الحضانة في مدونة الاسرة
تعتبر الحضانة أثرا من آثار الزواج، وهي من حق الزوجين معا اثناء قيام العلاقة الزوجية،
ومن حق احد الأبوين او غيرهما حسب الأحوال، عند انفصام العلاقة الزوجية ومن هنا يتجلى مدى اهمية الحضانة في صون حقوق الطفل، سيما بعد انفصام العلاقة الزوجية، حيث يتم اسناد الحضانة لأحد الأبوين او غيرهما حسب الظروف المصاحبة لكل حالة على حدة، وانطلاقا مما سبق، سوف نتساءل عن الإطار القانوني المنظم لحق الحضانة من خلال مدونة الأسرة و ندرج ذلك في الباب الأول من هذا العرض، ثم ننتقل الى الحديث عن حقوق المحضون من خلال الباب الثاني، و نختم بعد ذلك بإبراز مدى الفعالية و النجاعة في صيانة حقوق المحضون عملا و قضاء.
المبحث الثاني : شــروط الحضانــة :
نظرا لأهمية الحضانة و اثرها على تربية الطفل و رعايته، فقد قيدها المشرع بشروط لابد من توافرها في شخص الحاضن، و هي المنصوص عليها في المادة 173 من مدونة الأسرة .
أولا – الرشد القانوني لغير الأبوين :
يشترط في غير الحاضن من الأبوين بلوغ سن الرشد القانوني المنصوص عليه في المادة 209 من مدونة الأسرة، و هو 18 سنة شمسية كاملة، مما يفيد ان الحاضن يجب ان يكون كامل الأهلية، بمفهوم المادة 206 من نفس القانون اعلاه .
و لعل المشرع لم يشترط هذا الشرط في الأبوين، اعتبارا و مراعاة لمقتضيات المواد الأخرى من مدونة الأسرة التي تسمح بزواج من لم يبلغ سن الرشد، و انسجاما مع المادة 22 التي تنص على ان " المتزوجان يكتسبان طبقا للمادة 20 اعلاه، الأهلية المدنية في ممارسة حق التقاضي في كل ما يتعلق بآثار عقد الزواج من حقوق و التزامات ... " و لعل من الحقوق التي يمكن التقاضي بشأنها ما يرتبط بالحضانة .
ثانيا – الاستقامة و الأمانة :
و يعني ذلك ان يكون الحاضن مستقيما في دينه و أخلاقه، حتى لا يؤذي المحضون و يؤثر فيه بسوء اخلاقه او بفسقه، كما يجب ان يكون امينا عليه في نفسه و عقله و ماله .
ثالثا - القدرة على تربية المحضون و صيانته و رعايته دينا و صحة و خلقا و على مراقبة تمدرسه :
و يعيني ذلك ان يكون الحاضن قادرا على القيام بجميع مستلزمات المحضون، بأن يكون صحيح الجسم و سالما من الأمراض المعدية، و له من الامكانيات المادية و المعنوية و ما يجعله يتكفل برعاية المحضون دينا و صحة و خلقا و تمدرسا
رابعا – عدم زواج طالبة الحضانة الا في الحالات المنصوص عليها في المادتين 174 و 175:
عدم زواج الحاضنة يختلف حسب ما اذا كانت هذه الأخيرة أما أم غيرها، و ذلك حسب التفصيل المبين في المادتين 174 و 175 .
و تجدر الاشارة، الى ان القضاء يتحمل مسؤولية كبرى في التأكد و التحقق من توفر الشروط المذكورة اعلاه، في طالبة الحضانة، و ذلك عبر القيام بمجموعة من التحريات و البحوث التي من شأنها الاطمئنان على مصلحة المحضون و سلامته، و هو ما تم تأكيده من خلال الفقرة الأخيرة من المادة 173 اعلاه، التي تنص على " انه اذا وقع تغيير في وضعية الحاضن خيف منه الحاق الضرر بالمحضون، سقطت حضانته و انتقلت الى من يليه
الفصل الثالث : دور القضاء في حماية مصلحة المحضون :
يتضح من خلال استقراء المواد 163 الى 186 من مدونة الأسرة، ان المشرع المغربي من خلال مدونة الأسرة، يؤكد على الإشراف الفعلي للقضاء على حسن تطبيق الحضانة، مرورا بإسناد هذه الأخيرة الى من تتوفر فيه الشروط الضرورية لممارستها و أخذا بعين الاعتبار مصلحة المحضون التي يجب حمايتها، خاصة في غياب الأبوين، و هو ما نصت عليه المادة 165 : " اذا لم يوجد بين مستحقي الحضانة من يقبلها، او وجد و لم تتوفر فيه الشروط رفع من يعنيه الأمر او النيابة العامة الأمر الى المحكمة، لتقرر اختيار من تراه صالحا من اقارب المحضون او غيرهم، و الا اختارت احدى المؤسسات المؤهلة لذلك . " كما يمكن للمحكمة ان تعيد النظر في اسناد الحضانة اذا كان ذلك في مصلحة المحضون، هذا دون ان ننسى دور النيابة العامة التي اعطاها المشرع الصفة في تقديم جميع الطلبات الى المحكمة للحفاظ على حقوق المحضون، بما في ذلك المطالبة بإسقاط الحضانة بناء على ما يصل الى علمها من الأضرار التي قد يتعرض لها هذا الأخير، و من هنا يتضح الدور المنوط للقضاء في حماية مصلحة المحضون، و ذلك باتخاذ جميع الاجراءات الكفيلة بجعل المحضون يعيش في جو مناسب متمتعا بالرعاية الكاملة و المستمرة الى ان يبلغ كامل الأهلية .
الباب الثاني : حقوق المحضون :
سوف نتطرق في هذا الباب الى حقوق المحضون و علاقتها بالسفر به خارج المغرب أو داخله، و ذلك من خلال الفصل الأول و الثاني، ثم نختم هذا الباب بالتعرض الى حق المحضون و تنظيم الزيارة من خلال الفصل الثالث .
الفصل الأول : حق المحضون و السفر به خارج ارض الوطن :
تطرق المشرع الى مسألة الانتقال بالمحضون خارج المغرب في المادة 179 من مدونة الأسرة، التي يتضح من مقتضياتها انه يمكن للحاضن ان يسافر بالمحضون خارج المغرب بعد موافقة النائب الشرعي، الا انه في غياب هذه الموافقة فإن لهذا الأخير او للنيابة العامة اللجوء الى المحكمة قصد استصدار قرار لمنع الحاضن من ذلك، سواء اثناء النظر في طلب اسناد الحضانة، او بواسطة قرار لاحق، و ضمانا لتنفيذ هذا القرار اعطى المشرع للنيابة العامة مهمة السهر على ذلك باتخاذ الاجراءات اللازمة الكفيلة بذلك .
و نظرا لبعض الظروف التي قد تفرض ضرورة سفر المحضون رفقة حاضنه خارج ارض الوطن، فإن المشرع سمح لهذه الأخيرة ان تتقدم بطلب الى قاضي المستعجلات لاستصدار اذن بذلك، بعد التأكد من الصفة العرضية للسفر، و من عودة المحضون الى وطنه .
و لعل مقتضيات المادة اعلاه، التي تعتبر من مستجدات مدونة الأسرة، جاءت لحماية حق المحضون من تبعات بعده على نائبه الشرعي، و لضمان قيام هذا الأخير بواجبه المتمثل في العناية بشؤون المحضون في التأديب و التوجيه الدراسي .
الا انه من خلال القضايا المطروحة على المحكمة، يستشف ان هناك اشكاليات لم تتعرض لها مدونة الأسرة، كما هو الشأن بالنسبة للحالة التي يكون فيها الحاضن و النائب الشرعي مقيمين بالخارجو يمتنع هذا الأخير من الاذن للحاضن قصد مرافقة المحضون الى محل الإقامة، ففي هذه الحالة نرى انه من مصلحة المحضون الانتقال للعيش مع حاضنه في الخارج و في نفس الوقت بالقرب من نائبه الشرعي الذي يتسنى له ضمان العناية به في التأديب و التوجيه الدراسي، لأن المشرع عندما اشترط موافقة النائب الشرعي على السفر بالمحضون الى الخارج، فإن نيته كانت تنصب على الحالة التي يكون فيها النائب الشرعي يقيم داخل المغرب، و قد اصدرت المحكمة الابتدائية بالرشيدية حكما بتاريخ 08-12-2005 تحت عدد 3253، قضى بالإذن للمدعية باصطحاب ابنتيها المحضونتين الى مقر اقامتها بالديار الفرنسية بصفتها حاضنة عليهما، بعدما امتنع والدها الذي يقيم بفرنسا من السماح بمرافقة والدتهما الى الخارج .
وتجدر الإشارة الى ان احكام الاتفاقية المبرمة بين المملكة المغربية والجمهورية الفرنسية الموقعة بالرباط بتاريخ 10-08-1981، تسمح للسلطة المركزية الممثلة في وزارة العدل في الدولة التي نقل اليها الطفل واحتفظ به فيها ان ترفع الى السلطة القضائية المختصة طلبا بتسليم الطفل الى الحاضن الممارس للحضانة.- انظر قرار المجلس الأعلى عدد 1158 المؤرخ في 30-111-2000 منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 62 -.
كما صدر قرار حديث عن المجلس الأعلى قضى برفض طلب النقض المقدم ضد القرار الاستئنافي الذي قضى بتأييد الحكم المستأنف القاضي بإسقاط حضانة الأم بعد انتقالها بالمحضونيين الى السودان، بعلة ان ذلك يجعل من العسير على والد المحضون مراقبة احواله و القيام بواجباته، ذلك ان المسافة بين القطر المغربي و نظيره السوداني لا تساعد الأب على الاطلاع على احوال ولديه و السهر عليهما .
انظر القرار رقم 1 المؤرخ في 04 يناير 2006 ملف شرعي عدد 311/2/1/2004، منشور بمجلة المناهج عدد 09-10 .
الفصل الثاني : حق المحضون و الانتقال به داخل المغرب :
تطرق المشرع المغربي الى مسألة الانتقال بالمحضون داخل المغرب في المادة 178 من مدونة الأسرة التي تنص على انه : " لا تسقط الحضانة بانتقال الحاضنة او النائب الشرعي للإقامة من مكان لآخر داخل المغرب، الا اذا ثبت للمحكمة ما يوجب السقوط، مراعاة لمصلحة المحضون و الظروف الخاصة بالأب او النائب الشرعي، و المسافة التي تفصل المحضون عن نائبه "
فباستقراء هذه المادة، يتضح ان الانتقال بالمحضون داخل ارجاء المملكة لا يعتبر في حد ذاته من الأسباب المبررة لسقوط الحضانة، ما لم يثبت للمحكمة خلاف ذلك، و يراعى في ذلك مصلحة المحضون بالدرجة الأولى، و الظروف التي تسهل على الأب او النائب الشرعي القيام بواجبه اتجاه المحضون .
و لعل تطور وسائل النقل و المواصلات عبر مختلف مناطق المغرب و ما ينتج عن ذلك من سهولة زيارة و تفقد أحوال المحضون، هو الذي حذى بالمشرع الى ترك الحضانة لمستحقها، ما لم تكن هناك ظروف استثنائية تتعارض و مصلحة هذا الأخير و هذا ما سار عليه الاجتهاد القضائي في ظل مدونة الأحوال الشخصية السابقة، حيث صدر قرار عن المجلس العلى بتاريخ 02-02-1994 تحت عدد 5289 ملف شرعي رقم 92/452، جاء فيه : " حيث ان الاستيطان في اية منطقة من مناطق المغرب، لم يبق فيه عسر على اب المحضون، بمعنى ان عنصر العسر في المراقبة في جميع مناطق المغرب، قد اصبح سهلا، نظرا للمسافات القريبة بين القرى و المدن بفضل انتشار وسائل النقل به، بمختلف انواعها .... كما ان انتشار المدارس و المستشفيات، و غيرها من الخدمات الاجتماعية اصبحت متوفرة في اغلب القرى فضلا عن المدن، مما يجعل انه لا خوف على المحضون مع امه من أي ضرر كان ..." . قرار غير منشور مأخوذ من احكام الحضانة لمحمد الكشبور ، الطبعة الأولى 2004
الفصل الثالث : حق المحضون و تنظيم الزيارة :
تعرض المشرع لأحكام زيارة المحضون في المواد 180 الى 186، فتطرق الى امكانية اتفاق الأبوين على تنظيم هذه الزيارة حسبما يناسبهما معا، و الا فإن على المحكمة التدخل من اجل تحديدهاو ضبطها زمانا و مكانا بالشكل الذي يضمن تنفيذها و عدم التحايل في ذلك، مراعية ظروف الأطراف و ملابسات كل قضية على حدة، مع امكانية المتضرر من ذلك طلب المراجعة و التعديل حسبما يتلاءم و ما استجد من ظروف .
و قد اكدت المادة 186 على ضرورة مراعاة مصلحة المحضون في تطبيق مواد هذا الباب المتعلق بتنظيم الزيارة، و جعلها فوق كل اعتبار، مما يسمح للمحكمة تبعا لسلطتها التقديرية، باتخاذ جميع الإجراءات المناسبة و اللازمة لضمان ملاءمة الاتفاق المنظم للزيارة او المقرر المحدد لها لمصلحة المحضون .
و لعل ابرز الإشكاليات المثارة بخصوص تطبيق احكام المواد اعلاه هي كما يلي :
أولا : الحالة التي يكون فيها محل اقامة الأب غير محل اقامة الحاضن :
فعندما تكون المحكمة قد حددت تنظيم الزيارة في كل يوم احد من الأسبوع، و يصادف ان الأب لم يعد يقيم في نفس المدينة التي تقيم بها الحاضنة، فإن هذا الأخير يتقدم بطلب من اجل تعديل المقرر المحدد للزيارة، بجعلها اربعة ايام متتالية كل شهر بدلا من يوم الأحد كل اسبوع، على اساس انه لا يستطيع التنقل اسبوعيا الى مقر اقامة المحضون قصد استلامه.
و لا يخفى ان الاستجابة لهذا الطلب لا يكون في مصلحة المحضون خاصة عندما يكون هذا الأخير مازال في سن الرضاعة و يكون محتاجا الى رعاية الأم باستمرار كما انه حتى على فرض انه تجاوز سن الرضاعة، فإن متابعته للدراسة لا تسمح بانتقاله من محل سكناه ما عدا ايام الآحاد و العطل .
ثانيا : الحالة التي تمنع فيها الحاضن من تسليم المحضون للأب قصد زيارته على اساس انه مازال في سن الرضاعة :
وتبرز هذه الاشكاليات عندما يكون المحضون في سن الرضاعة، فتمتنع الأم الحاضن من تسليمه للأب تنفيذا للمقرر المحدد لتنظيم الزيارة، بعلة انه يحتاج الى الرضاعة و مزيد من العنايةو الرعاية، فيعمد الأب الى تقديم طلب يرمي من خلاله الى اسقاط الحضانة، على اعتبار انه الحاضن اخلت بواجبها في تنفيذ الاتفاق او المقرر المنظم للزيارة، استنادا الى المادة 184 من مدونة الأسرة.
ففي هذه الحالة، يظهر انه يجب ترجيح مصلحة المحضون، التي تقتضي بقاءه مع الأم قصد ارضاعه في ظروف تضمن نموه في ظروف طبيعية، خاصة اذا كان الأب لا يتوفر على من يقوم بذلك مع مراعاة ملابسات كل قضية على حدة.
ثالثا : اثناء العلاقة الزوجية :
نصت المادة 164 من مدونة الأسرة على ان الحضانة من واجبات الأبوين، ما دامت علاقة الزوجية قائمة، " الا ان الاشكالية المطروحة هي عندما ينتقل احد الزوجين للاستقرار في مكان آخر، بعيدا عن بيت الزوجية، و يقوم باصطحاب الأبناء معه، فبعمد الزوج الآخر الى المطالبة بإسناد حضانة الأبناء اليه، بعلة ان الطرف المدعى عليه ترك بيت الزوجية و اخل بالواجبات الملقاة على عاتقه بمقتضى عقد الزواج .
و قد قضى المجلس الأعلى بنقض القرار الاستئنافي القاضي بتسليم الولد لوالدته لتحضنه رغم بقاء العلاقة الزوجية بعلة ان الحضانة على الأولاد هي مشتركة بين ابويهما ما دامت الزوجية متصلة بينهما . انظر القرار رقم 561 الصادر بتاريخ 22-06-1999 ملف ح.ش 455/97، منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى في الأحوال الشخصية و العقار عدد 13 .
خاتمـــــــة:
من كل ما سبق، يتضح ان المشرع المغربي من خلال مدونة الأسرة، اولى اهمية بالغة لمؤسسة الحضانة التي تعتبر من اهم آثار انفصام العلاقة الزوجية، قد جاء المشرع بعدة مستجدات تصب محلها في اتجاه مراعاة و اعتبار مصلحة المحضون بالدرجة الأولى، و ذلك انساجما مع الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب و من ضمنها الاتفاقية الدولية المتعلقة بحقوق الطفل التي صادق عليها المغرب بموجب الظهير رقم 4-93-4 المؤرخ في 14-06-1993، مع تحفظه على مقتضيات المادة 14، مع الأخذ بعين الاعتبار أحكام الفقه الاسلامي عامة و الفقه المالكي خاصة، في كل ما يتماشى و الحياة الراهنة التي نعيشها .