المبحث الثاني : المسؤولية التقصيرية عن العمل الشخصي .
إن المسؤولية بوجه عام من الموضوعات القانونية التي حظيت
ولا زالت تحظى باهتمام تشريعي وفقهي وقضائي نظرا لأهميتها على المستويين النظري
والتطبيقي ،وتعني المؤاخذة عن الأخطاء التي تضر بالغير ،وذلك بإلزام المخطئ بأداء
التعويض للطرف المتضرر وفقا للطريقة والحجم الذين يحددهما القانون ،وقد نظم المشرع
أحكام المسؤولية التقصيرية في الفصل من 77 إلى 106 من ق . ل. ع .وهي تتخذ عدة
مظاهر ،منها المسؤولية عن العمل الشخصي والمسؤولية عن فعل الغير والمسؤولية عن
الأضرار التي تتسبب فيها الأشياء أو الحيوانات التي يتولى حراستها شخص ما
.ومسؤولية مالك البناء عن الأضرار التي يتسبب فيها الانهيار الكلي أو الجزئي
للبناء .
إلا أننا سنقتصر على دراسة أهم مظهر من مظاهر هذه
المسؤولية ،وهي المسؤولية عن العمل الشخصي .
ولقيام هذا النوع من المسؤولية لا بد من توافر جميع
أركانها (المطلب الأول )،وحتى إذا ما توفرت ،ترتبت عنها آثار في غاية الأهمية
(المطلب الثاني ) .
المطلب الأول :أركان المسؤولية عن العمل الشخصي .
حتى تنهض المسؤولية التقصيرية عن العمل الشخصي وتكون
سببا في الحصول على التعويض للشخص المتضرر ،لا بد من توفر ثلاث أركان أساسية ،وهي
الخطأ والضرر والعلاقة السببية نتناولها على التوالي .
الفقرة الأولى :ركن الخطأ
أولا :تعريف
الخطأ
الخطأ هو الركن الأول والأهم في المسؤولية التقصيرية
،وهو الإخلال بالتزام قانوني عام مع إدراك هذا الإخلال من طرف المخطئ ،ويمكن
تعريفه أيضا بأنه الإنحراف عن السلوك المألوف للشخص العادي مع إدراكه لهذا
الإنحراف ،أو هو الإخلال بواجب قانوني مقترن بإدراك الشخص لنتائج أفعاله[1] ،وقد عرفه المشرع المغربي في الفصل 78
وتحديدا في الفقرة الثانية " الخطأ هو ترك ما كان يجب فعله أو فعل ما كان يجب
الإمساك عنه ،وذلك من غير قصد بإحداث الضرر .
ثانيا :
أنواع الخطأ التقصيري
تتعدد أنواع
الخطأ بالنظر إلى طبيعة الفعل المرتكب ومدى توفر عنصر القصد فيه .
1. الخطأ العمدي والخطأ غير العمدي :
-
فالخطأ العمدي هو الذي يعمد فيه الشخص إلى
ارتكاب الفعل الضار قاصدا تحقيق النتيجة الضارة بالغير ،أو بعبارة أخرى هو ذلك
السلوك الذي ينطوي على قصد إحداث الضرر بالغير ،لذلك نجد قانون الإلتزامات والعقود
عبر عنه بالجريمة[2] ،وهو أشد درجات الخطأ ،ويشترط لتحققه عنصرين
أساسيين هما عنصر الإرادة الحرة في إتيان الفعل وعنصر القصد في إحداث الضرر ،ومثال
على ذلك كأن ينهال شخص على آخر بالضرب والجرح في غير حالات الدفاع الشرعي على
النفس أو المال ّ،وقد أشار المشرع المغربي إلى الخطأ العمدي في الفصل 77 من قلع
"كل فعل لرتكبه الإنسان عن بينة واختيار من غير أن يسمح به القانون فأحدث
ضررا ماديا أو معــــــــــنويا ألزم مرتكبه بتعويض هذا الضرر إذا أثبت أن ذلك
الفعل هو السبب المباشر في إحداث الضرر وكل شرط مخالف لذلك يكون عديم الأثر "
.
-
الخطأ غير العمدي :
هو الخطأ الذي يقع فيه الشخص عن طريق الإهمال
وعدم التبصر نتيجة عدم اخذ الاحتياطات الأزمة ،وذلك من غير قصد لإحداث الضرر
بالغير ووصفه ق.ل.ع ،بشبه الجريمة وهذا ما أكده المشرع في الفصل 78 في فقرته
الأخيرة " الخطأ هو ترك ما كان يجب فعله ،أو فعل ما كان يجب الإمساك عنه
،وذلك من غير قصد لإحداث الضرر " .وكمثال على الخطأ الغير العمدي كسائق سيارة
الذي يتسبب في إلحاق الضرر بأحد المارة نتيجة لعدم احترامه لإحدى علامات المرور
.فهو يسمى بخطأ الإهمال الذي يقع بدون قصد لإحداث الضرر .
وسواء أكان الخطأ عمدي أو غير عمدي فإن
المتضرر له الحق في التعويض إلا أن نظرة القاضي إلى الخطأ تختلف بحسب ما إذا كان
عمدي أو غير عمدي .
2. الخطأ الإجابي والخطأ السلبي .
-
الخطأ الإيجابي :ويتمثل في إتيان فعل مادي
ضار ينهى القانون ونظام التعايش الاجتماعي عن إتيانه حماية وصيانة لحقوق الغير
،وهو الصورة الأكثر شيوعا في ميدان المسؤولية التقصيرية ،وهو ما نص عليه الفصل 78
في فقرته الثانية "هو ترك ما كان يجب فعله أو فعل ما كان يجب الإمساك عنه
وذلك من غير قصد لإحداث الضرر " .
-
الخطأ السلبي :ويتمثل في عملية ترك أو امتناع
عن كل ما كان يجب على الشخص فعله والقيام به لتفادي ضرر معين قد يصيب الغير .مثال
على ذلك كأن يهمل سائق سيارة إضاءة مصباح سيارته ليلا فيتسبب في حادث اصطدام
بسيارة أخرى أو إخفاء بعض الوثائق الصحيحة بهدف طمس الحقيقة وتظليل الغير .
ثالثا :
درجات الخطأ
فالقاضي لا ينظر إلى الخطأ من ناحية وجود العمد أو عدم
وجوده فقط ،وإنما ينظر إلى درجاته أيضا عند تقدير المسؤولية في تحديد نطاقها
،فالخطأ ليس على درجة واحدة وإنما توجد سلسلة متدرجة من الأخطاء أخطرها الخطأ غير
المغتفر ،يليه الخطأ الجسيم ،ثم الخطأ اليسير ،وأخيرا الخطأ التافه[3] .
1. الخطأ غير المغتفر :لقد ظهرت فكرة الخطأ غير المغتفر بموجب القانون الفرنسي
الصادر بتاريخ 9 أبريل 1898 ،الخاص بالتعويض عن حوادث الشغل ،دون أن يضع تعريفا
محددا له إلا بموجب قرار محكمة النقض الفرنسية الصادر بتاريخ 15 يوليوز 1941 ،حيث
عرفت الخطأ غير المغتفر بأنه خطأ دو جسامة استثنائية ناتج عن فعل أو امتناع إرادي
مع إدراك الفاعل لخطورة هذا الفعل أو الإمتناع ،وانعدام أي سبب يبرره .ويتميز عن
الخطأ العمدي بانتفاء عنصر القصد فيه .فالخطأ غير المغتفر يوجد في موقع وسط بين
الخطأ العمدي والخطأ الجسيم ،فهو أقل خطورة من الخطأ العمدي وأشد خطورة من الخطأ
الجسيم .فهو لا يختلف عن الخطأ العمدي إلا فيما يتعلق بتوفر عنصر القصد في إحداث
ضرر ،لأن الفاعل في الخطأ غير المغتفر وإن أراد الفعل وأدرك خطورته لكنه لا يقصد
وقوع الضرر .
2. الخطأ الجسيم :ويطلق الفقه عليه مصطلح الخطأ الفاحش ،وهو خطأ الإهمال ،وهو
خطأ غير إرادي ،وقد عرفه الفقه بأنه الخطأ الذي لا يمكن تبريره ،وهو الخطأ الذي
يرتكبه أكثر الناس حرصا . فهو ما يوازي إنعدام الأهلية في التصرف ويرتقي إلى أقصى
مستويات عدم الانتباه فهو غاية من الغفلة وعدم الاحتياط .
فهو يقترب من الخطأ العمدي بالنظر لخطورة
الجسامة ،ويبقى الفارق بينهما في توافر عنصر سوء النية في العمد وعدم توافره في
الخطأ الجسيم .فالخطأ الجسيم ينتج عن الإخلال بالالتزامات الأساسية ،أي الالتزامات
التي توجد على جانب كبير من الاهمية ،وكمثال على ذلك إذا لتزم أمين النقل بتسليم
الشيء المنقول إلى جهة معينة ومحددة فإن حصل التسليم إلى جهة مغايرة اعتبر الناقل
قد ارتكب خطأ جسيم .
3. الخطأ اليسير :وهو الخطأ الذي لا يرتكبه إلا الشخص متوسط الفطنة والذكاء
،وهناك من يعرفه بأنه الخطأ الذي يقع فيه الشخص العادي وهو لا يتطلب لتجنبه توفر
الشخص على ذكاء خارق وقدرات خلاقة .
وهو معيار موضوعي عاد ومجرد يحدد درجة
العناية التي يتعين على الشخص اتخاذها حتى لا يعتبر مسؤولا تجاه الطرف المتضرر
بسبب انحرافه عن السلوك المألوف للشخص المعتاد ،كمن يهمل صيانة حائط منزله فينهار
الحائط ويصيب أحد المارة أو يتلف مال الغير .
4. الخطأ اليسير جدا ( الخطأ التافه ) .
هو الخطأ الذي يقع بالقدر الطفيف من الإهمال
وعدم الانتباه ،ولا يقع فيه الرجل الحريص .
ومهما كانت درجة الخطأ التقصيري فإنه موجب
لمسؤولية المخطئ سواء كان هذا الخطأ غير مغتفر أو جسيما أو يسيرا أو تافها ،وهو ما
يمكن استخلاصه من الفصل 77 من قلع ،الذي ينص على أن " كل فعل ارتكبه الإنسان
عن بينة واختيار ومن غير أن له به القانون فأحدث ضررا ماديا أو معنويا للغير ألزم
مرتكبه بتعويض هذا الضرر إذا ثبت أن ذلك الفعل هو السبب المباشر في حصول الضرر .
رابعا :أركان الخطأ
يتمثل الخطأ في المسؤولية التقصيرية في الإخلال بالتزام
قانوني ،وهو إلتزام ببذل العناية الكافية واللازمة حتى لا يتم الإضرار بالغير
،وعدم بدل العناية اللازمة يؤدي بالشخص
إلى انحرافه عن السلوك العادي أي يؤدي به إلى الخطأ الموجب للمسؤولية ،ويقوم الخطأ
في المسؤولية التقصيرية على ركنين أساسيين ،ركن مادي وركن معنوي .
1. الركن المادي :هو التعدي والانحراف الذي يقع من الشخص في تصرفه ومجاوزته
للحدود التي يجب عليه التزامها في سلوكه[4]
،مما يسبب ضررا ماديا أو معنويا للغير ،فالتعدي أو الإنحراف قد يكون
إيجابيا وقد يكون سلبيا ،وقد يكون عمديا وقد يكون نتيجة إهمال فقط ،وهذا ما يستخلص
صراحة من الفصلين 77 و 78 من ق.ل.ع .
وبالرجوع إلى معرفة ما إذا كان هناك انحراف أم لا يتعين
الرجوع إلى ما إذا كان السلوك الواجب الإتباع محددا أم لا .فكل تجاوز لنص قانوني
يعتبر انحراف كمن يعتدي على الغير بالضرب والجرح والسرقة أو غيرها من الأفعال
الممنوعة قانونا .أما إذا كان السلوك غير محدد فإن تحديد الإنحراف أوالتعدي يقاس
بسلوك الرجل العادي متوسط الفطنة والذكاء .
2. الركن المعنوي :وهو الإدراك والتمييز ،فلا يكفي لقيام الخطأ توفر عنصر
التعدي أو الانحراف ،وإنما يجب أن يكون المنحرف على قدر من التمييز يسعفه في إدراك
هذا السلوك وتقدير نتائجه ،فالتمييز مناط المسؤولية وهي لا تقوم إلا بتوفره .
وعديم التمييز لا يسأل شخصيا عن الضرر الذي
يحدثه للغير .فالخطأ يرتبط بالتمييز والإدراك وهذا ما ينص عليه الفصل 96 من ق . ل
.ع ."القاصر عديم التمييز لا يسأل مدنيا عن الضرر الحاصل بفعله ،وينطبق نفس
الحكم على فاقد العقل بالنسبة إلى الأفعال الحاصلة في حالة جنونه ،وبالعكس من ذلك
يسأل القاصر عن الضرر الحاصل لفعله إذا كان له من التمييز الدرجة اللازمة لتقدير
نتائج أعماله " .
فانعدام التمييز الذي ينفي المسؤولية قد يكون
إما لصغر في السن أو لجنون أو لغيبوبة اختيارية أما إذا كان انعدام التمييز بفعل
اختياري مثلا كتناول المخدرات والسكر فإنه لا يعفي المنحرف من المسؤولية .
فإذا تحقق الخطأ بأنواعه ودرجاته وأركانه
قامت المسؤولية التقصيرية ،ووجب تعويض الشخص المتضرر ،إلا أنه في بعض الحالات قد
يقع الخطأ مستوفيا لكل عناصره ومع ذلك لا تقوم المسؤولية وذلك راجع لعدة أسباب وهي
موضوع المحور التالي .
الفقرة الثانية : ركن الضرر
يعتبر الضرر ركنا ثانيا في المسؤولية المدنية بنوعيها فهو التجسيد المادي والملموس للإخلال بالالتزام
سواء العقدي أو القانوني والمبرر الذي يستند عليه الدائن في رفع دعوى التعويض لذلك
فهو ملزم بإثباته وذلك يجمع وسائل الإثبات كالبينة والقرائن .
أما في المجال الجنائي فالضرر
لا يعتبر شرطا لقيام المسؤولية الجنائية فهناك العديد من الجرائم التي لا تترتب
عنها ضرر ومع ذلك يعتبر مرتكبها مسؤولا جنائيا وهي عمود الجرائم والأفعال التي
يتوخى منها المشرع تحقيق نتيجة معينة وتعرف بالجرائم السلبية والشكلية والضرر بوجه
عام هو الأذى الذي يصيب الشخص في حق من حقوقه أو مصلحة من مصالحه سواء كانت هذه
المصلحة أو الحق ماليا أو غير مالي وسواء ترتب عن نقصان في الذمة المالية أو مجرد
المساس بأمور معنوية
والضرر في المسؤولية التقصيرية "عرفه المشرع المدني في الفصل
98من قانون الالتزامات والعقود بأنه"الخسارة التي لحقت المدعي فعلا
والمصروفات الضرورية التي اضطر أو سيضطر
إلى إنفاقها لإصلاح نتائج الفعل الذي ارتكب إضرارا به والضرر قد يكون ماديا وقد
يكون معنويا كما أن التعويض عنه يستوجب توفر مجموعة من الشروط :
أولا: أنواع الضرر الضرر في المسؤولية التقصيرية كما هو الشأن في المسؤولية العقدية قد
يكون ماديا أو معنويا
أ :الضرر المادي: هو الضرر الذي يصيب الشخص في ذمته المالية كالمساس بحق من حقوقه
العينية الأصلية (كحق الملكية وحق الانتفاع وحق الارتفاق وحق السطحية )أو التبعية
(كالرهون والامتيازات ...)أو حق شخصي
له(الكراء والدائنية ..)كما يعتبر الضرر المادي كل ضرر يصيب السلامة الجسدية
والبدانية لإنسان فيترتب عنه عجز عن الكسب مثلا:كشخص صدمته سيارة سببت له عجزا
كليا أو جزئيا عن العمل وكما يشمل كل مساس بحق من الحقوق المتصلة بشخص الإنسان
كالحرية الشخصية وحرية العمل والرأي إذا ترتب عليه خسارة مالية مثلا
كحبس شخص دون حق ومنعه من السفر إلى جهة معينة
ب : الضرر المعنوي :
يعرف بالضرر الأدبي وهو كل ضرر لا يصيب الشخص في مصلحة مالية وإنما
يصيبه في مصلحة غير مالية(كالشرف والكرامة والسمعة والاعتبار)وقد يترتب عن الفعل
الواحد نوعي الضرر المادي والمعنوي.مثلا سائق صدم رجل توفي على إثر ذلك في هذه
الحالة فالفعل الواحد ترتب عنه ضرر مادي مس مصلحة مالية لأقاربه فقدانهم لمعيلهم
ويكون معنويا كحرمانهم من عطف الأب ورعايته.حيث نجد المشرع المغربي ينص صراحة في الفصلين 77.78 من(ق.ل.ع.) على أن
الطرف المضرور يستحق التعويض عن الضرر المادي والمعنوي معا متى كان هذا الضرر ناتج
مباشرة عن الخطأ التقصيري .
ثانيا : شروط ركن الضرر
سواء كان ماديا أو معنويا يتعين فيه مجموعة من الشروط من بينها .
1: الضرر الشخصي
يقصد به أن الحق في المطالبة بالتعويض يثبت للمتضرر شخصيا.دون سواه من
الأشخاص الآخرين لتصور مصلحته الشخصية من فعل الاعتداء .فلا يصح التقاضي إلا ممن
كانت له المصلحة في ذلك حيث أشار المشرع في الفصل 77من ق.ل.ع الذي أكد بأن الشخص المتضرر من الفعل المحدث للضرر هو وحده
الذي يحق له طلب التعويض عن الضرر وصاحب المصلحة قد يكون شخصا طبيعيا أو معنويا
كالشركات والجمعيات العمومية .
2 :أن يكون الضرر محققا أو محتمل الوقوع .
يقصد به الضرر الذي وقع فعلا لكن أثاره تراخت للمستقبل حيث يعوض بوجود
أدلة تؤكد وقوعه في المستقبل كأن يصاب المضرور في حقه في السلامة الجسدية أو في
الحياة أو في حق من حقوقه التي تكون مؤكدة الوقوع في المستقبل حيث تقوم الأسباب
حالا وتتراخى النتائج إلى المستقبل .مثلا
إصابة شخص في حادثة إصابة تتفاقم مع مرور الوقت حيث أن الضرر يكون
مؤكد الوقوع في المستقبل حيث تحكم المحكمة بالتعويض عنه.
3 :الضرر المحتمل الوقوع
هو الضرر الغير المؤكد الوقوع في المستقبل فالذي يدعيه لا يستحق عنه
التعويض إلا إذا تحقق فعلا وقامت العلاقة السببية بينه وبين الخطأ ومثال ذلك امرأة
حامل تعرضت لاعتداء يهددها بالإجهاض في هذه الحالة لا تستحق التعويض حيث يبقى
الضرر محتملا لكن إذا وقع الإجهاض وأقامت الحجة والدليل على نتيجة الاعتداء تستحق
التعويض.
4 :أن يكون الضرر مباشرا
يتعين أن يكون الضرر مباشرا بوجود علاقة مباشرة بين الخطأ وأسباب أخرى
أجنبية فإن العلاقة تنتفي ومسؤولية المخطئ تخف حسب نوع وطبيعة هذه الأسباب
الأجنبية وهو ما نص عليه الفصلين 77.87 من ق.ل.ع
5 :أن يكون الضرر على مصلحة مشروعة
بمعنى وجود مصلحة لا تتنافى مع القانون أو النظام العام والأدب أما
المصلحة الغير المشروعة فلا يعتد بها ولا يعتبر الإخلال بها خطأ يستوجب التعويض
مثلا
توفي شخص في حادثة وترك خليلته في هذه الحالة لا تستحق التعويض عن الفقدان لأن العلاقة بينهما غير
مشروعة[5] .
الفقرة
الثالثة : العلاقة السببية بين الخطأ والضرر.
تعتبر ركنا مستقلا في المسؤولية التقصيرية إلى جانب الخطأ والضرر فهي
تفيد وجود علاقة مباشرة بين الخطأ الذي يرتكبها المسؤول والضرر الذي أصاب المضرور بأن يكون الخطأ هو السبب المباشر
في حدوث الضرر فقد يقوم الخطأ والضرر ولكن دون أن تكون بينهما علاقة سببية
وبالتالي لا تتحقق المسؤولية ولا يتحقق التعويض ولهذه العلاقة دور مزدوج في جهة تعتبر شرطا لقيام المسؤولية إذا أثبتا
الخطأ المرتكب والسبب المباشر .لما تحقق من ضرر فيكون مرتكب الخطأ مسؤولا عن الضرر
ومطالب بالتعويض عنه كما يجب أن يكون الخطأ هو السبب في أحداث الضرر فوظيفة
العلاقة السببة هي تحديد نطاق المسؤولية .
إلا أن مغلب التشريعات ومنها المشرع المغربي لم ينضمها بنصوص خاصة ولم
يضع معيارا محددا يمكن الرجوع إليه لا استخلاصها في حالة تداخل مجموعة من الأسباب
مع خطأ المسؤول في إحداث الضرر لكن ما هو مجمع عليه أن كل التشريعات وحتى الفقه
والقضاء سلم بضرورة توافر العلاقة السببية بين الخطأ والضرر لتقرير المسؤولية الفصلين 77،78من ق.ل.ع
حيث يرفع القاضي أمر تحديد وجود السببية بين العنصرين أو انتفائها وقد
ضهرت عدة نظريات في هذا المجال الهدف منها مساعدة القضاء على استجلاء علاقة
السببية اسنادا على معاير مختلفة
1 :السببية وفقا للنظريات الفقهية
نظرا لأهميتها في تحديد السلبية في حالة تداخل مجموعة من العوامل
والأسباب في إحداث الضرر إلى جانب خطأ المسؤول كالشخص الذي يتعرض لحادثة سير
فتتأخر سيارة الإسعاف في نقله للمستشفى وعلى اثر ذلك يتبين أنه غي حاجة إلى الدم
أكن المستشفى لا تتوفر على الدم وإلى حين إحضار الدم تتدهور حالته الصحية .ولأجل
ذلك نجد النظريات الفقهية التي اهتمت بموضوع السببية تتقاسم فكرة تتعلق بمعرفة ما
أذا كان بالإمكان اعتبار الخطأ سببا للضرر مثل كل لأسباب الأخرى التي ساهمت في
إحداثه أم يتعين ان تكون له مكانة خاصة وقوة سببية كبيرة تميزه عن باقي الأسباب
وللجواب على هذا السؤال العريض سنحاول الوقوف على نظرية تعادل الأسباب ونظرية
السبب المنتج باعتبارهم
أهم نظريتين فقهيتين في هذا المجال لا استجلاء المعيار المعتمد لدى كل
منهما في استخلاص السبب بين الخطأ والضرر.
2 :السببية وفقا لنظرية تعادل الأسباب
تعرف بنظرية تكافؤ الأسباب و فحواها تعادل أسباب النتيجة وتكافؤها
بمعنى كل العوامل التي تداخلت في إحداث الضرر تعتبر متساوية ومتعادلة في ذلك فلا
سبب يقوي أو يغطى السبب الأخر وهذه المساواة في قيمة السببية بين كل العوامل
المتداخلة كافية لاعتبار خطأ المسؤول سبب لحدوث الضرر وبالتالي اعتباره مسؤولا
اتجاه المتضرر . ويظيف أنصار هذه النظرية أن كل عامل لوحده يكون عاجزا عن تحقيق
النتيجة كما أن كل العوامل والأسباب مجتمعة لا يمكنها أحداث النتيجة إذا غاب عنها سبب واحد،فهذة النظرية تعرضت
للانتقادات فقهية عدة أهمها أنها تؤذي إلى نتائج تتنافى مع مبدأ التعادل الذي يقوم
عليه
3:معيار السببية وفقا لنظرية السبب المنتج
ظهرت على إثر الانتقادات التي وجهت للنظرية الأولى وتعتبر من أهم
النظريات الفقهية التي عالجت موضوع العلاقة السببية وتلقت إقبالا من طرف الفقه
الأوربي نظرا لمنطقية المعيار الذي تستند عليه حيث تقوم على التفرقة بين العوامل
المختلفة التي تداخلت في إحداث النتيجة ولا تساوي
بينهما فهي تتصف بطابع موضوعي بحيث لا تعتمد على توقيع المدعي عليه للنتيجة
ولا على ظروفه ولكن تعتمد على الفعل الذي يتوفر على الإمكانية الموضوعية للنتيجة
فهي لا تأخذ بعين الاعتبار العوامل والأسباب التي ساهمت في الضرر وإنما تنتقي
الملائم منها فقط.
5:موقف المشرع من النظريتين
بالرجوع إلى المقتضيات القانونية التي تستخلص منها ضرورة توافر علاقة السببية بين الخطأ
المرتكب والضرر الحاصل نستنتج أن المشرع المغربي يميل إلى الأخذ بنظرية السبب
المنتج ،حيث ألزم الفصل 77 ق.ل.ع مرتكب الخطأ بتعويض الضرر إذ ثبت أن الفعل هو
السبب المباشر في حصول الضرر
6:نفي العلاقة السببية
تنتفي بإثبات المدعى عليه السبب الأجنبي الذي يقطع العلاقة بين الخطأ
المرتكب من جانبه والضرر الحاصل للمدعي فيكمن
السبب الأجنبي في القوة القاهرة والحدث الفجائي وخطأ الغير و خطأ الغير
أولا: القوة القاهرة والحادث الفجائي
اعتبرهما المشرع من اسباب نفي المسؤولية التقصيرية من خلال الفصل 95
من ق.ل.ع.الذي ينص على أن"لا محل للمسؤولية المدنية في حالة الدفاع الشرعي
إذا كان الضرر فد نتج عن حدث فجائي أو قوة قاهرة يصطحبها فعل يواخذ به المدعى عليه
حيت عرف القوة القاهرة في الفصل 269 ق.ل.ع كل أمر لا تستطيع الإنسان أن يتوقعه
كالظواهر الطبيعية ولا يمكن تجنبه يدفع الشخص إلى لإخلال بالالتزام ويجعل تنفيذه
مستحيلا.
أ:شروط القوة القاهرة
1:ان يكون الحادث غير ممكن التوقع
حتى تنهض القوة القاهرة سببا أجنبيا يعفي المدين من المسرولية ويجب أن
يكون الحادث مما لا بمكن توقعه ومن الأمور
النادرة الوقوع التي يستبعدها الشخص من حسبانه والحادث الغير المتوقع ليس هو الحدث
الغيى المتصور ولكن الذي لا يمكن مواجهته .
2:أن يكون غير ممكن دفعه
يعتبر من أهم شروط القوة القاهرة لأنه يميز الحادث الذي يشكل هذه
القوة بأنه يفوق طاقة الإنسان وقدرته على مواجهته وتفادي أثاره السيئة[6] .
ثانيا :خطأ المضرور
يعتبرمن الأسباب الأجنبية المعفية من المسؤولية إلى جانب القوة
القاهرة والحادث الفجائي وإن كان المشرع لم يشر ذلك صراحة في الفصل 95 من ق.ل.ع
بأنه اعتبره سببا لإعفاء من المسؤولية في بعض صور المسؤولية كحارس الحيوان الفصل86
ق.ل.ع وحارس الشئ الفصل 88 ومسؤولية فعل الغير الفصل85 ق.ل.ع عكس المسؤولية
العقدية التي نص على ذلك في الفصل 268 ق.ل.ع .
ثالثا:خطأ الغير
هو شخص أجنبي عن الفاعل والمضرور وخطأ الغير يعفي الفاعل من المسؤولية
إذا كان هو السلب الوحيد في إحداث الضرر بأن استغرق خطئه الخطأ الصادر من الفاعل
فيبقى هذا الغير هو المسؤول اتجاه الشخص المتضرر ونفس الحكم يطبق إذا كان فعل
الغير من قبيل القوة القاهرة أو الحادث الفجائي
مثلا كالمسافر الذي يتعرض للسرقة من طرف لصوص الطريق .لكن ما يحصل
غالبا في الواقع العملي أن ينتج الضرر عن خطأ المدعي عليه وفعل الغير هنا يكون
المسؤولية متسوية كل طرف يتحمل مسؤوليته[7] .
المطلب الثاني :
الأثار المترتبة عن الفعل الشخصي :
إن قيام مسؤولية الشخص عن فعله رهينة بتوفر أركان
المسؤولية التقصيرية وشروطها من خطأ و ضرر وعلاقة سببية تجمع بين الخطأ والضرر
،فمتى توفرت هذه الشروط وجب على من أقدم على ارتكاب الفعل الضار ،تعويض من وقع
الضرر عليه لجبر ما أصابه ،وذاك إما بإتباع السبل الودية باتفاق الطرفان على مبلغ
معين أو تراضيهما بأي طريقة دون اللجوء إلى القضاء ،أو عن طريق اللجوء إلى
القضاء عند امتناع المسؤول عن تقديم التعويض لفائدة المتضرر.
ومن هنا يمكن التساؤل حول من هم أطراف دعوى المسؤولية ؟
وكيف يمكن للمتضرر إثبات الخطأ في جانب المسؤول ؟ وما هي طبيعة هذا التعويض ؟ وكيف
يتم تقديره ؟
الفقرة الأولى : أطراف دعوى المسؤولية وكيفية إثبات
الخطأ
يقصد بدعوى المسؤولية الدعوى التي يقيمها شخص يسمى
المتضرر ضد شخص أخر هو المسؤول من اجل الحكم له بتعويض يعادل ما أصابه من ضرر من
جراء فعل هذا الأخير،وذالك أمام المحكمة الابتدائية محل إقامة المسؤول أو أمام
المحكمة الابتدائية محل وقوع الفعل الذي سبب الضرر.
ولدراسة هذا المحور سنقسمه إلى قسمين ، سنتناول في القسم
الأول أطراف دعوى المسؤولية ،أما في القسم الثاني سنتطرق إلى الإثبات في دعوى
المسؤولية .
أولا: أطراف
دعوى المسؤولية
باعتبار أن دعوى المسؤولية دعوى تقوم أمام القضاء ،
فلابد من توفرها على أشخاص تقوم بينهم ،كما هو الحال بالنسبة لكافة الدعاوى ،و هم
المدعي والمدعى عليه.
ü
المدعي : المدعي في دعوى المسؤولية هو ذلك
الشخص الذي تعرض للضرر مادي أو معنوي ناتج عن فعل شخص أخر يستوجب التعويض ،فهو
وحده من يستطيع رفع دعوى المطالبة بالتعويض لكونه صاحب الصفة إن كان كاملة الأهلية
،أما إذا كان فاقدا للأهلية أو ناقصا لها فيجوز رفعها من قبل نائبه أو من يمثله.
أما إذا توفي المتضرر بعد رفع الدعوى وقبل الحكم له
انتقل حق التعويض إلى الورثة ،حيث تدخل تلك الدعوى ضمن عناصر التركة[8] ، هذا إن كان قد رفع الدعوى قبل الوفاة
فماذا عن حدوث الوفاة قبل رفع الدعوى.
ففي هذه الحالة وجب التميز بين ما إذ كان الضرر الواجب
التعويض ضرر مادي أو معنوي ،فإن كان الضرر ماديا كأن يكون لحق بأمواله ضرر أو نشأ
عن نفقات معالجته وتطبيبه قبل الوفاة ،فمن المجمع عليه أن للورثة الحق المطالبة
بالتعويض عن الضرر[9] ،أما بخصوص التعويض المعنوي فقد انقسم الفقه
إلا اتجاهين قسم يجيز انتقال حق المطالبة بالتعويض لورثته لكونه يتسم بطابع شخصي
،والقسم الثاني يرفض المطالبة به لتعلقه بالشخص المضرور وحده ، ولإمكانية مطالبتهم
بالتعويض عن ما لحقهم من ضرر معنوي.
ü
المدعى عليه :وهو الشخص الذي ارتكب عمل اجبيا
كان أم سلبيا ،سبب به ضرر للغير أوجب عليه تعويض الطرف المضرور ،وإذ توفي الشخص
المطالب بالتعويض انتقل الالتزام إلى تركته وذلك بعد حكم المحكمة أما إذا توفي قبل
رفع الدعوى جاز المتضرر رفع دعوى المسؤولية ضد كل الورثة أو ضد أحدهم.
ثانيا: إثبات
المسؤولية
قبل الحكم
لفائدة الشخص المضرور لا بد من إثبات
الخطأ الذي سبب الضرر ،ونسبته إلى المسؤول مع توضيح العلاقة السببية ،تكريسا
لقاعدة "البينة على المدعي واليمين
على من أنكر" فاستناد على هذه القاعدة وجب على المدعي إثبات الوقائع المسببة
للضرر بكل الحجج والأدلة وبجميع الطرق الثبوتية المنصوص عليها في قانون الالتزامات
والعقود وفق الفصل 404 مع التـأكيد على
البينة و القرائن ،ولا يمكن للمدعي التحلل من المسؤولية إلا بدحض قرينة
المدعي من خلال إثبات أن الضرر لا يرجع لخطئه وإنما يعود لسبب أجنبي[10] .
الفقرة الثانية : طبيعة التعويض و تقديره
لا يمكن لأي كان رفع دعوى أمام القضاء دون أن تكون له
مصلحة في ذلك تطبيقا لقاعدة "لا دعوى بدون مصلحة " فعند رفع الدعوى إلى
المحكمة يكون الغاية منها الحكم لصلح المدعي بشيء أو دفع ضرر أو الحكم بالتعويض
،وفي إطار دعوى المسؤولية يهدف المدعي عند لجوئه للمحكمة الحكم له بالتعويض من أجل
جبر الضرر الذي أصابه من طرف المسؤول .
فما طبيعة هذا التعويض ؟ وكيف يتم تقديره ؟
أولا :التعويض
إن موضوع الذي تنصب عليه دعوى المسؤولية هو التعويض
باعتباره المقابل الذي يقدمه المسؤول للطرف المضرور لإصلاح وجبر الضرر ،فقد يكون
تعويضا عينيا أو تعويضا نقدي كما قد يكون تعويضا غير نقدي .
ü
فالتعويض العيني هو إجبار المدعى عليه على
الوفاء بالالتزام كما تم الالتزام به ،وهو ما يعرف بالتنفيذ العيني للالتزام [11]، فإن كانت المسؤولية العقدية المجال الخصب
لمثل هذا التعويض ،ففي إطار المسؤولية التقصيرية يعد الحكم به نادر وقليلا كالحالة
التي يتخذ فيها الإخلال بالتزام قانوني صورة القيام بعمل يمكن إزالته كما إذ بني
شخص حائط في ملكه حجب الضوء عن جاره ،فتحكم المحكمة بالتعويض العيني بهدم الحائط
وإزالته.
ü
التعويض النقدي ويعد هو الأصل و المعمول به
في مجال المسؤولية التقصيرية يكن عبارة عن مبلغ من المال يقدم لفائدة المضرور
ليستعين به من أجل جبر الضرر المترتب عن خطأ المدعى عليه ،ويشترط في هذا التعويض
أن يكون متعادلا مع الضرر.
ü
أما بخصوص التعويض غير النقدي يمكن الحكم به
عندما يتعذر الحكم بالتعويض العيني وعدم تناسب التعويض النقدي مع طبيعة الضرر
كالضرر المعنوي المتعلق بالسب و القذف.
ثانيا : تقدير التعويض
يرجع تقدير التعويض للقاضي الموضوع مستعينا بسلطته
التقديرية الواسعة حيث يستقل في تحديده مع مراعاته لقواعد التي تحكم التعويض
والمتمثلة في
ü
أن يكون التعويض كامل بحيث يشمل الخسارة
الفعلية التي لحقت المضرور وكذا المصروفات التي أنفقها أو سيضطر إلى إنفاقها
لإصلاح نتائج الفعل المسبب للضرر[12]
ü
تقدير ما فات من كسب أو ربح من جراء تعرض
المضرور للضرر
ü
مراعاة مقدار الضرر لا جسامة الخطأ .
[4] ) عبد
الرزاق أحمد السنهوري ،الوسيط في شرح القانون المدني الجديد ،نظرية الإلتزام بوجه
،مصادر الإلتزام ص :779
[7] ) عبد القادر العرعاري
"مصادر الالتزامات والمسؤولية المدنية "الطبعة الثانية2005 مطبعة
الكرامة الرباط ص : 107 .109
[8] ) المختار بن أحمد عطار ،النظرية العامة
للالتزام في ضوء القانون المغربي ،مطبعة النجاح الجديدة – الدار البيضاء ، الطبعة
الأولى 2011 ،ص429