المطلب الثاني: القضاء بين الوحدة والتخصص
يقوم التنظيم القضائي المغربي بالإضافة إلى
مبدأ إستقلالية السلطة القضائية، على مبدأ الوحدة أو المساواة (الفقرة الأولى) وكذلك على مبدأ تخصص القضاء الفقرة الثانية) .
الفقرة الأولى: مبدأ وحدة القضاء
لوحدة القضاء عدة معان. فهو أولا يفيد أن هناك جهة قضائية واحدة في كافة تراب أو
إقليم الدولة، و الجهة القضائية كما هو معلوم هي وجود محاكم منسجمة و شاملة تنظر كافة القضايا التي
تعرض على القضاء .
أما معنى الثاني لوحدة القضاء فيراد به
مساواة كافة المواطنين و المتقاضين ولو كانو أجانب أمام القضاء، فلا يعتد بلغتهم،
و لا بجنسيتهم، ولا بغير ذلك مما قد يميز شخصا عن أخر، وهذا طبيعي أن يساهم في
إستقرار المؤسسات قضائية بالدولة، وبث الثقة فيها بين كافة من يقصد القضاء بهدف
إنصافه وتمكينه من حقه.[1]ولقد
كانت المساواة أمام القضاء و ما زالت غاية سامية وهدف تسعى إليه الشعوب الحرة،
لتحقيق العدالة بين أفرد المجتمع،[2]
فإذا حدث خرق لمبدأ المساواة أمام القضاء في مجتمع من المجتمعات بأية
وسيلة من الوسائل فلن يكون للعدالة وجود في ذلك المجتمع.[3]
وفي عهد قريب كان المغرب يفتقر لمبدأ
المساواة ووحدة القضاء حيث أنشأت السلطات الإستعمارية أكثر من جهة قضائية.
و قد كرس الدستور الحالي للمملكة هذا المبدأ
وذلك حسب الفصل 6 منه حيث ينص في فقرته الأولى على أن:"القانون هو أسمى تعبير
عن إرادة الأمة، و الجميع أشخاص داتيين وإعتباريين، بما فيهم السلطات العموممية
متساوون امامه و ملزمون بالإمتثال له"
كما كرسه مشروع القانون المتعلق بالتنظيم
القضائي38.15 حيث نصت المادة 4 منه على إرتكاز التنظيم القضائي على مبدأ وحدة
القضاء قمته محكمة النقض.
وهذا يدعونا إلى القول بضرورة تعديل بعض
النصوص القانونية لتكون منسجمة مع هذا المبدأ، ومن ذلك المواد من 264 إلى 268 من
قانون المسطرة الجنائية الخاصة بالإمتياز القضائي[4]
والتي بمقتضاها يتم تفضيل بعض الأشخاص أثناء مسطرة المحاكمة.[5]
ويحتل هذا المبدأ مكانا بارزا في جميع
إعلانات حقوق الإنسان الشهيرة التي صدرت مند القرن الثامن عشر حتى الأن، حيث تم
التنصيص عليه في إعلان فرجينيا للحقوق الصادر في الولايات المتحدة الامريكية سنة
1776، و في إعلان حقوق الإنسان و المواطن الذي أعلنته الثورة الفرنسية سنة 1789،
وأخيرا في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الجمعية العامة للأم المتحدة في 10 دجنبر 1948[6]،
وذلك في المادة السابعة منه: "الناس جميعا سواء أمام القانون و هم
يتساوون في حق التمتع بحماية القانون دون تمييز، كما يتساوون في حق التمتع
بالحماية من أي تمييز ينتهك هذا الإعلان ومن أي تحريض على مثل هذا التمييز"، كما
نصت المادة الثانية من العهد الدولي للحقوق المدنية و السياسية بأن" تتعهد كل
دولة طرف في هذا العهد بإحترام الحقوق المعترف بها فيه، وكفالة هذه الحقوق لجميع
الأفراد الموجودين في إقليمها والداخلين في ولايتها، دون أي تمييز بسبب العرق أو
اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو رأي سياسي أو غير سياسي، أو الأصل القومي أو
الإجتماعي أو الثورة أو النسب أو غير ذلك من الاسباب".
والمساواة أمام القضاء تهدف إلى ضمان وتكريس
حق كل فرد على قدم المساواة مع الأفراد مع الأفراد الأخريين في اللجوء للمحاكم، والحق
في أن يعامل على أساس المساواة التامة مع الغير امام الغير.
هذا فيما يخص مبدأ مساواة المتقاضين أمام
القضاء، أما فيما يخص وحدته فنجد أن هناك
دول أخدت بمبدأ الوحدة المطلقة أمام القضاء مثل الولايات المتحدة الأمريكية
وإنجلترا وإيطاليا، وإسبانيا وهناك من أخد بالإزدواجية كفرنسا والجزائر، وهذا ما
سنفصل فيه في الفقرة الثانية.
الفقرة الثانية: مبدأ تخصص القضاء
يقصد بمبدأ تخصص
القضاء إنقسامه حسب نوع القانون الذي يطبقه لكن دون أن يعتبر ذلك تعارضا مع مبدأ
الوحدة لأنه يتعذر الأخد بمبدأ الوحدة بشكل مطلق لإستحالة إلمام القاضي بشكل دقيق
بكافة فوروع القانون وأحيانا حتى بالفرع الواحد لشساعة موضوعاته.[7]
إذا كان التنظيم
القضائي لسنة 1974 قد جعل من المحكمة الإبتدائية وحدة أساسية في التنظيم القضائي،
بإعتبارها صاحبة الولاية العامة، فإن هذا المبدأ لم يصمد امام الحاجيات الجديدة
المرتبطة بالطفرة النوعية التي عرفها ميدان حقوق الإنسان بالمغرب، وكذا ضرورة
توفير مناخ ملائم للإستثمار.[8]
حيث تم إحداث
المحاكم الإدرية،[9]
تنفيدا للتوجيهات الملكية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس كما تم إحداث
محاكم الإستئناف الإدارية،[10] وفي
خطوة متميزة تم إحداث المحاكم
التجارية[11]
كجهة قضائية مستقلة متخصصة في القضايا التي علاقة بالمال والأعمال، بالإضافة إلى
ذلك تم احداث أقسام قضاء الأسرة.[12]
إن هذا التعدد في
الجهات القضائية لا يعني الإزدواجية في
التنظيم القضائي المغربي، بل إن وحدة القضاء مبدأ أساسي و ثابت في نظامنا القضائي،
وتجسده وجود مؤسسة واحدة تتربع على رأس الهرم القضائي ممثلة في محكمة النقض،[13] فهناك
تعدد أو تخصص لمحاكم الدرجة الدنيا إلى أن الوحدة تبقى هي السمة الأساسية للقضاء
المغربي.[14]
إذا كان المغرب قد
إختار مبدأ تخصص القضاء في ظل وحدة قضائية فإن هناك عدة دول أخدت بمبدأ إزدواجية
قضاءها ونجد من أبرز هذه الدول فرنسا، ففي فرنسا هناك جهتين قضائيتين: تتمثل في
القضاء العادي المعروف، والقضاء الإداري الذي ينظر في النزعات ذات الطابع الإداري
أي التي تكون الدولة طرفا فيها، كما أن دولة الجزائر تبنت أيضا نظام الإزدواجية
القضائية وذلك لأول مرة بموجب دستور 1996، الذي أسس لنظام قضائي جديد الامر الذي يجعل
صورة التنظيم القضائي في هذه المرحلة يختلف من حيث الهياكل والإجراءات نظام الوحدة
الذي ساد لفترة طويلة،[15] كما أخد
بالإزدواجية كل من مصر وتونس، كما أن هناك عدة دول أخدت بالوحدة المطلقة بين
الأفراد والدولة عن طريق إخضاعها لقاض واحد، كالولايات المتحدة الأمريكية والمملكة
المتحدة.[16]
وهكذا نخلص أن لا
وجود لإزدواجية قضائية بالمغرب، وذلك بغياب محاكم متسلسلة ومرتبة كما هو الحال في
القضاء العادي فلا وجود لمحكمة قانون تجارية وغياب مجلس دولة، مما يعني أن إزدواجية
القضاء لم تستجمع لحد الآن الشروط والمقومات اللازمة لها.
[1] عبد
الكريم الطالب: التنظيم القضائي المغربي، الطبعة الرابعة 2012، مطبعة الوراقة
الوطنية مراكش، ص:37.
[2] د محمد محبوبي: أساسيات التنظيم القضائي، الطبعة الثانية 2010، مطبعة أبي رقراق للطباعة والنشر ، ص48.
[3] عبد الغني بسيوني عبد
الله: مبدأ المساواة أمام القضاء وكفالة حق التقاضي، مطبعة منشأة المعارف
الإسكندرية2001. ص:9.
- مستشاري الملك.
- عضو من أعضاء الحكومة أو كاتب دولة أو نائب
كاتب دولة .
- قاض بمحكمة النقض او المجلس الاعلى
للحسابات أو عضو في المجلس الدستوري.
- والي او عامل.
- الرؤساء الأولين لمحاكم الإستئناف سواء
العادية او المتخصصة.
[8] عبد
المجيد غميجة: تطور توجيهات الإصلاح القضائي و أفاقه (1974-2004) عرض موجز مقدم
أمام الندوة المنظمة من طرف المجلة المغربية ، الإدارة المحلية والتنمية حول
ثلاثون سنة من الإصلاح القضائي بالمغرب الرباط 15 دجنبر 2004.
[9] ظهير الشريف رقم
1.91.225صادر في 22 ربيع الأول 1414 الموافق 10 شتنبر 1993 بتنفيد القانون رقم
90-41، منشور بالجريدة الرسمية عدد 1227 الصادر بتاريخ 3 نونبر1993.
[10] ظهير
شريف رقم 1.06.07 صادر في 15 محرم 1427الموافق 14 فبراير 2006 بتنفيد القانون رقم
03-80 المحدث بموجبه محاكم الاستئناف، الجريدة الرسمية عدد 5328 الصادر بتاريخ 23
فبراير ص 490.
[11] ظهير شريف 65-97-1 صادر في 4
شوال 1417 الموافق ل 12 فبراير 1997 بتنفيد القانون رقم 95-53 القاضي بإحداث
المحاكم التجارية، الجريدة الرسمية عدد 4482 بتاريخ 15 ماي 1997 ص 1141.
[12] ظهير
الشريف 24-04-1 بتاريخ 3 فبراير 2004
بتغيير الظهير الشريف بمثاتبة قانون يتعلق بالتنظيم القضائي للمملكة، منشور
بالجريدة الرسمية عدد 518.
[15] عمار عوابدي: النظرية العامة للمنازعات الإدارية في النظام القضائي
الجزائري الجزء الأول طبعة 1999 ص31.
[16] للمزيد
من التفاصيل أنظر مسعود شهوب – المبادئ
العامة للمنازعات الإدارية طبعة 1999 ص 31 إلى غاية 61.