص الليلية فهذه الأماكن يجوز التفتيش فيها في أي وقت على اعتبار أنها ليست أماكن للخلود للراحة والنوم ولا تتوفر فيها شروط المسكن.

5)إذا بدأ التفتيش في الساعة القانونية واستمر دون توقف إلى حلول الوقت الممنوع. وحكمة هذا الاسثتناء ترجع إلى الرغبة في إنهاء التفتيش وعدم تعطليه.

6)إذا تعلق التفتيش بجريمة إرهابية وثم إدراج هذا الإسثتناء بموجب قانون رقم 03.03 المتعلق بمكافحة الإرهاب، يشترط في هذا النوع الحصول على إذن النيابة العامة يسمح بإجراء التفتيش داخل الوقت الممنوع قانونا. وأيضا ضرورة الحصول على إذن مكتوب من صاحب المنزل وهنا ينبغي التمييز بين فرضيتين وهما:

  - التفتيش في منزل المشتبه فيه وفي هذه الحالة ألزم القانون حضور هنا الشخص أو من يمثله وإذا تعذر ذلك يستدعى ضابط الشرطة القضائية شاهدين غير الموطنين الخاضعين لسلطته.

  - أما الفرضية الثانية تتمثل في كون التفتيش سيجرى في منزل غير المشبه فيه وفي هذه الحالة ينبغي حضور صاحب المنزل أو من ينوب عنه وإلا عين ضابط الشرطة القضائية شاهدين من غير الموظفين الخاضعين له.

ü    واجب الحفاظ على السر المهني وحفظ المحجوزات:

   إن البحت الذي تقوم به الضابطة القضائية قد يدفعها لتفتيش أماكن يلزم أصحابها كثمان السر المهني-مثل عيادة طبيب أو مكتب موثق أو مكتب محامي...

فهذه الأماكن بطبعتها تلزم ضابط الشرطة القضائية بكتمان السر المهني ويتحقق المحافظة على السر المهني بأمرين وهما:

  - الشرط الأول: الاحتياط الذي يجب أن يتخذه ضابط الشرطة القضائية أثناء تفتيشه وذلك بإطلاعه على الوثائق و الأشياء التي يرى فائدة في الإطلاع عليها والتي لها علاقة بالجريمة عدا ذلك وجب عليه الامتناع عن الإطلاع عليه.

  - الشرط الثاني: عدم إطلاع غيره على الأشياء الجراد كتحانها حتى ولو يتعلق الأمر بمساعدته. ومراعاة لبعض المهن عزز المشروع حماية سرها المهني من خلال توفير ضمانات إضافية مثل المحامين بحيث كلما تعلق الأمر بتفتيش مكتب من مكاتب المحاسبة فإنه قد الضروري أن يقوم به ممثل النيابة العامة مع حضور نقيب المحامين أو من ينوب عنه. أما فيما يتعلق بالمحافظة على المحجوزات بعد إحصائها فإنه يجدر بالذكر أنه في غير حالات المسر بأمن الدولة الداخلي أو الخارجي أو جرائم الإرهاب حيث تكون عدة جهات معينة بمهمة سلامة الدولة، فإنه لا يطلع على الأوراق و المستندات قبل الشروع في حجزها إلى ضابط الشرطة القضائية ومعاونوه و الأشخاص المشار إليهم في المادة 60 من ق.م.ج. وهو صاحب المنزل أو ممثلة أو شاهدين.

وأخيرا فإنه المادة 61 من ق.م.ج تعاقبا من قام بإفساد فحوى وثيقة تم حجزها أثناء التفتيش إلى شخص غير موصل قانونا الإطلاع عليها وذلك لأن البحث الذي تقوم به ضابطة القضائية يجب أن تعتريه السرية احتراما لقرينة البراءة كإحدى ضمانات المحاكمة.

ü    ضرورة حضور بعض الأشخاص في عملية التفتيش:

   هنا يجب التمييز بين حالتين: الحالة الأول هي حالة التلبس و الحالة الثانية هي حالة العادية.

  - حالة التلبس: إذا كان ضابط الشرطة الفضائية يعتزم تفتيش منزل في حالة تلبس فإنه يتعين أن يكون رب المنزل حاضر كما تقضى ذلك المادة 60 من ق.م.ج أما إذا تعذر عليه الحضور بسبب ما فإن واجب ضابط الشرطة القضائية أن يستدعي لشخصين كشهود لحضور عملية التفتيش و وجب أن يكون هذان الشخصان أجنبيان عن الضابط ومن غير الموظفين الخاضعين لسلطته كما أشرنا سابقا.

  - الحالة العادية: حالة البحت العادية كما نصت المادة 79 من ق.م.ج تتطلب موافقة صريحة من الشخص الذي ستجرى العمليات بمنزله تضمن هذه الموافقة في تصريح مكتوب بخط يد المعنى بالأمر وإن كان لا يعرف الكتابة يشار إليه في المحضر و الملاحظ هنا أن المشرع ضيق من السلطة ضابط الشرطة القضائية عندما اشترط حصول إذن مكتوب من طرف رب المنزل.

ü    تفتيش النساء:

   لقد تدارك المشرع المغربي الفراغ التشريعي الذي لازم المسطرة الجنائية الملقاة وذلك بإدخال مقتضيات تخص تفتيش النساء بحيث ألزم ألا يتم ذلك إلا من قبل امرأة تطبيقا للمادة 60 من ق.م.ج كما يجب على ضابط الشرطة القضائية أن يستدعي امرأة لحضور التفتيش الذي سيجرى بمنزل يعتمره نساء فقط، كل ذلك من أجل صيانة الآداب العامة وحماية القيم الأخلاقية وعدم استباحة عرض امرأة، حتى ولو كانت متهمة وفي هذا الصدد ذهبت محكمة النقض المصرية في أحد قراراتها أن مناط ما يشترطه القانون من تفتيش أنثى أن يكون مكان التفتيش من المواقع الجسمانية التي لا يجوز لرجل الضبط القضائي الإصلاح عليها ومشاهدتها بقصد الحفاظ على عوراة المرأة التي يخدش حياءها إذا مست.

   أحاط المشرع إجراءات التفتيش بضوابط قانونية صارمة نوعا ما ورتب عن عدم احترام هذه الضوابط بطلان إجراءات المعينة فقط وما يترتب عنه من إجراءات، ومعنى ذلك أنه ما ثم بطلان محضر التفتيش و الحجز لسبب خرق الإجراءات المسطرية فإن ذلك لا يؤدي إلى بطلان محضر البحث التمهيدي المتضمن بتصريحات واعترافات المتهم والشهود وباقي الإجراءات الأخرى السليمة التي لم تترتب عن الإجراء الباطل حيث يجوز للمحكمة الأخذ بها، غير أنه ينبغي الإشارة على أن محاضر التفتيش و الحجز غالبا ما تكون وسائل الإثبات حاسمة لاسيما في بعض الجرائم كالمخدرات وبيع الحضور بدون رخصة وأن عدم التقيد بالنصوص القانونية في إنجازها قد يفوت على القضاء الجنائي فرصة الإدانة خاصة وأن محترفي هذا النوع من الجرائم يجعلون من الإنكار وسيلة من الإفلات من العقاب.

ب‌-  الحراسة النظرية وضماناتها.

   يندرج إجراء الوضع تحت الحراسة النظرية ضمن إجراءات البحت التمهيدي الذي تقوم به الضابطة القضائية إذ يعتبر من بين أهم صلاحياتها، ويهدف هذا الإجراء إلى تسهيل إجراءات البحث وضمان فعاليته، ونظرا لكون هذا الإجراء يدخل ضمن الإجراءات الماسة بحرية الفردية.

فإن المشرع عمل على تقيده بمجموعة من الضمانات وتعزيز المشتبه فيه الخاضع له بمجموعة من الحقوق، إذن ما المقصود بالوضع تحت الحراسة النظرية؟ وما هي شروطه؟ وما الضمانات القانونية التي يتمتع بها المشتبه فيه؟ وما هي حقوقه وكيف يستفيد منها؟

·       مفهوم الحراسة النظرية وشروطها:

   يقصد بالوضع تحت الحراسة النظرية احتفاظ ضابط الشرطة القضائية في مركز عمله بالمشبوه فيه لحاجيات البحث التمهيدي أو تنفيذ الإنابة القضائي[52]، وهذه الصلاحية مقررة خلال البحث سواء في حالة التلبس أو في الأحوال العادية[53].

يتبين من هذا التعريف[54]، أن المشرع منح ضابطة الشرطة القضائية هامشا واسعا في اتخاذ تدابير الحراسة النظرية، إلا أنه عمل على تقييد ممارسته في ذلك إذ  حظر تدبير الوضع تحت الحراسة النظرية ببعض الشروط التي حددها أستادنا أحمد الخمليشي[55]. في:

 -أن تتطلبه حاجيات البحث[56].

 -أن تكون الجريمة جنائية أو جنحة معاقب عليها بالحبس[57].

 -أن تكون هناك أدلة ضد المشتبه فيه.

·       الضمانات والحقوق التي يتمتع بها المشتبه فيه خلال وضعه تحت الحراسة النظرية:

   نظرا لخطورة تدبير الحراسة النظرية على حرية الأفراد فإنه كان ضروريا من وضع قيود صارمة لحفظ حرية الإفراد من التعسف الضابطة القضائية، لذلك أحاط المشرع المشتبه فيه بمجموعة من الضمانات أهمها:

-         مدة الحراسة النظرية:

   تحدت مدة الوضع تحت الحراسة النظرية تبعا لمقتضيات المادة 66 من ق.م.ج في ثلاثة أنواع من الجرائم: وهي الجرائم العادية وفي هذه الحالة تكون مدة الحراسة النظرية 48 ساعة قابلة لتمديد مرة واحدة ب 24 ساعة، وفي جرائم الماسة بأمن الدولة وحددها المشرع في 96 ساعة قابلة لتمديد مرة واحدة بنفس المدة أي( 96 ساعة أخرى)، أما في جرائم الإرهاب وحدد مدتها المشرع في 96 ساعة قابلة لتمديد مرتين ولنفس المادة أي (96ساعة+96ساعة). وهذا التمديد يكون بناء على إذن كتابي من النيابة العامة.

   يعتبر تحديد المشرع في نظرنا للمدة القانونية للحراسة النظرية ضمانة حقيقية، لكونه حصر هذه المدة حتى لا يقع أي خرق لحرية الفرد من طرف ضابطة الشرطة القضائية كما عزز مراقبة النيابة العامة هذا التدبير أثناء تمديد مدة بضرورة الإذن من طرف النيابة العامة.

وبالرجوع إلى المادة 66 من ق.م.ج نجدها تنص على جملة من الحقوق والضمانات القانونية التي يتمتع بها المشتبه فيه وهي كالتالي:

ü    الحق في معرفة دواعي الاعتقال:

   ألزام المشرع المغربي في المادة 66 من ق.م.ج ضابط الشرطة القضائية بإخبار كل شخص سيخضعه لتدبير الحراسة النظرية بأسباب اعتقاله ووضعه تحت الحراسة النظرية بمخافير الشرطة بكيفية يفهمها[58]، وبدون تأخير أي أن يكون المحق من الإشعار حقيقيا وليس صوريا كما يجب أن يكون الهدف من هذا الإشعار هو تنبيه المعنى بالأمر إلى خطورة الإجراء وتأثيره على حريته وحقوقه[59].

ü    إخبار عائلة المشتبه فيه:

   من الالتزامات الملقاة على عاتق ضابط الشرطة القضائية إشعار عائلة المحتجز فور اتخاذ قرار وضعه تحت الحراسة النظرية بأي وسيلة من الوسائل[60]، إذا يجب عليه إخبار أقارب المشتبه فيه بمكان تواجد المشتبه فيه وسبب الاحتفاظ به لدى مصالح  الشرطة القضائية أو الدرك الملكي.

ü     حق المشتبه فيه بالتزام الصمت:

   إن قرينة البراءة هي ركيزة من الركائز الأساسية التي يقوم عليها صرح العدالة، ومن مقتضى تطبيق هذا المبدأ أن المتهم غير ملزم بالمساهمة في جمع أدالة الإدانة لأن عبء الإثبات يقع على عاتق سلطة الاتهام، لذلك فإن حق الصمت هو أحد مظاهر حرية المتهم في الدفاع عن نفسه، يتضمن امتناعه عن الإجابة على ما قد يوجه إليه من الأسئلة من قبل الجهات المختصة بشأن جريمة وقعت دون أن يفسر صمته على قرينة ضده فالصمت حق له ولا يجوز أن يضار شخص للممارسة حق له[61]، وهذا ما نصت عليه المادة 66 من ق.م.ج إذ جاء فيها "يتعين على ضابط الشرطة القضائية إخبار كل شخص تم القبض عليه أو وضع تحت الحراسة النظرية فورا وبكيفية يفهمها بدواعي اعتقاله وبحقوقه ومن بينها حقه في الالتزام الصمت"[62]، إلا أنه يجب الإشارة رغم حق المشتبه فيه بالتزام الصمت فهو ملزم بإدلاء بالمعلومات المطلوبة منه والتي تهم هويته الكاملة، زيادة على أنه لا يمكن للمشبوه فيه أن يلوذ بصمت بشكل متواتر إنما يتعين عليه الإخبار، كما يعرفه بخصوص ما هو منسوب لغيره وإلا تفرض العقوبة المنصوص عليها في الفصل 378 من ق.م.ج خصوصا إذا كان يعرف وجود دليل براءة متهم معتقل وفي ذلك يتعين من وجهة أخرى على ضابط الشرطة القضائية إنجاز محضر ويضمنه الأسئلة التي وجهها للشخص المذكور ويشير في الجواب أنه التزم الصمت، وعليه فإنه لا يجوز لضابط الشرطة القضائية الباحث أن يجبر الشخص المشتبه فيه على الإدلاء بإفادات بالقوة والإكراه.

بحيث لا يعتد بأي تصريح أو اعتراف انتزاع من صاحبه بالإكراه وممارسة الضغط المادي والمعنوي[63].

ü    حق المشتبه فيه في المساعدة القانونية.

   طبقا للمادة 66 من قانون المسطرة الجنائية فإنه من بين الحقوق التي يتمتع بها المشتبه فيه أثناء الحراسة النظرية وهي المساعدة القانونية إذن ما المقصود بهذه المساعدة؟

   يقصد بحق المشتبه فيه في الاستفادة من المساعدة القانونية أن يمكنه ضابط الشرطة القضائية المشرف على وضعه تحت الحراسة النظرية من كل مساعدة في إبراء ذمته وما يسعفه في رد عما نسب إليه كتحصيل وجلب وثائق ممسوكة لدى غيره أو طلب الاستماع إلى كل من يمكنه الإفادة في البحث والقيام بالتفتيش في أماكن معينة أو إجراء خبرة على المحجوزات أو الاستعانة بتقني مسرح الجريمة لرفع بصمات وآثار جنايته لما من ذلك من تأثير على حقه في محاكمة عادلة[64].

ü    حق المشتبه فيه بالاتصال بالمحامي:

   من المستجدات التي جاءت بها مسطرة الجنائية الجديدة والتي تشكل إحدى ضمانات المحاكمة العادلة أثناء مرحلة البحث الذي تقوم به الضابطة القضائية سواء في حالة التلبس أو في الحالة العادية الاتصال بالمحامي بناءا على طلب الشخص الموضوع تحت الحراسة النظرية وذلك بعد حصول على ترخيص النيابة العامة غير أن هذه الإمكانية قاصرة على الحالة التي يتم فيها تمديد الحراسة النظرية لا غير ذلك لمدة لا تتجاوز 30 دقيقة على أن يكون ذلك تحت مراقبة ضابط الشرطة القضائية في ظروف تكفل مرية المقابلة، ويمكن لممثل النيابة العامة تأخير لاتصال بالمحامي بموكله بناءا على طلب من ضابط الشرطة القضائية إذا ما اقتضت ذلك ضرورة البحث كما لو تعلق الأمر بجريمة إرهابية أو بالجرائم المشار إليها في المادة 108 من ق.م.ج على أن لا يتجاوز ذلك التأخير مدة 48 ساعة ابتداء من التمديد الأول ويمكن للمحامي المرخص له بالاتصال بالشخص الموضوع تحت الحراسة النظرية أن يقدم أثناء مدة التمديد هذه الحراسة النظرية وثائق وملاحظات كتابية للشرطة القضائية أو النيابة العامة قصد إضافتها للملف مقابل إشهاد[65].

ü    استفادة المشتبه فيه من المساعدة القضائية:

   يحق للمشتبه فيه في الاستفادة من المساعدة القضائية[66]، بتنصيب محامي لمساعدته بعد إشعار السيد نقيب المحامين الذي يتولى تعيين المحامي[67]، وفي ذلك حرصت المدرية العامة للأمن الوطني تجسيد التوجه الوطني في مجال حماية حقوق و حريات المواطنين على تسهيل اتصال المحامين بمؤازرهم أثناء فترة الوضع تحت الحراسة النظرية من خلال تهيئة مكاتب خاصة معدة لذلك قريبة من أماكن الاحتفاظ بالأشخاص ضمانا لسرية البحث وسرية الإجراءات[68].

   على كل حال تبقى هذه الضمانات وسائل مهمة لحفظ كرامة وحرية الشخص المشتبه فيه خلال إجراء تدبير الوضع تحت الحراسة النظرية حيث اعتبر بعض الدقة أن القواعد التي تنظيم الحراسة النظرية هي قواعد آمرة.

   وعموما سواء تعلق الأمر بالضمانات المتوفرة خلال إجراء التفتيش أو إجراء الوضع تحت الحراسة النظرية، فإن هذه الضمانات ترتبط بطرق واحد فقط ألا و هو المشتبه فيه فماذا عن الضمانات التي يوفرها المشرع المغربي للضحايا و الشهود؟

ت‌-  الضحايا والشهود كضمانة أساسية من ضمانات المحاكمة العادلة.حماية

   عمل المشرع المغربي علي حماية الضحايا والشهود من خلال قانون المسطرة الجنائية حيث أوجبت المادة 4/82 إشعار ضحية بحقه في الانتصاب كمطالب بالحق المدني أمام قاضي التحقيق أو هيئات الحكم ويشار إلى ذلك في محضر الاستماع من طرف ضابط الشرطة القضائية، وأفاقة المادة5/82 أنه يمكن لوكيل الملك إصدار تعليمات للضابطة القضائية من أجل اتخاذ تدابير الحماية الكفيلة بتأمين سلامة الضحية أو أفراد أسرته أو أقربائه أو ممتلكاته من كل ما قد يطاله جزاء تقديم شكايته.

   ولتعزيز هذه الحماية فإنه يوضع رهن إشارة الضحية رقم هاتف الخاص بالشرطة القضائية للاتصال في حالة طلب المساعدة كما يمكن أن يأمر السيد الوكيل العام للملك أو قاضي التحقيق حسب الأحوال بعرض الضحية على طبيب مختص و تخصيصه بالعناية الاجتماعية اللازمة في المادتين 6/82 و7/82.

   ثانيا:ضمانات المشتبه فيه أمام النيابة العامة.

  قلنا سلفا بأن البحث التمهيدي له خطورة بالغة على حريات وحقوق الأشخاص لذلك ثم تعزيزه بمجموعة من الضمانات القانونية و بالمناسبة تطرقنا كذلك لرقابة النيابة العامة على أعمال الشرطة القضائية، وتوجيهها إلا أن ضمانات المشتبه فيه لا تقف أمام الشرطة القضائية فقط بل تتعزز أمام هذه الهيئة كذلك بضمانات أخرى أثناء استنطاقه من طرفها، وتتمثل هذه الضمانات في عدم إيداع المشتبه فيه في السجن إلا عند الضرورة وفي حالة وضع المشتبه فيه وجب على النيابة العامة تعليل هذا القرار بالإضافة إلى عرض المشتبه فيه على الطبيب في الحالة ادعائه بأنه تعرض للضرب أو التعذيب من طرف الشرطة القضائية.

1-   عدم إيداع المشتبه فيه في السجن إلا عند الضرورة.

   بعد إحالة المشتبه فيه على النيابة العامة يجب عليها عدم للجوء إلى تدبير الاعتقال إلا إذا تعلق الأمر بمجرم خطيرا حدت الرعب والخطورة داخل الأوساط الاجتماعية، هذا بالإضافة إلى كون حالة التلبس لا تشكل سبب لصدور أمر الاعتقال بل قد يحدث أن يتم ضبط المتهم متلبسا بارتكاب فعل جرمي وضع ذلك يصوع متابعته في حالة صراع إذا تبين أنه يتوفر على ضمانات الحضور أو أن فعل المرتكب لا يتسم بالخطورة التي تستوجب هذا الإجراء.

وفي هذا الصدد صدرت عدة منشورات و زراية تحث مادة قضاة النيابة العامة على عدم اللجوء الاعتقال الاحتياطي إلا عند الضرورة القصوى واستبدال هذا الإجراء يتداخل أخرى كتفعيل كفالات المالية والشخصية وتفعيل مسطرة الصلح التي أقرها المشرع المغربي في تحقيق الأهداف التالية:

أ-إعفاء المتهم من المتابعة وما يترتب على ذلك من الإساءة إلى صمعته ومن تضمين مجله بسوابق قضائية قد تؤثر على حياته العملية وتغلق أبواب الأمل والإفراج.

ب-إعادة الاعتبار للضحية عن طريق جبر الضرر الذي تعرض له من طرف المعتدي الأمر الذي يؤدي إلى زرع بدور المحبة بوضع حد نهائي باستمرار المقاطعة والنزاع بينهما.

وأثناء دراسة النيابة العامة للقضية يتعين عليها في حالة ملاحظة بيان التهمة غير ثابتة في حق المشتبه فيه ألا تتردد في حفظ المسطرة، إذا ظهر لها قرأتن بالإدانة تشعره بالأفعال المنسوبة إليه وأن له الحق في تنصيب المحامي يؤازره وأن تعرض عليه تصريحات المصرحين لتحديد موقفهم منهم وكذا المحجوزات المرفقة بالمحضر.

2-    تعليل قرار الاعتقال.

   إذا رأت النيابة العامة ضرورة إداع المتهم بالسجن نظرا لخطورة الفعل المرتكب أو لعدم توفر الضمانات الكافية للحضور يتعين عليها تعليل قرار الاعتقال على هامش المحضر وتحيل المتهم مباشرة فورا على المحكمة.

3-   مبادرة النيابة العامة الإجراء فحصى طبي.

   إذا ادعى المتهم بأنه تعرض للاعتداء بالضرب أو التعذيب من طرف الشرطة القضائية، تبادر النيابة العامة الإجراء فحص طبيي عليه للتأكد من صحة ادعائه وترتيب الإثارة القانونية على ذلك وتتم بعد ذلك متابعة المشتبه فيه في حالة صراح إذا كان الفعل الإجرامي ليس في منتهى الخطورة وكان يتوفر على ضمانات كافية للحضور ويسلم الاستدعاء للحضور الجلسة ويجب أن يكون الأجل بين يوم تسليم الاستدعاء ويوم حضور للجلسة ثمانية أيام على الأقل وينبغي مراعاة أجل المسافة إذا كان المتهم أو أحد الأطراف يقيم بالخارج المملكة.

    الفقرة الثانية: التحقيق الإعدادي

   يمثل التحقيق الإعدادي الشق الثاني من مرحلة ما قبل المحاكمة، ويعرف بكونه "مجموعة من الإجراءات والتحريات القضائية الهادفة إلى كشف الحقيقة، وتحصيل الأدلة، وتحمصيها قبل عرض المتهم على هيئة الحكم".

وعرف أيضا بأنه "مجموعة من التحريات التي تستهدف جمع الحجج من طرف سلطة مختصة يحق لها في نهاية الأمر، أن تقرر ما إذا كان مناسبا أو غير مناسب إحالة القضية على المحكمة".

والتحقيق الإعدادي إن كان بعض الفقهاء يرون بأنه يعرقل سير العدالة، وبأنه لا فائدة منه أمام محضر أنجر من طرف الشرطة القضائية، خاصة وأن هذه الأخيرة تتوفر على إمكانية هائلة من أجل البحث عن الجرائم، وجمع الأدلة عنها، والكشف عن الجناة، إلا أن التطور التاريخي الذي عرفته الدعوى الجنائية أكد أن التحقيق فيه ضمانة كبرى للأفراد، سواء كانوا جناة، أم ضحايا، وللمصلحة العامة على السواء.

إذ يكفل عدم رفع الدعوى إلى المحكمة إلا وهي مرتكزة على أساس متين من الواقع والقانون، وفي ذلك توفير لوقت وجهد القضاء، وضمانة كبرى للأفراد، حيث يقيم من خطر الوقوف موقف الاتهام أمام القضاء بسبب التجني أو التسرع، وهو موقف عصيب على النفس لا يحمى أثره، ولو قضي فيما بعد بالبراءة.

لذلك اعتبرت هذه المرحلة من أهم مراحل الدعوى الجنائية، فهو يقف وسطا بين إجرائيين هامين، هما: البحث التمهيدي الذي تقوم به الشرطة القضائية، والبحث النهائي الذي تقوم به المحكمة.

والهدف منه هو التثبيت من جمع الأدلة, والتحقيق فيها بغية الوصول إلى الحقيقة الواقعية والقانونية في شأنها، وتقدير قيمة تلك الأدلة لمعرفة ما إذا كانت غير كافية للاستمرار في المتابعة، أو كانت كافية، وبالتالي إحالتها على الجهة المختصة لإصدار حكم في القضية إما بالبراءة، أو الإدانة، أو الإعفاء.

ويتميز التحقيق الإعدادي بعدة خصائص، ولعل أبرزها أنه ذو طبيعة قضائية وتفتيشية، أما الطبيعة القضائية فتعني: أن قاضي التحقيق حكم، وليس خصما، وبالتالي فإنه من الواجب عليه أن يجمع الحجج بحياد تام دون محاباة، أو تحامل على المتهم، سواء أكانت لفائدته أم ضده، وتتجلى الطبيعة القضائية للتحقيق أيضا في أنه ينجز تحت مراقبة سلطة أعلى وهي: الغرفة الجنحية، وإمكانية استئناف أهم قراراته أمامها، أما السمة التفتيشية فتعني أن التحقيق الإعدادي تغلب عليه السرية، وعدم الحضورية، والكتابة.

ولعل أول ضمانات التحقيق الإعدادي أنه تختص به جهة مختصة لها خبرة كبيرة واستقلال فعلي يكفل للمتهم تحقيق دفاعه.

وهذا ما حاول قانون المسطرة الجنائية الجديد المغربي تجسده، حينما أوكل إلى قاضي التحقيق مهمة إجراء التحقيق الإعدادي في القضايا المنسوبة للمتهمين[69].

    أولا: خصائص التحقيق الإعدادي.

   إن التحقيق الإعدادي يتميز بمجموعة من المميزات والخصائص نجملها في ما يلي:

1-   التحقيق الإعدادي ذو طبيعة قضائية مستقلة.

   إن التحقيق الإعدادي يخالف البحث التمهيدي، الذي تنجزه الشرطة القضائية، فالتحقيق الإعدادي يتكلف بإنجاز قاضي التحقيق الذي يستقل عن النيابة العامة، وعن المحكمة، وعن الخصوم مما يفرض عليه الحياد التام في إنجاز إجراءات البحث عن الأدلة، واتخاذ القرار الذي ينهي إليه التحقيق سواء كان صالح المتهم، أو ضده، بل يجب عليه أن يكون محايدا عن الخصوم في مباشرة مهامه، وهو من الضمانات الأساسية للقضاء.

ومعلوم أن قاضي التحقيق يخضع للمراقبة في القرارات التي يصدرها بمناسبة التحقيق لجهة قضائية كلفها القانون بإعمال هذه المراقبة، وهي الغرفة الجنحية بمحكمة الاستئناف، حيث يحق للخصوم من النيابة العامة، ومتهم ومطالب بالحق المدني استئناف قرارات قاضي التحقيق أمامها كلما وقع إخلال بالإجراءات المنصوص عليها في القانون بقصد الرجوع عنها، بل إن قاضي التحقيق نفسه، والغرفة الجنحية تلقائيا عندما يلاحظ بطلان إجراء من الإجراءات التحقيق أن يرفعه للغرفة الجنحية من أجل تقرير بطلانه.

وكل هذا من أجل تحقيق ضمانات مهمة للمتهم الذي يجوز له التظلم أمام القضاء عند حدوث أي خرق لها باعتبارها مساسا بحقوقه.

2-   سرية التحقيق الإعدادي.

   إنه من خلال قراءتنا لقانون المسطرة الجنائية المغربي، يتضح لنا أن التحقيق الإعدادي يغلب عليه الطابع التفتيشي الذي يعتبر أحد خصائص التحقيق الإعدادي وتتمثل فيما يلي:

-خضوع التحقيق الإعدادي للسرية، ومعناه امتناع عموم الناس من الإطلاع على إجراءاته، أو على المحاضر المعدة بمناسبة إنجازه، أو نشر أي شيء من ذلك في وسائل الإعلام المختلفة، وإيصالها إلى الغير.

وكل شخص يساهم في إجراء البحث والتحقيق ملزم بكتمان السر المهني تحت طائلة الجزاء الذي قد يتعرض له في حالة المخالفة.

وتنص المادة 15 من قانون المسطرة الجنائية على ما يلي: "تكون المسطرة التي تجري أثناء البحث التمهيدي والتحقيق السرية. كل شخص يساهم في إجراء هذه المسطرة ملزم بكتمان السر المهني ضمن الشروط وتحت طائلة العقوبات المقررة في القانون الحنائي".

إلا أن سرية التحقيق ليست مطلقة، بل تعرف بعض المرونة فيما يخص مصالح الأطراف وتتجلى فيما يلي:

أ-إشعار المتهم بالأفعال المنسوبة إليه حسب ما هو منصوص عليه في الفقرة 4 من المادة 134 ق.م.ج.

ب-إشعار المتهم بحقه في اختيار محام، وفي حالة عدم استعماله لهذا الحق، فإنه يعين له قاضي التحقيق محاميا، بناء على طلبه وينص على ذلك في المحضر، وإلى ذلك أشارت المادة 134 ق.م.ج.

ج-اتصال المتهم، والمطالب بالحق المدني بالمحامي، وحضور جلسات التحقيق، وحضور الشهود أيضا، ومقابلتهم مع المتهم، والطرف المدني عملا بمقتضيات المادتين 118و 139 من ق.م.ج.

د-الاستعانة بالخبراء كلما عرضت مسألة تقنية استنادا إلى المادة 194 من ق.م.ج.

فكل هؤلاء من متهمين، ومحامين، وشهود، ومطالبين بالحق المدني، ومترجمين، وخبراء يطلعون على إجراءات التحقيق كليا، أو جزئيا.

وبالتالي فإن سرية التحقيق نسبية وليست مطلقة، والمشرع المغربي عاقب على إفشاء السر المهني وليس على الإطلاع عليه لمن لديه الحق في ذلك[70].

3-   توثيق إجراءات التحقيق.

   إن من خصائص التحقيق في القانون المغربي، أن جميع إجراءاته تخضع للتوثيق بإشهاد كاتب للضبط على استنطاق المتهمين، وعلى تصريحات الشهود، وبتحرير قاضي التحقيق لجميع أوامره وقراراته حتى يتم رفع كل لبس عن صدقتيه، وإجراءات التحقيق التي يقوم بها قاضي التحقيق.

وهذه خاصية من خاصيات التحقيق في القانون المغربي، وإلى ذلك أثارت المادة 99 من ق.م.ج على ما يلي: "يجوز القاصي التحقيق أن ينقل إلى أي مكان لإجراء المعاينات المفيدة أو للقيام بتفتيش. ويشعر بذلك النيابة العامة التي لممثلها الخيار في مرافقته.

يساعد في ذلك دائما كاتب الضبط.

يحرر قاضي التحقيق محضرا لها أنجزه من أعمال".

    ثانيا: إجراءات التحقيق الإعدادي.

   يقوم قاضي التحقيق بعدة إجراءات وأبحاث تهدف أساسا إلى الكشف عن الحقيقة، وخول له المشرع مجموعة من الصلاحيات لتحقيق هذه الغاية، وتعرف هذه الإجراءات التي يلجئ إليها قاضي التحقيق بالإجراءات التي تتعلق بشخص المتهم أو الإجراءات التي تنصب على الأشياء.

1-   استنطاق المتهم:

   الاستنطاق هو"استفسار من القاضي للمتهم حول ظروف وملابسات الجريمة المنسوبة إليه، ويتمظهر في صورة سؤال وجواب ضمن إجراءات وشكليات محددة".

والاستنطاق هو إجراء منوط بقاضي التحقيق، أو قاضي  الحكم خلال مرحلة المحاكمة، وهو يختلف عن لاستفسار، والاستجواب الذي يقوم به عادة ضابط الشرطة القضائية وهو صادر على القضاء الجالس.

وهذه الشكليات تختلف باختلاف مراحل الاستنطاق بحسب ما إذا كان الأمر يتعلق بالاستنطاق الابتدائي، أو التفصيلي، أو مرحلة مواجهة المتهم مع الطرف المشتكي أو الشهود.

أ‌-      الاستنطاق الابتدائي أو الأولي:

   إن الاستنطاق الابتدائي أو الأولي حسب مفهوم المادة 134 من ق.م.ج يتم خلال المرحلة التي يمثل فيها المتهم لأول مرة أمام قاضي التحقيق، أما بناء على ملتمس النيابة العامة بإجراء التحقيق معه، أو على إثر شكاية مصحوبة بالإدعاء المدني مقدمة ضده من طرف المتضرر.

ويتولى قاضي التحقيق إخضاع المتهم لتشخيص قضائي تقوم به المصالح التابعة للضابطة القضائية من أخذ البصمات و الصور وقياس الأعضاء، أو إخضاعه لفحص طبي إذا رأى ضرورة ذلك.

كما يشعر قاضي التحقيق المتهم بالأفعال المنسوبة إليه، وبحقه تنصيب محام باختياره، وإلا عينه له بناء على طلبه مع التنصيص على ذلك في محضر الاستنطاق من طرف كاتب الضبط.

ب‌-  الاستنطاق التفصيلي:

   يقصد به الاستنطاق الذي يقوم به قاضي التحقيق للمتهم بعد الانتهاء من المرحلة الأولى المسماة بالاستنطاق الأولي، أو الابتدائي.

ويركز فيه قاضي التحقيق على تعميق البحث أكثر في كافة الأفعال المنسوبة للمتهم، قصد جمع الأدلة الكافية للوصول إلى الحقيقة.

ويمكن أن يشمل الاستنطاق التفضيلي أكثر من جلسة واحدة.

وقبل الشروع فيه يتعين على قاضي التحقيق أن يستدعي محامي المتهم بواسطة رسالة مضمونة الوصول توجه إليه قبل كل استنطاق بيومين كاملين على الأقل، ويجب أن يوضع ملف القضية رهن إشارته قبل الاستماع إلى موكله بيوم واحد على الأقل، كما تنص على ذلك المادة 139 من ق.م.ج.

ولا يقصد من حضور المحامي الاستنطاق معناه فتح المجال أمامه للترافع كما هو الحال خلال المحاكمة، وإنما الغاية منه السهر على مراقبة احترام شكليات المسطرة من أي خرق يشوبها.

لذلك، لا يمكن لمحامي المتهم ولا محامي الطرف المدني أن يتناول الكلمة، إلا بتوجيه أسئلة أثناء الاستنطاق المتهم، أو مواجهته بغيره، أو أثناء الاستماع إلى الطرف المدني بعد أن يأذن لهما بذلك قاضي التحقيق، فإن رفض لهما الإذن بالكلمة تعين تسجيل الأسئلة في المحضر وإرفاق نصها به.

ث‌-  مواجهة مع الغير:

   يقصد بها إجراء مقابلة بين شخصين، أو أكثر من الشهود لبيان حقيقة ما اختلفوا حوله في شأن، القضية المعروضة بين يدي قاضي الحقيق.

ثم عرض هذه الأدلة المرتبطة بالجريمة على المتهم ليقرر أو يطعن فيها.

وبما أن قاضي التحقيق يستمع إلى الشهود على انفراد، فإنه يتعين عليه في هذه الحالة مواجهتهم مع بعضهم البعض قصد الوقوف عن الحقيقية تضارب أقوالهم حول النازلة المعروضة عليه[71].

2-   الاستماع إلى الشهود.

   تعتبر شهادة الشهود من وسائل الإثبات القوية التي يعتمدها القضاء الزجري في إدانة المتهمين، وهي عبارة عن تقرير شفوي يصدر عن شخص بشأن واقعة، أو وقائع تمت معاينتها عن طريق سمعه، أو بصره يدلي بها أمام هيئة الحكم.

ولقد نظمت المواد من 117 إلى 133 من ق.م.ج المغربي إجراءات الاستماع إلى الشهود من طرف قاضي التحقيق، سواء تعلق الأمر بالاستماع إلى الشهود عاديين، أو في ما يخص الاستماع إلى رئيس وأعضاء الحكومة، والهيئات الدبلوماسية.

يمكن لقاضي التحقيق استدعاء أي شخص يرى فائدته لسماع شاهدته قصد الحضور أمامه، وفي حالة امتناع الشاهد عن الحضور بعد الاستدعاء الثاني وتوصله بصفة قانونية، يجوز لقاضي التحقيق، وبملتمس من النيابة العامة إجبار الشاهد على الحضور بواسطة القوة العمومية، مع الحكم بغرامة تتراوح ما بين 1200 و12000 درهم، ويمكن أيضا الحكم بنفس العقوبة على الشاهد الذي يمتنع رغم حضوره عن أداء اليمين، أو الإدلاء بالشهادة بناء على ملتمس من النيابة العامة.

يدلي الشهود بشهادتهم فرادى أمام قاضي التحقيق من غير حضور المتهم وبحضور كاتب الضبط وعند أداء الشاهدة يطلب من الشاهد قراءتها كما نقلت عنه، فإذا أكدها يقوم بتذييل كل صفحة من صفحات محضر الاستماع إليه بتوقيعه، فإذا رفض التوقيع، أو الإبصام نص على ذلك في المحضر.

كما منح المشرع المغربي مجموعة من التدابير الحمائية للشاهد منها:

-إخفاء هوية الشاهد في المحضر.

-وضع رهن إشارته رقم هاتف خاص بالشرطة القضائية في حالة تعرض حياته للخطر، أو سلامة أسرته أو أقاربه.

-إخضاع الهاتف الذي يستخدمه الشاهد لرقابة السلطات المختصة بعد موافقة المعني بالأمر كتابة ضمانات لحمايته. 

وهكذا ظلت الشهادة ولازالت من أهم الأدلة في المواد الجزائية فالشاهد أثناء تأدية دوره في موضوع الدعوى في حالات كثيرة يتشابه فيها مع الخبير، وهذا راجع إلى أن كلاهما تستعين به السلطة القضائية ليقررا أمامها بما عرف. من أمور تؤدي إلى اكتشاف الحقيقة.

3-   إجراءات التنقل.

   إن الانتقال يقتضي تنقل القاضي التحقيق رفقة كاتب الضبط إلى أي مكان لأجراء معاينته المفيدة قصد الوصول إلى الحقيقة، وهو يعتبر من أهم الوسائل المتاحة لقاضي التحقيق لضبط أدالة الجريمة، والكشف عن الحقيقية، ولقاضي التحقيق الحق في الاستعانة بما يراه مؤهلا لذلك.

والمشرع المغربي خص لموضوع التنقل والتفتيش والحجز المواد من 99 إلى 107 من ق.م.ج، كما أجازت المادة 99 من ق.م.ج لقاضي التحقيق، أن ينتقل إلى مكان لإجراء المعاينة، أو التفتيش أو الحجز إلا ما استثناه القانون كمقر البعثات الدبلوماسية.

ومن ثم، فإنه يتعين على قاضي التحقيق، إذا قرار الانتقال لإجراء المعاينة، أو التفتيش أن يقوم بالإجراءات التالية:

-إشعار النيابة العامة بذلك في الوقت المناسب حتى يترك لممثليها الخيار في موافقته.

-أن يستعين في مهمته بكاتب الضبط.

-تصريح محضر بما أنجزه من أعمال يبين فيه الأسباب و الدوافع التي دفعته إلى التنقل، ويحدد تاريخ الخروج باليوم، والشهر والساعة، وأن يدون فيه أقوال الشهود، وأراء الخبراء، أو الأشخاص الذين تمت الاستعانة بهم في عمليات البحث، أو الذين ساهموا في توضيح المعطيات التي تتطلب ذلك.

4- إجراءات التفتيش.

   إن التفتيش وسيلة لإثبات أدلة مادية، ويقصد به بحث مادي ينفذ في مكان ما سواء كان منزلا مسكونا، أو غير مسكون وفي هذا الصدد تنص المادة 101 من ق.م.ج على ما يلى: "يجري التفتيش في جميع الأماكن التي قد يعثر فيها على الأشياء يكون اكتشافها مفيدا لإظهار الحقيقة.

ويجب في هذه الحالة على قاضي التحقيق، تحت طائلة البطلان، أن يتقيد بمقتضيات المواد 59، 60، 62".

وهكذا، فإن لقاضي التحقيق صلاحية تفتيش أي مكان يحتمل أن يعثر فيه على أشياء التي تساعد على إزاحة الغموض حول القضية المعروضة للبحث، ويتعين عليه خلال هذه الإجراء أن يتقيد بالمقتضيات القانونية في الموضوع، لأن المشرع أحاط التفتيش بمجموعة من الضمانات ولعل أبرزها ما يلي:

-التقيد بالأوقات القانونية للشروع في التفتيش المنازل مابين الساعة السادسة صباحا إلي الساعة التاسعة ليلا، إلا إذا تعلق الأمر بجناية، أو جريمة إرهابية يمكن إجراء التفتيش في هذه الحالة خارج الوقت القانوني المحدد شريطة أن يقوم به قاضي التحقيق شخصيا، وبحضور ممثل النيابة العامة، كما نصت على ذلك المادة 102 من ق.م.ج.

-حفظ سرية الوثائق والمستندات التي تم حجزها، وعدم اطلاع الغير عليها.

-إذا كان التفتيش يتم في منزل المتهم، فإنه يتعين استدعاء صاحب المنزل لحضوره، أن تعيين ممثل عنه، وفي حالة تعذر ذلك، فبحضور شاهدين غير خاضعين لسلطة قاضي التحقيق.

-إذا تعلق الأمر بجريمة إرهابية، وكان الأمر يقتضي الاستعجال الشديد، فإنه يمكن لقاضي التحقيق إصدار قرار معلل بإجراء التفتيش بانتداب قاضي آخر، أو ضابط للشرطة القضائية للقيام به خارج الأوقات القانونية.

-إذا كان التفتيش سيجري في منزل غير منزل المتهم، فإن المادة 103 من ق.م.ج أوجبت استدعاء رب المنزل أو من يستغله لحضور هذا التفتيش، أو بحضور شخصين من أقاربه، أو أصهاره في حالة غيابه، إذا تعذر ذلك، فيتم إجراء التفتيش بحضور شاهدين لا تربطهما علاقة التبعية بالسلطة القضائية، أو الشرطة القضائية.

-إذا كان التفتيش سيجري في أماكن تشعلها النساء فيتعين على قاضي التحقيق أن ينتدب امرأة لتفتيش النساء.

-إذا تعلق الأمر بتفتيش أماكن يشغلها أشخاص يلزمهم القانون بحفظ إلى المهني، فيتعين على قاضي التحقيق اتخاذ جميع التدابير، والاحتياطات التي تمكن من حفظ ذلك إلى المهني.

-إذا تعلق الأمر بتفتيش مكتب محام، فيتعين أن يقوم به قاضي التحقيق بنفسه، أو ينتدب لذلك قاضي آخر، وذلك بحضور التحقيق بنفسه، أو ينتدب لذلك قاضي آخر، وذلك بحضور نقيب المحامين بعد إشعاره بأي وسيلة من وسائل الاتصال.

وإذا كانت القاعدة أن جميع إجراءات التحقيق يباشرها قاضي التحقيق، فإنه يجوز له أن ينتدب، وبصفة استثنائية ضابطا للشرطة القضائية لتنفيذ إجراءات معينة ضمن القواعد المنصوص عليها في المواد من 189 إلى 193 من ق.م.ج[72].

     المطلب الثاني: ضمانات المحاكمة.

   إن وجود طبقات مختلفة في المجتمع، يعني حتما وجود مصالح متناقضة ومتضاربة، تؤدي إلى حدوث نزاعات لا متناهية، يرجع أمر الفصل بشأنها إلى القضاء باعتباره المؤسسة المعنية بتحقيق العدالة الاجتماعية، هذا يستدعي لزوما تدخل الدولة من أجل العمل على تطويره وإصلاحه، باستمرار لأنه حق للدولة وواجب عليها في الوقت ذاته.

ويجسد التنظيم القضائي دون أدنى شك البعد الاستراتيجي للنظام القضائي ككل، ويشكل بنيته التحتية، الشيء الذي يجعله يتبوأ مكانة مرموقة بين الموضاعات التي تؤسس مرتكزات لهذه الأخيرة الذي مر بعدة محطات جعلته يتطور شيئا فشيئا قبل أن يتشكل على الصورة التي هو عليها لأن[73].

لهذا سنقوم بتقسيم هذا المطلب إلى فقرتين (الفقرة الأولى) سنخصصها للحديث عن ضمانات أثناء المحاكمة، بينما (الفقرة الثانية) سنتناول الحديث فيها عن ضمانات بعد المحاكمة.

    الفقرة الأولى: ضمانات أثناء المحاكمة.

   يرتكز التنظيم القضائي على مجموعة من المبادئ الأساسية، التي تعتبر الموجه الأساسي لفهم النموذج الذي تتبناه الدولة بخصوص نظامها القضائي. كما أن هذه المبادئ التي ينطوي عليها التنظيم القضائي تحمل في طياتها ضمانات مهمة لحماية حقوق المتقاضين، وحقوق الدفاع.

وتجعل مرفقا القضاء قادرا على مواجهة التحديات الكبرى التي تواجهه كتخليقه وانفتاحه على الأدبيات الولية، والرفع من نجاعة وفعالية عمل الهيئات القضائية.

    أولا: الضمانات المتعلقة بهيئة المحكمة.

1-   مبدأ علنية الجلسات

   يقصد بهذا المبدأ فتح المجال لكل شخص من غير أطرف الدعوى حضور جلسات الحكم، و الاستماع إلى المناقشات، وإلى دفوعات ومستنتجات الأطراف، مع التزام الهدوء و الحفاظ على الأمن داخل الجلسة و الأصل أن تكون جلسات القضايا المدنية و الجنائية علنية سواء كانت هذه القضايا تنظر من طرف المحكمة الابتدائية أو محكمة الاستئناف ولا تعتقد هذه المحاكم جلساتها إلا استثناء، وهو ما أكده المشرع المغربي بمقتضى قانون المسطرة المدنية الذي ينص فيه فصله 43 على ما يلي: "تكون الجلسات علنية إلا إذا قرر القانون خلاف ذلك، واستثناءا تكون الجلسة سرية إما بموجب القانون أو بناء على ما تتمتع به المحكمة من سلطة تقديرية".

وهذا ما كرسه أيضا دستور المملكة لسنة 2011 من خلال الفصل 123 الذي ينص على أن: -تكون الجلسات علنية ماعدا في الحالات التي يقرر فيها القانون خلال ذلك –كما ينص الفصل 123 ذلك من الدستور على أن: تكون الأحكام معللة وتصدر في جلسة علنية، وفق الشروط المنصوص عليها في القانون.

ومن القضايا التي تعقد الجلسات سرية بشأنها نجد قضايا الطلاق و التطليق وقضايا إيقاف التنفيذ المعجل وقضايا فتح مساطر معالجة صعوبة المقاولة وقضايا الأحداث الجانحين، والعلة في ذلك هو حماية مصالح خاصة تقتضي السرية، حيث لا يحضر في هذه الجلسات إلا الأطراف ونوابهم وكاتب الضبط.

2-   مبدأ شفوية المرافعات.

   يرتبط مبدأ شفوية المرافعات بمبدأ علنية الجلسات ارتباطا وثيقا، إذ من خلاله يتمكن أطراف الخصومة من عرض نزاعهم بشكل مباشر على أنظار المحكمة، واستماعها لدفاعها وشهودهم، وهذا يجعل المرافعة وسيلة قوية تسعف المحكمة في تكوين قناعاتها بخصوص النزاع، كما تعزز ضمانات المحاكمة العادلة.

ومبدأ أشفوية المرافعات من المبادئ التي ترتكز عليها المحكمة في المادة الجنائية، حيث أن المحكمة لا تبني مقررها إلا على حجج عرضت أثناء الجلسة، ونوقشت شفهيا وحضوريا أمامها طبقا لنص المادة 287 من قانون المسطرة الجنائية.
أما بالنسبة للمادة المدنية فأصبح الأصل بشأنها هو تطبيق المسطرة الكتابية ولا تطبق المسطرة الشفوية إلا استثناءا في القضايا التالية:

حسب الفصل 45 من ق.م.ج:

-القضايا التي تختص بالنظر فيها المحاكم الابتدائية ابتدائيا وانتهائنا.

-قضايا النفقة و الطلاق و التطليق.

-القضايا الاجتماعية.

- قضايا استيفاء ومراجعة الكرء.

-قضايا الحالة المدنية.

لكل هذا الاستثناء يجب أن لا يؤخذ على إطلاقه، فالقضايا الاجتماعية مثلا لا يطبق بشأن كل القضايا المتعلقة بها المسطرة الشفوية، ةإنما يقتضي الأمر فقط على القضايا المتعلقة بحوادث الشغل والأمراض المهنية، دون غيرها من القضايا التي تسلك بشأنها المسطرة الكتابة كنزاعات الشغل.

نفس الشيء يقال بخصوص قضايا الحالة المدنية، فالمقصود ليس كل هذه القضايا، وإنما التصريح بالولادات و الوفيات  فحسب[74].

    ثانيا: الضمانات المتعلق بالقضاء.

   نظر للأهمية القصوى التي تكتسبها العدالة في مسار بناء دولة الحق والقانون، يفرض أن تكون هذه العدالة متميزة بقربها من المتقاضين،وببساطة مساطرها وسرعتها ونزاهة أحكامها وحداثة هياكلها وكفاءة وتجرد قضاتها، التزامها بسيادة القانون في إحقاق الحقوق ورفع المظالم.

لهذا سنقف عند أهم الحقوق المقررة للمتقاضين كما سنرى المساطر المتبعة ضد القضاة في حالة خرقهم لمبدأ الحياد سواء في المجال المدني أو المجال الجنائي[75].

1-   حق المتقاضي في الولوج إلى العدالة.

   إن ديمقراطية القضاء، تقتضي إتاحة إمكانية الولوج إليه بالنسبة لجميع الأشخاص، طبيعيين كانوا أم معنويين، مواطنين أم أجانب، بحيث لا يخول بينهم وبين عرض نزاعهم عليها أي عائق[76].

 وحق المتقاضين في الولوج إلى العدالة حق مكفول بمقتضى الدستور الذي نص في الفصل 118 منه على ما يلي: "حق التقاضي مضمون لكل شخص للدفاع عن حقوقه ومصالحه التي يحيها القانون". عليه فكل شخص طبيعيا كان أم معنويا مواطنا أو أجنبيا، يمكنه طرق باب القضاء من أجل عرض نزاعه، والمقاضاة بشأنه عن طريق سلوك مسطرة الدعوى وما يرتبط بها من طعون ودفوع إلى حين صدور حكم نهائي بشأنها.

لكن هذا الحق يواجه بإشكال قانوني وبنيوي، يمثل في تعقد المساطر القانونية، وعدم تبسيطها للمواطنين، وانعدام بنية مؤسساتية للاستقبال والتوجيه بالمحاكم المغربية، وهو ما يضعف من ضمانات المحاكمة العادلة[77].

2-   حق المتقاضين في محاكمة عادلة.

   المحاكمة العادلة مفهوم شامل يبدأ من التشريع إلى تسيير  سبل اقتضاء الحق بشكل سلس، وسلامة الإجراءات أثناء سريان الدعوى، والحكم فيها وضمان الطعون[78]، وكذا التنفيذ حينما يصير الحكم نهائيا.

ولا جدال أن تحقيق محاكمة عادلة يتطلب توافر العديد من الضمانات التي تجعل القضاء في خدمة العدالة عامة وفي خدمة المواطن خاصة.

ومن صور ذلك جعل المواطنين سواسية أمام القانون وتمتعيهم بحماية متكافئة دون تفرقة بسبب الجنس، أو اللون، أو المعتقد، أو الوضع الاجتماعي، إضافة إلي إعلام الشخص بالتهم المنسوبة إليه ومحاكمته دون تأخير غير مبرر في أجال معقولة، كما يبقى له الحق في التعويض كلما ثبت أنه عوقب نتيجة خطأ قضائي[79].

وإلى جانب ذلك ترتبط مسألة تحقيق محاكمة عادلة بحق جوهري أقره الدستور المغربي هو حق الدفاع أمام جميع المحاكم[80]، عن طريق محاكم يختاره الشخص بنفسه، وهذا الحق يحتل مرتبة الصدارة من بين باقي الحقوق الأخرى لأنه مقياس دقيق يؤكد أو بنفي صفة العدالة عن المحاكمة.

و حتى تكتمل حلقات المحاكمة بشكل عادل، لابد أن تصدر الأحكام داخل أجال معقولة.

3-   تجريح القضاة.

   التجريح هو طلب أحد المتقاضين إبعاد قاضي أو أكثر من النظر في القضية، إذا تحقق سبب من أسباب التجريح.

وعليه يجب على كل من أراد تجريح قاضي، أن يقوم بذلك قبل أية مناقشة في الجوهر، وإن كان التجريح موجها إلى قاضي المكلف بالتحقيق، فيجب أن يقيم كل استجواب أو استماع  يتعلق بالجوهر، ما لم تكن أسباب التجريح قد طرأت أو لم يعلم بها المطالب بالتجريح إلا لاحق.

أما عن الجهة الموكول إليها الاختصاص للنظر في طلبات التجريح نجدها تختلف باختلاف المطلوب تجريحه، فإذا كان المطلوب تجريحه أحد قضاة المحكمة الابتدائية أو أحد مستشاري محكمة الاستئناف، فإن البت في طلبات تجريحهم يكون أمام غرفة المشورة لدى محكمة الاستئناف.

أما إذا تعلق الأمر بطلبات التجريح الموجهة ضد قضاة محكمة النقض، فإن الاختصاص ينعقد لغرفة المشورة داخل هذه المحكمة.

4-   مخاصمة القضاة.

   المخاصمة هي تقرير مسؤولية القاضي مدنيا عن خطأ - محددا قانونا - ارتكبه أثناء قيامه بمهامه، وترفع دعوى مخاصمة القضاة في حق قاضي سواء كان قاضيا للحكم، أو قاضيا للنيابة العامة، باستثناء قضاة النقض - في إطار المسؤولية المدنية إذا ادعى ارتكاب تدليس أو غش أو غدر أثناء قيامه بمهامه، أو إذا قضى نص تشريعي صراحة بجواز ذلك، أو إذا قضى بمسؤولية القضاة المستحق عنها تعويض، أو عند وجود إنكار للعدالة، بمقتضى مقال يرفع إلى محكمة النقض، موقع من طرف المعني بالأمر أو وكيله.

في حالة قبول طلب المخاصمة يبلغ إلى المعني بالأمر بتقديم وسائل دفاعه في أجل ثمانية أيام من تاريخ التبليغ، كما يتخلى عن النظر في القضية موضوع المخاصمة.

وعليه فأخطاء التأويل أو التعريف أو التطبيق غير السليم للقانون، التي يمكن أن يرتكبها قضاة الحكم لا تعرضهم للمسؤولية، وهذا ما أكده قرار صادر للمجلس الأعلى – سابق – بغرفتين على اعتبار أن من تضرر من ذلك يمكنه ممارسة حقه في الطعن[81].

    الفقرة الثانية: ضمانات بعد المحاكمة.

   لا تنتهي المحكمة بصدور حكم قضائي في الموضوع، ذلك أن كلا من المتهم، النيابة العامة، المطالب بالحق المدني لهم الحق في الطعن في الحكم متى تبين أنه جانب الصواب كلا أجزاء[82].

وطرق الطعن في المادة الجنائية إما عادية أو غير عادية،فالأولى تمثل التعرض[83] والاستئناف[84]، أما الثانية فتشمل النقض[85] وإعادة النظر[86] والمراجعة[87].

و المحاكمة العادلة لا تنتهي بممارسة حق الطعن المخول قانونا لمن له مصلحة في ذلك، بل تمتد إلى إجراءات تنفيذ هذه الأحكام بالشكل الذي يحقق الزجر و الإصلاح معا، لذلك فمن شروط المحاكمة العادلة أن تكون العقوبة منسجمة مع درجة إجرام المجرم، آخذة بعين الاعتبار الظروف الاجتماعية وعدم سوابقه القضائية من أجل التمتع بظروف التحقيق أو تمتعه بعذر معفيا أو مخفف من العقاب متى كان له الحق فيه.

وقد أوكل المشرع للنيابة العامة السهر على تنفيذ العقوبات الجنائية وأعطاها الحق إلى جانب قاضي تنفيذ العقوبة، قاضي التحقيق، رئيس الغرفة الجنحية بزيارة المؤسسات السجنية لمراقبة ظروف الاعتقال وظروف تنفيذ العقوبات السالبة للحرية، كل ذلك من أجل صيانة الكرامة التي تبقى الفلسفة التي من أجلها شرعت حقوق الإنسان والتي تعتبر المحاكمة العادلة أبرز مظاهرها على الإطلاق[88].   

    الفقرة الثالثة: المحاكمة العادلة من خلال القضاء المغربي.

   يعتبر القضاء مرفقا عموميا تقليديا إلى جانب الأمن والدفاع، وهو مظهر من مظاهر السيادة في الدولة، بحيث لا يمكن تفويته لجهة أخرى كأصل عام[89].

   والقضاء كما عبر عن ذلك الفقيه الفرنسي "دوغي  DUGUI " جهاز ونشاط، جهاز بأطره وآلياته، ونشاط من خلال الحماية القضائية التي يوفها للمتقاضين.

   ولا يمكن الحديث عن محاكمة عادلة دون وجود قضاء مستقل ونزيه ومحايد، سريع وغير متسرع، يعمل في ظل الاحترام التام لبعض المبادئ الأساسية في التنظيم القضائي كمبدأ المساواة أمام القضاء، ومبدأ التقاضي على درجتين... وهي كلها سمات من شأنها أن توفر للمتقاضين ضمانات محاكمة عادلة وهو ما أكدته الاتفاقيات الدولية سواء العالمية أو الإقليمية[90].

    أولا: مبدأ استقلال السلطة القضائية.

   إن الحديث عن مبدأ استقلال السلطة القضائية يكتسي صيغة عالمية، حيث تم التأكيد عليه من خلال الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1978 في مادته العاشرة التي نصت على ما يلي: "لكل إنسان الحق على قدم المساواة التامة مع الآخرين، في أن تنظر قضيته أمام محكمة مستقلة نزيهة نظرا عادلا علينا للفصل في حقوقه والتزاماته وأية تهمة جنائية توجه إليه".

وعلى هذا الأساس نجد أغلب الدول قد كرست هذا المبدأ وأحاطته بما يستحقه من العناية والاهتمام، ونصت عليه كمبدأ راسخ في صلب دساتيرها.

وبالرجوع إلى  الدساتير المغربية السابقة نجد أن القضاء قد صنع مجردا من أي نعت، وهو نقص حاصل تداركه المشرع المغربي بمقتضى دستور المملكة لسنة 2011، حيث نص في الفصل 107 منه على أن: "السلطة القضائية مستقلة عن السلطة التشريعية، وعن السلطة التنفيذية"[91].

 واستنادا إلى ذلك، يجب أن تستقل سلطة القضاء عن السلطتين التنفيذية والتشريعية، وحتى يتمكن القاصي من إصدار مقرراته بشكل مستقل دون أن يخضع في ذلك لتوجيهات رئيس المحكمة التي يشتغل بها، أو من وزارة العدل والحريات التي ينتهي إليها، وهو ما لن يتحقق إلا إذا تم اختيار قضاة يتمتعون إلى جانب العلم و الأخلاق، بشخصية قوية تمكنهم من رفض أي تدخل في عملهم.

فالمشرع  إذا أصبح قاضيا، سيكون من شأن ذلك الإضرار بالمتقاضين، كما أن القضاء ملزم بعدم التدخل في اختصاص التشريع، حيث أن مقرراته تتعلق بذات القضية ولا تتميز بالعموم والتجريد كما هو الشأن بالنسبة للقاعدة القانونية.

وقد يقال أن القضاء يتدخل في شؤون السلطة التشريعية عندما تشكل أحكامه اجتهادا قضائيا تتواتر عليه مختلف المحاكم في مقرراتها مما يشكل خرقا لمبدأ الفصل بين السلط غير أن هذا القول ليس صحيحا لأن المحاكم لا تلتزم باحترام الاجتهاد القضائي[92].

وبالمقابل يمنع عن السلطة القضائية التدخل قي أعمال السلطة التنفيذية، أو عرقلة عمل الإدارة العمومية. وهذا حسب الفقرة الثانية من الفصل 25 من قانون المسطرة المدنية الذي ينص على ما يلي: "لا يجوز للجهات القضائية أن تبث في دستورية القوانين".

بمعنى أن العلاقة التي تجمع  السلط الثلاث تنبني على تكامل الأدوار وليس على تداخلها. ومن مظاهر تدعيم هذه الاستقلالية كذلك، الموافقة على تعيين القضاة بظهير شريف من قبل المجلس الأعلى للسلطة القضائية.

وإذا ما قرنا هذا المقتضى بما ورد في الفصل 84 من دستور المملكة لسنة 1996 نجد أن تعيين القضاة انتقل من يد الملك الذي يعتبر بمقتضى الدستور ضامنا لاستقلا القضاء، إلى يد المجلس الأعلى للسلطة القضائية، الذي أصبح بمقتضى الدستور الجديد مؤسسة دستورية تشرف وتسهر على تدبير شؤون القضاة من تعيينات والبت في طلبات الترقية، والانتقال واتخاذ قرارات التأديب.

ومن المظاهر الأخرى لتدعم هذه الاستقلالية كذلك، وهو منح قضاة الحكم حصانة ضد العزل والنقل إلا بمقتضى القانون كما أن القاضي لا يتلقى بشأن مهمته القضائية أي أوامر أو تعليمات. ولا يخضع لأي ضغط. وكلما اعتبر أن استقلاله مهدد يمكنه إحالة الأمر غلى المجلس الأعلى للسلطة القضائية.

وبالمقابل لا يسمح للقضاة بسن قواعد قانونية جديدة[93].

    ثانيا: المساواة أمام القضاء كإحدى ضمانات المحاكمة العادلة.

تعتبر المساواة أمام القضاء من المبادئ الأساسية للتنظيم القضائي المغربي، وهو إحدى ضمانات المحاكمة العادلة ويقتضي تطبيق هذا المبدأ عدم التمييز بين المتقاضين بسبب اللون أو العرق أو الجنس أو الوضع الاجتماعي أو الدين... وبتسهيل وصول الأفراد إلى المحاكم.

والمساواة أمام القضاء هو مبدأ عالمي تضمنته المواثيق الدولية سواء ذات طبيعة العالمية أو الإقليمية والمثال على ذلك ما جاء في المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية: "الناس جميعا سواسية أمام القضاء"[94].

وفي إطار تسهيل وصول الأفراد فرادى أو جماعات، ذكورا أو إناثا، أغنياء أو فقراء ثم خلق مبدأ آخر يعتبر مكملا ومدعما لمبدأ المساواة هو مبدأ المجانية.

ويقصد بهذا المبدأ أن الدولة هي التي تكفل حماية الحقوق مجانا  من خلال مرفق القضاء تماما كما تكفل حق الأمن والدفاع باعتبارهما مرافق عمومية تقليدية ومظهرا من مظاهر السيادة في الدولة لا يمكن تصور كفالتهما من طرف الخواص من حيث المبدأ.

ويرى بعض الفقه[95] عن حق أن الرسم القضائية المؤداة تبقى رمزية ليس إلا ولا ترقى إلى قيمة الخدمة التي يوفرها للمتقاطعين، علما أنه ثم خلق نظام المساعدة القضائية والذي تنفيذ منه الطبقات المعوزة غير القادرة على أداء تلك الرسوم أو تكون هذه الأخيرة معفاة منها بقوة القانون كما هو الحال في قضايا النفقة والقضايا الاجتماعية.

    ثالثا: التقاضي على درجتين كإحدى ضمانات المحاكمة العادلة.

   من المبادئ الأساسية التي يقوم عليها التنظيم القضائي المغربي أضده، بمبدأ التقاضي على درجتين، ويتم ذلك عن طريق الطعن في الحكم الصادر عن المحكمة الابتدائية أمام محكمة أعلى درجة منها عادة ما تكون محكمة الاستئناف، وذلك ضمن الشروط والآجال المقررة قانونا.

   من المستجدات التي جاء بها قانون المسطرة الجنائية الجديد خلق غرفة جنايات استئنافية على مستوى محكمة الاستئناف، وذلك من أجل استئناف الأحكام الصادرة عن غرفة الجنايات والتي كانت في ظل القانون القديم لا يمكن الطعن فيها إلا بالنقض وإعادة النظر.

   واعتبر جانب من الفقه عن حق أن ذلك كان يمس بضمانات المحاكمة العادلة إذ كيف يعقل أن يستفيد المتابع من أجل جنحة سواء ضبطية أو تأديبية من الحق في الاستئناف دون المتابع من أجل جناية[96]؟

    رابعا: التقليص من القضاء الاستثنائي كضمانة في المحاكمة العادلة.

   من المألوف أن تنشأ في حالات خاصة محاكم عسكرية ومحاكم أخرى ذات ولاية خاصة مثل محاكم أمن الدولة.

   وغالبا ما يؤدي هذا الأمر إلى المس بمبدأ المحاكمة العادلة سواء على مستوى الإجراءات المسطرية الاستثنائية أو على مستوى الطعن في الأحكام الصادرة عن هذه المحاكم.

   ويبقى الهدف من إنشاء مثل هذه المحاكم هو إفساح المجال أمام الإجراءات الخاصة لتطبق دون تقييد بالمعايير العادية للعدل.

   ومعلوم أن المغرب تخلص مؤخرا من محكمة العدل الخاصة والتي كانت تعتبر بحق نشارا في التنظيم القضائي المغربي، بحيث أصبحت جرائم الرشوة، الغدر، استغلال النفوذ... من اختصاص المحاكم العادية إما ابتدائية أو استئنافية حسب الاختصاص ألقيمي[97].  

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الخاتمة

   لعل ما يميز موضوع المحاكمة العادلة هو اتسامه بنوع من الراهنية الممتدة في الزمن المستقبل، ولا غربة في ذاك فجل مواضيع حقوق الإنسان تحصى بأهمية بالغة. وذلك لارتباطها الأصل بالإنسان في علاقته بالسلطة العامة في الدولة.

   فنظرية العقد الاجتماعي التي نادى بها جون جاك روسو والتي يتنازل بمقتضاها الأفراد عن جزء من حرياتهم في سبيل الاستفادة من الحماية التي توفرها الدولة لا تعطي لهذه الأخيرة أي حق في الاستبداد والاضطهاد.

   فالسلطة العامة في الدولة سواء كانت تنفيذية أو تشريعية أو قضائية ملزمة بالاحتكام للقانون وللشرعية في سلوكها اتجاه الأفراد والجماعات وإلا اعتبرت مستبدة وظالمة وأمكن مقاضاتها أو على الأقل مطالبتها بجبر الضرر كما حصل مؤخرا بالنسبة للمغرب من خلال المصالحة مع الذات وطي صفحة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي عرفها المغرب خلال العقد السابع من القرن الماضي.

   والحقيقة أن المغرب قطع أشواطا هامة في مجال حقوق الإنسان ويظهر ذلك جليا من خلال عمل لجنة الإنصاف المصالحة، ومن خلال إشاعة ثقافة حقوق الإنسان ودمجها في المقررات الدراسية...

   لكن يبقي الورش الأكبر في هذه العليمة الإصلاحية هو الذي يجب أن يركز على العنصر البشري باعتباره الحريص على احترام حقوق الإنسان عموما بما في ذلك توفير محاكمة عادلة، سواء كان هذا العنصر ضابطا للشرطة القضائية، أو قاضيا للنيابة العامة أو قاضيا للتحقيق أو قاضيا للحكم بل حتى مسؤولا عن الاعتقال بالمؤسسة السجنية.

   فالمحاكمة العادلة ليست ضمانة فحسب في مجتمع ديمقراطي يؤمن بقيم العدل والمساواة والحق وإنما هي أمانة سنسأل عنها أمام الله يوم القيامة.

   فالسلطة لا ينبغي أن ينظر إليها على أنها امتياز، وإنما مسؤولية يجب الحرص على القيام بها بضمير مهني احترافي، وبوازع أخلاقي وديني، وبكل ما تقتضيه روح المواطنة الصادقة.

   ولذلك فالقوانين على اختلافها ومهما نهلت من الحداثة تبقى عاجزة عن تحقيق أهدافها المتمثلة أساسا في تنظيم العلاقة بين الحاكمين والمحكومين أو بين المحكومين فيما بينهم طالما لم يصاحب هذا التحديث تحديثا في الفكر البشري، ولعل هذا ما بدأت تهتم به الجامعات والمعاهد العليا – من قبيل المعهد العالي للقضاء، المعهد الملكي للشرطة – التي أصبحت ترتكز في تكوينها على كل ما له علاقة بحقوق الإنسان مع التأكيد على المسؤولية الشخصية عند خرق أي مقتضى منها.

   فلم يعد يسمح بالقول إن انتهاك حق من حقوق الإنسان كان تنفيذا لأمر أو تعليمات السلطة الرئاسية أو الجهل بالقانون طالما أن حقوق الإنسان من السهل الاستدلال عليها ولو بالفطرة، لأنها حقوق طبيعية ولصيقة بالإنسان باعتباره إنسانا.

   لقد حاولنا من خلال هذا الموضوع التأكد على دور الاتفاقيات الدولية – الخاصة بحقوق الإنسان عموما والتشريع الجنائي على وجه الخصوص – في حل بعض الإشكالات التي يعاني منها تشريعنا الوطني عموما والتشريع الجنائي على وجه الخصوص والمتمثلة أساسا في إشكالية التحيين، عدم الملائمة وسد الثغرات.

   كما أكدنا على أن ترجيح الاتفاقيات الدولية المصادق عليها من قبل المغرب على القانون الداخلي يؤدي في نهاية المطاف إلى تبني أحكام هذه الاتفاقية ودمجها في صلب التشريع الوطني تماما كما حدث بشأن منع التعذيب ومنع الإكراه البدني بالنسبة للديون التعاقدية...

   كل ذلك من أجل عولمة الفكر القانوني كنتيجة حتمية للعولمة الاقتصادية التي يعرفها العالم الحديث.

   ورغم كل هذا لازالت المنظمات الحقوقية الدولية عبر العالم تسجل انتهاكات واضحة لحقوق الإنسان عموما والحق في محاكمة عادلة على وجه الخصوص، هذه الأخيرة تبقي هدفا وغاية سامية تسعى المنظمات الحقوقية جاهدة إشاعتها والدفاع عنها واعتمادها كمؤشر أصيل للدلالة على مدى احترام الدولة لحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا، وقديما قبل العدل أساس الملك


[1] - الواقع أن مقتضيات حقوق الإنسان باعتبارها ضميرا ذات روافد conscience universeell. تمتد جدورها الفلسفية و القيمية إلي ما قبل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وإن كانت صيغتها المعاصرة نتاج سياق اجتماعي سياسي محدد راجع أحمد التهامي في مقال بعنوان (الحقوق المدنية في اجتهاد الغرفة الجنائية) منشور باشتغال ندوة المجلس العلى التحولات الاقتصادية و الاجتماعية 12-18 دجنبر 1997 مكتبة الأمنية الرباط 1999 م(ص:334).  

[2] -محمد جلال السعيد "المحاكمة العادلة في قانون المسطرة الجنائية لسنة 2002)" الجزء الخامس يناير 2012 سلسلة إصلاح القانون و التنمية السوسيو اقتصادية (ص:7و8و9).

[3]-محمد الطيبي: طالب باحث ماستر علوم قانونية أكدال "التأصيل الدستوري للمحاكمة العادلة.

[4] -عبد الغني نافع "أستاذ و مستشار بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء" "المسطرة الجنائية المغربية في شروح" الطبعة الأولى 2001، الناشر: الأحمدية للنشر الدار البيضاء عدد صفحات الكتاب 188.

[5] -نور الدين قربال "المحاكمة العادلة ومنطق الدستوري" جريدة هسبريس 20 يونيو-2012 16:58 .

[6] -محمد عبد النباوي (ضمانات المحاكمة العادلة خلال مرحلة جمع الاستدلالات) سلسلة إصلاح القانون والتنمية السوسيو اقتصادية تأملات حول المحاكمة العدالة للأستاذ محمد جلال السعيد (ص:13-25).

[7] -القرار عدد 1278 الصادر بتاريخ 22 دجنبر 2011، في الملف الجنائي عدد 13254-6-9-2011.

[8] -البشير أزميزم "أستاذ باحث بكلية الحقوق بتطوان، محاضرات المتعلقة بالمسطرة الجنائية للموسم الدراسي 2017-2018.

[9] -هذا المبدأ كرسه تصديره الدستور الجديد في فقرته الثالثة: "وإدراكا منها لضرورة تقوية الدور الذي تصطلح به على الصعيد الدولي، فإن المملكة المغربية، العضو العامل النشيط في المنظمات الدولية، تتعهد بالتزام ما تقتضيه مواثيقها من مبادئ وحقوق وواجبات، وتؤكد تشبتها بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا".

[10] -قانون المسطرة الجنائية صيغة محنية بتاريخ 12 مارس 2018.

[11] - سورة الحجرات الآية 6.

[12] -سورة الحجرات الآية 8.

[13] - خالد خالص:"حقوق الدفاع وفق التصور الدستوري الجديد" دراسات وأبحاث قانونية 25/05/2012.

[14] -عبد الحفيظ بلقاضي: "مدخل إلى الأسس العامة للقانون الجنائي" الجزء الأول، طبعة الأولى 2003 مطبعة دار الكرامة (ص:105).

[15] -عبد الواحد العلمي شرح القانون الجنائي المغربي القسم العام طبعة 2002 (ص:75).

[16] -عبد الحفيظ بلقاضي، المرجع السابق، (ص:105).

[17] -عبد الواحد العلمي، المرجع السابق، (ص:76).

[18] -لطيفة مهداتي: حدود سلطة القاضي التقديرية في تنفيذ  الجزاء، الطبعة الأولى 2007 مطبعة طوب باريس (ص:119).

[19] -عبد الحفيظ بلقاضي: المرجع السابق، (ص:106).

[20] - ذ: جعفر العلوي،"قانون الجنائي العام المغربي" طبعة 2004،(ص:66و67).

[21] - فلا يجوز مثلا تشديد عقوبة الأخ الذي ينتهك عرض أخيه بالعقوبة المشددة المقررة في الفصل 487 من ق.م.ج للوصي الذي يتعدي على الموصى عليه. فمهما كانت حالة الوصي فإنه يحرم معاقبته بعقوبة الوصي، لأن في ذلك زيادة في العقاب بدون نص قانوني.

[22] -يعتقد منتسب هذا الفكر البهائي أنه أحد الأديان السماوية ويشترك معها في الدعوة إلى التوحيد ويعتبرونه دنيا مستقلا له كتبة المقدسة وعبادته وأحكامه و يعتقدون أن هيرزا حسن النوري بهاء الله هو الموصى إليه بهذا الذين.

[23] - ذ: محمود نجيب حسني، شرح قانون العقوبات القسم العام،(ص:73).

[24]- لطيفة مهداتي "الشرعية في تنفيذ العقوبات السالبة للحرية" أطروحة لنيل شهادة الدكتورة في القانون الخاص الطبعة الأولى دجنبر 2005 مطبعة الشركة الشرقية الرباط (ص: 115و116).

[25] - إدريس الكريني "السلطة التقديرية للقاضي الزجري" أطروحة لنيل شهادة الدكتورة في القانون الخاص الطبعة الأولى 2009 مطبعة جامعة محمد بن عبد لله.

[26] -نجيب الطالبي،(الاقتناع الصميم للقاضي الزجري) رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الجنائي والعلوم الجنائية جامعة محمد الأول وحدة (ص:19و18و19).

[27] - محمد عياط (تأملات حول المحاكمة العادلة)، مقال منشور بمجلة الإشعاع العدد الخامس عشر سنة 1997(ص:41).

[28] - محمد لفرنجي، "قراءة في المستجدات الجنائية بالدستور المغربي الجديد"، مقال بمجلة أنفاس حقوق (ص: 161).

[29] - عز الدين "أكومي القضاء سلطة أم وظيفة؟ " مجلة المحاماة العدد 38 السنة الأولى دجنبر 1995 (من ص 13 إلى ص 25). 

[30] - عبد العزيز النويضي "مقال في إطار مداخلته المتعلقة بالجوار الوطني لإصلاح العدالة.

[31] - مولاي هاشم العلوي "استقلال القضاء وتحقيق العدالة" مجلة الإشعاع العدد 2 السنة الأولى دجنبر 1989م من (ص: 7إلى 16).

[32] - إدريس العلوي العبدلاوي"الوسيط في شرح المسطرة المدنية والقانون القضائي الخاص" وفق آخر التعديلات الجزاء الأول مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء (ص:295).

[33] - محمد الطيبي: طالب باحث ماستر علوم قانونية أكدال "التأصيل الدستوري للمحاكمة العادلة.

[34] -د: البشير أزميزم، أستاذ باحث بكلية الحقوق بتطوان، "الشرح العلمي لقانون المسطرة الجنائية وفق آخر التعديلات"، مطبعة مرتيل شمم، الطبعة الأولى 2018، (ص:1و2و3).

[35] - إن الدستور المغربي الجديد لسنة 2011 الذي هو أسمى قانون للتعبير عن إرادة الأمة والجميع ملزم بتطبيقه والامتثال له.

[36] - زكرياء شندالي: باحث ماستر التقنيات البديلة كل المنزعات-كلية الحقوق المحمدية،"واقع ضمانات المحاكمة العادلة في قانون المسطرة الجنائية، وتصوراتها في مسودة مشروع قانون المسطرة الجنائية.

[37] -أحمد الخملييشي:"شرح المسطرة الجنائية". مكتبة المعارف، الجزء الأول 1982،(ص:103).

[38] -احمد الخمليشي: المرجع السابق،(ص:105).

[39] -يونس العياشي، المحاكمة العادلة بين النظري والتطبيق، المرجع السابق (ص:55).

[40] -المقصود هنا البحث التمهيدي.

[41] - فريد السموني، المعين في المادة الجنائية لولوج المهن القضائية والأمنية، الجزء الثاني، السنة الجامعية 2015/2014،(ص:69).

[42] - فريد السموني: نفس المرجع،(ص:70).

[43] - فريد السموني، نفس المرجع.

[44] - ضابط الشرطة القضائية عادة هو أول من يعلم بالجريمة، وبالرغم من أنه يخبر النيابة العامة بوقوعها فإن ضغوط الحياة القاسية برهنة على أن الضابط هو الذي يقوم دائما بالتحريات اللازمة في البحث.

[45] - يونس العياشي، نفس المرجع السابق، (ص:55).

[46] -بوشعيب فهمي، دور الشرطة القضائية في تكريس أصول المحاكمة العادلة لبحث التمهيدي نموذجا، مجلة العلوم، القانونية 17 ديسمبر 2014.

[47] - مثل الجهات المختصة بحماية أمن الدولة أو مكافحة الإرهاب.

[48] -فرح القاسمي، حالة التلبس وحماية الحريات الفردية للمشتبه فيه رسالة نيل الماستر في القانون الخاص، جامعة القاضي عياضي، 2009/2010 (ص: 55و 56).

[49] - أحمد تسودال، نظرية البطلان في قانون المسطرة الجنائية المغربي، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العلية، المعمقة غي القانون الخاص، جامعة عبد المالك السعدي، طنجة 2006/2007.

[50] - إدريس الحياني، عمر أنجوم، محاضرات في قانون المسطرة الجنائية المغربي، المطبعة الثانية، 2010، (ص:107).

[51] - شقيق الهرسي، رشيد البوني، النظام القانوني لتفتيش المنازل إشكلاته، عرض تحت إشراف الدكتور محمد أحداف من شر قانون المنازعات، 2009/2010،(ص:8).

[52] - الإنابة القضائية هي إجراء مسطرة يباشر بمقتضاه ضابط الشرطة القضائية القيام بتنفيذ أمر قضائي موجه إليه من قبل السلطة القضائية، بشأن تنفيذ أحد الإجراءات المترتبة عن إجراء التحقيق أو المحاكمة أو تنفيذ مقرر معين لم يتأت للسلطة القيام به لضيق الوقت أو لبعد المسافة...

[53] - يونس العياشي، المرجع السابق، (ص:59).

[54] - لم يعمل المشرع المغربي على تعريف  الحراسة النظرية تاركا ذلك للفقه والقضاء.

[55] -أحمد الخمليشي، شرح قانون المسطرة الجنائية، المرجع السابق،(ص:306).

[56] -المادة 66 من القانون المسطرة الجنائية.

[57]- المادة 70 من قانون المسطرة الجنائية.

[58] -بمعنى باللغة التي يفهمها مع الاستعانة بمترجم أو كل شخص يستطيع تبلغيه فحوى ذلك ويجب تعيين هوية المترجم في المحضر وأي شخص استعانة به ضابط الشرطة القضائية لتنفيذ هذه المهمة.

[59] - بوشعيب فهمي، دور الشرطة القضائية في تكريس أصول المحاكمة العادلة، المرجع السابق.

[60] - أ- يونس العياشي، نفس المرجع السابق، (ص:62).

-ب- هذه الوسيلة غالبا من تكون هاتف المصلحة.

[61] -خطاب كريمة، أطروحة لنيل شهادة الدكتورة علوم- فرع قانون، جامعة الجزائر كلية الحقوق، سنة 2014/2015، (ص: 121و122).

[62] -نفس المضمون في 24 من دستور المملكة لسنة2011.

[63] - بوشعيب فهمي، نفس المرجع السابق.

[64] - بوشعيب فهمي، نفس المرجع السابق.

[65] - يونس العياشي، نفس المرجع السابق،(ص:60و61).

[66] - يؤطر هذه المساعدة المرسوم الملكي رقم 514.65 بتاريخ فاتح نونبر 1966، بمثابة قانون، يتعلق بالمساعدة القضائية.

[67] - المادة 66 من قانون المسطرة الجنائية.

[68] -بوشعيب فهمي، نفس المرجع السابق.

[69] - د: البشير أزميزم،"الشرح العملي لقانون المسطرة الجنائية" المرجع السابق (ص: 148و149و150).

[70] - د، أحمد أبو العلاء،"دليل الباحث في قانون المسطرة الجنائية المغربي من خلال الأسئلة والأجوبة"، مطبعة الهداية، الطبعة الثانية 2016،(ص: 79)

[71] -د: البشير ازميزم،"الشرح العلمي لقانون المسطرة الجنائية" المرجع السابق (ص: من 173 إلى 178).

[72] -د: البشير أزميزم،" الشرح العملي لقانون المسطرة الجنائية" المرجع السابق، (ص: من 173إلى 178).

[73] -د ة: زهيرة فونتير، أستاذة باحثة بالكلية المتعددة التخصصات تطوان "محاضرات في التنظيم القضائي المغربي"، طبعة الأولى: 2017،(ص:1).

[74] - دة: زهيرة فونتير، محاضرات في التنظيم القضائي المغربي، المرجع السابق،(ص:من 13 إلى 16).

[75] -دة: زهيرة فونتير، المرجع السابق (ص: 20).

[76] - نورة غزلان الشنيوي، التوجهات الأساسية للإصلاح الشامل،  والعميق لمنظومة العدالة التنظيم القضائي للمملكة في ضوء مستجدات سنة 2016، الطبعة الأولى، السنة 2016 (ص:43).

[77] - دة، زهيرة فونتير، المرجع السابق،(ص:19و 20).

[78] - الطعون إما عادية وهي: التعرض والاستئناف، وإما استثنائية وهي: تعرض الغير الخارج عن الخصومة وإعادة النظر ثم النقض.

[79] - دة، زهيرة فونتير، المرجع السابق،(ص:20).

[80] - ينص الدستور المغربي في الفصل 120 منه على ما يلي:"لكل شخص حق في محاكمة عادلة، وفي حكم يصدر داخل أجل معقول، حقوق الدفاع مضمونة أمام جميع المحاكم".

[81] - دة، زهيرة فونتير، المرجع السابق، (ص:21و22).

[82] --يونس  العياشي، "المحاكمة العادلة بين النظرية والتطبيق على ضوء المواثيق والمعاهدات الدولية والعمل القضائي"، المرجع السابق،(ص:72).

[83] - نظم أحكام التعرض المواد 393 و394 و395 من قانون مسطرة الجنائية وهو قاصر على الأحكام الغيابية

[84] - الاستئناف في المادة الجنائية نظمت أحكامه المواد 396 وما يليها من ق.م.ج.

[85] -النقض في المادة الجنائية نظمت أحكامه المواد 520 وما يليها من ق.م.ج.

[86] - إعادة النظر في المادة الجنائية نظمت أحكامها بمقتض المواد 563 و564 من ق.م.ج.

[87] -المراجعة في المادة الجنائية نظمت أحكامها بمقتضى المواد 565 و 574 من ق.م.ج.

[88] -يونس العياسي، "المحاكمة العادلة بين النظرية والتطبيق على ضوء المواثيق والمعاهدات الدولية والعمل القضائي"، المرجع السابق، (ص:72).

[89] -أصبحت تظهر للوجود بدائل حل المنازعات خارج إطار المؤسسة القضائية عن طريق التحكيم والمصالحة والوساطة إلا أن هذا قاصر على القضايا ذات طبيعة غير الجنائية كالقضايا التجارية والمدنية والاجتماعية.

[90] -يونس العياشي، "المحاكمة العادلة بين النظرية والتطبيق على ضوء المواثيق والمعاهدات الدولية والعمل القضائي" المرجع السابق (ص:74).

[91] - ذة:زهيرة فونتير، المرجع السابق (ص:8و9).

[92] - ذ: محمد بنحساين، أستاذ بكلية المتعددة التخصصات بتطوان، "التنظيم القضائي المغربي، وفق آخر التعديلات القانونية، مطبعة طوب بريسا، طبعة 2015، (ص:33).

[93] - ذة: زهيرة فونتير، المرجع السابق.

[94] -وتنص الفقرة الأولى من المادة 2 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية: "تتعهد كل دولة طرف في هذا العهد باحترام الحقوق المعترف بها فيه وبكفالة هذه الحقوق لجميع الأفراد الموجودين في إقليمها والداخلين في ولايتها دون إي تمييز بسبب العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو غير السياسي أو الأصل القومي أو الاجتماعي أو الثورة أو النسب أو غير ذلك من الأسباب".

وأكدت على مبدأ المساواة في الحقوق بصفة عامة وأمام القضاء على وجه الخصوص المادتان 2 و3 من الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب والمواد 1 و24 من الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان والمادة 14 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان والمادتان 2 و3 من اتفاقية عام 1979 بشأن القضاء على جميع أشكال التميز ضد المرأة.

[95] -عبد الله حداد، المرافق العمومية الكبرى، محاضرات ألقيت على طلبة السنة الثالثة قانون خاص السنة الجامعية 1993-1994، كلية أكدال.

[96] -يونس العياشي، "المحاكمة العادلة بين النظرية والتطبيق على ضوء المواثيق والمعاهدات الدولية والعمل القضائي"،المرجع السابق،(ص:85و86).

[97] - يونس العياشي،"المحاكمة العادلة بين النظرية والتطبيق على ضوء المواثيق والمعاهدات الدولية والعمل القضائي"، المرجع السابق،(ص:86).

التعليقات



إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

باحث في المجال القانوني حاصل على الماستر المتخصص في المهن القانونية والقضائية بكلية

جميع الحقوق محفوظة

مدونة المهن القانونية والقضائية ..

2016