-->
مدونة المهن القانونية والقضائية .. مدونة  المهن القانونية والقضائية ..

الصورية في ظهير الالتزامات والعقود


كما هو معلوم تقوم العقود على مبدأ الرضائية، الذي يتمثل في إتفاق إرادة أطرف العقد على إحداث نتيجة معينة. هذه العقود قد تكون مكتوبة كما هو الحال عند إبرام عقد بيع عقار وقد تكون شفاهية. ويترتب على ذلك أنه يجب على كل فرد إحترام الإلتزمات الملقاة على عاتقه و تنفيدها، إلا أن المتعاقدين قد يلجئان إلى الصورية من أجل إخفاء حقيقة ما تم التعاقد عليه تحت ستار مظهر كاذب. فما هي الصورية ؟ وماهي أحكامها؟ وهذا ما سنتطرق إليه في الفقرتين التاليتين.
الفقرة الأولى: مفهوم الصورية
سوف نتطرق في هذه الفقرة إلى تعريف الصورية(أولا)، وشروطها (ثانيا) ثم بيان أنواعها (ثالثا).
أولا: تعريف الصورية
إن المشرع المغربي لم يعطي تعريفا للصورية، وقد أحسن صنعا في ذلك، لأن ذلك من إختصاص الفقه، الذي لم يبخل في وضع تعاريف عديدة للصورية، حيث عرفها البعض بأنه" توافق إرادتين على إخفاء ما إتفقا عليه سرا تحت ستار عقد ظاهر، فالعقد الصوري إذن هو عقد ينظمه الطرفان درا للرماد في أعين الغير".[1]
وعرفها البعض الأخر " يلجأ المتعاقدان إلى الصورية عندما يريدان إخفاء حقيقة ما تعاقدا عليه لسبب قام عندهما".[2]
أما البعض الأخر فعرفها بأنها "وضع ظاهر يخفي العلاقة القانونية بين المتعاقدين وهي على هذا النحو تفرض تصرف ظاهر و إتفاق مستتر".[3]
ورغم تعدد التعريفات الفقهية التي تبين مفهوم الصورية، إلا أن هذه التعريفات تتفق مع بعضها البعض على وجود عناصر أساسية من أجل تحقق الصورية وهي: وجود طرفين متعاقدين، ووجود عقدين مختلفين أحدهما ظاهر هو العقد الصوري والأخر مستتر هو العقد الحقيقي بالتالي لا يمكن تصور الصورية إلا في العقود الملزمة للجانبين، مثال ذلك أن يظهر زيد انه باع خالد عقار له، ثم يعقد الطرفان عقدا فيما بينهم، يعترف فيه خالد بوهمية البيع أو أن يذكر البائع والمشتري ثمنا ضئيلا في عقد البيع الذي تم عقده في العلانية، ويتم تحديد الثمن الحقيقي في عقد خفي.[4]
وقد تطرق المشرع المغربي للصورية في الفصل 22 حيث نص على أن" الإتفاقات السرية المعارضة أو غيرها من التصريحات المكتوبة لا يكون لها أثر إلا فيما بين المعاقدين و من يرثهما، فلا يحتج بها على الغير، إذا لم يكن له علم بها، ويعتبر الخلف الخاص غيرا بالنسبة لأحكام هذا الفصل".
 ثانيا: شروط الصورية
يشترط في الصورية توافر مجموعة من الشروط:
الشرط الأول: أن يوجد عقدان إتحدا فيهما الطرفان و الموضوع
الثابت أنه لا يمكن قيام الصورية إلا إذا وجد عقدان أحدهما جلي والأخر خفي، وأن يكون أطراف وموضوع العقد السري هم نفس أطراف وموضوع العقد الظاهر.
ولا يعني ذلك وجود الأطرلف بدواتهم وإنما يكفي وجودهم القانوني كما في حالة الوكالة وهذا على خلاف ما يشترطه المشرع من حيث الموضوع بحيث يلزم أن يكون موضوع العقدين واحد من حيث المحل، فإذا كان المحل في العقد المستتر هو بيع قطعة أرضية فلابد أن يكون هي نفسها محا للعقد الظاهر.
كما أن وجود عقدان لا يعني بالضرورة أن يكونا محررين  فالعقد إتفاق، و المحرر وثيقة مكتوبة، اللهم إذا كانت الوثيقة مكتوبة تجاوز القيمة المذكورة في الفصل 343 من قانون الإلتزمات العقود، عندها ينبغي إثبات خلافها عن طريق ما يسمى ورقة الضد.
الشرط الثاني: أن يختلف العقد من حيث الماهية أو الأركان أو الشروط
والمقصود من هذا الشرط إتجاه نية المتعاقدين إلى إخفاء ما تعاقدا عليه عن طريق الإلتجاء إلى التستر وراء عقد صوري، وهذا يعني نية المتعاقدين في تعديل أو إلغاء كل أو بعض أثار العقد الظاهر، وهذه الحالة يطلق عليها إصطلاحا إسم الصورية بطريق التستر لأنها تتناول نوع العقد لا وجوده، وذلك كالبيع في صورة الهبة.[5]
الشرط الثالث:أن يكون العقدان متعاصرين، فيصدران معا في وقت واحد
ومعنى هذه المعاصرة أو التزامن أن تتجه إرادة كلا الطرفين إلى إبرام العقد الصوري و العقد الظاهر معا، وذلك لكي لا يعتبر العقد الثاني ناسخا للعقد الأول أو مجرد تعديل له.
فالصورية إذا صدر العقد الثاني بعد العقد الأول، فإذا إتفق المتعاقدان على عقد بيع عقار ثم إتفقا فيما بعد على فسخه فلا قيام للصورية .[6]
وذهب الفقيه السنهوري إلى إعتبار المعاصرة ليس المقصود منها المعاصرة المادية بل تكفي المعاصرة الذهنية، أي تلك التي دارت في ذهن المتعاقدين، وإنعقدت عليها نيتهما وقت صدور التصرف الظاهر، ولو صدر بعد ذلك التصرف المستتر، على أنه يبقى لمحكمة الموضوع السلطة التقديرية في تحديد معاصرة التصرف المرتبط بالعقد وأن إختلف تاريخهما.[7]
الشرط الرابع: أن يكون أحد العقدين ظاهرا معلنا وهو العقد الصوري، والأخر مستتر وهو العقد الحقيقي.
ويعتبر هذا الشرط شرطا بديهيا، بل هو أساس الصورية ولحمتها، فلابد من وجود عقد ظاهر لا أساس له في الواقع، وعقد مسستر تذكر فيه الحقيقة، ويظل مخفي حتى تظهر الحاجة إليه لإثبات حقيقة الوضع، أما إذا كان العقد الظاهر هو نفسه العقد الحقيقي، والعقد المستتر هو العقد الوهمي، فلا حديث عن الصورية لأن المعول عليه هو العقد الظاهر إذا كان حقيقيا.
ثالثا: أنواع الصورية
يتبين لنا من خلال ما سبق أن الصورية تنقسم إلى قسمين: صورية مطلقة وصورية نسبية.
1-الصورية المطلقة
تكون الصورية مطلقة عندما تكون الصورية في أصل العقد أي عندما يكون العقد المنظم في السر قد عطل كل أثر للعقد المنظم في العلانية[8]. أوهي التي تنصب على وجود العقد، لأن المتعاقدين لم يقصدا بالتصرف الظاهر أن يترتب عليه أثار قانونية، فلا يكون للعقد الظاهر لا وجود له في الحقيقة، كأن يبيع المدين عقار له لزوجته من أجل عدم التنفيد عليه، دون أن يقصد بيعه فعلا لكي يتحقق له ذلك فإنه يحتفظ بورقة يبين فيها أن عقد البيع غير حقيقي، هنا يكون العقد الخفي أبطل كل أثار العقد الظاهر.[9]
2-الصورية النسبية
تكون الصورية نسبية عندما تكون مقتصرة على إخفاء ماهية العقد، أو شرط من شروطه، أو شخص أحد المتعاقدين.
فقد تقتصر الصورية النسبية على ماهية العقد الحقيقي و إظهار في شكل عقد من نوع أخر كما في بيع حصة شائعة في عقار يتخد في الظاهر شكل الهبة لمنع الشفيع من أخد الحصة المتصرف فيها بالشفعة.
وقد تقتصر على إخفاء شرط من شروط العقد، كما لو تواضع البائع المشتري في العقد الظاهر ثمن أقل من الثمن المتعاقد عليه  حقيقة في السر للحط من رسوم الفراغ المترتب للخزينة العامة.
وقد تكون الصورية نسبية إذا إقتصرت على إخفاء شخص أحد المتعاقدين، كما في التعاقد بطريق الإسم المستعار.
الفقرة الثانية: أحكام الصورية
بعدما تعرفنا على ماهية الصورية، وذلك بتعريفها، وتبيان شروطها وأنواعها، سنتطرق الآن لأحكام الصورية، عن طريق بيان آثارها (أولا)،تمييزها عن غيرها(ثانيا)، وإثباتها وتقادمها(ثالثا).
أولا: آثار الصورية
الصورية بحد ذاتها عمل مشروع ينتج آثارا قانونية[10]، غير أنه هذه الآثار تختلف حسب إذا كانت بين الأطراف(أ)، أو بالنسبة للغير(ب).
أ‌-  آثار الصورية بين المتعاقدين والخلف العام
إن الصورية ليس لها آثار إلا بين المعاقدين، وذلك ما جاء صراحة في الفصل 22 من ق.ل.ع المغربي:"الإتفاقات السرية المعارضة أو غيرها من التصريحات المكتوبة لا يكون لها أثر إلا فيما بين المعاقدين..."، ذلك أن العقد الظاهر كان في نية المتعاقدين شكليا لا قيمة قانونية له في الحقيقة، فمن الواجب إذن إهماله. أما العقد المستتر فقد كان هو ما يقصده المتعاقدان، فيجب إذن إعمال هذا العقد وتقييد الطرفين بأحكامه.
ولا يختلف حكم الخلف العام عن حكم المتعاقد نفسه، فالخلف العام تتمثل فيه شخصية المتعاقد المتوفى، والعقد الذي يسري بحقه هو العقد الحقيقي المستتر لا العقد الظاهر، وهذا ما أقره الفصل 22:"إن الإتفاقات السرية المعارضة أو غيرها من التصريحات المكتوبة لا يكون لها أثر إلا فيما بين المعاقدين ومن يرثهما..."[11].
ونجد بأن المشرع المصري قد سلك الإتجاه نفسه، إذ نص قانونه المدني في فصله 245:" إذا ستر المتعاقدان عقدا حقيقيا بعقد ظاهر، فالعقد النافذ فيما بين المتعاقدين والخلف العام هو الحقيقي"[12].
ب‌-               آثار الصورية بالنسبة للغير
تختلف آثار الصورية بالنسبة للغير بين الحالة التي يكون فيها الغير حسن النية أي غير عالم بالعقد المستتر(1)، وبين الحالة التي يكون فيها الغير سيء النية أي عالم بالعقد المستتر(2)، وقبل الغوص في هذه الآثار، يستحسن أن نبين مدلول الغير في بحر الصورية، يقصد بالغير في نطاق الصورية، كل من لم يكن طرفاً في العقد أو خلفاً عاماً لأحد طرفيه[13]، وبالمعنى الصحيح الضيق الأشخاص الآتي بيانها: خلف المتعاقدان الخاص كالمشتري أو الموهوب له أو المرتهن الذي كان يلزم بأحكام العقد لو لم يتخذ العقد شكلا مستترا؛ الدائنون العاديون الذين رغم تأثرهم بصورة غير مباشرة بالعقود التي يبرمها المدين يصبحون بحكم الغير إزاء ما يكون تم منها بطريق الصورية.
1-الغير حسن النية

إذا كان الغير حسن النية، فله أن يتمسك بالعقد الظاهر وأن يطالب بالحقوق التي تنتج عنه كما لو كان العقد المستتر لا وجود له، لهذا أعلن المشرع المغربي في الفصل 22 السالف الذكر" الإتفاقات السرية المعارضة أو غيرها من التصريحات المكتوبة لا يكون لها أثر إلا فيما بين المعاقدين و من يرثهما، فلا يحتج بها على الغير، إذا لم يكن له علم بها ..."، على أن من حق الغير إذا ما كانت له مصلحة في ذلك، أن يثبت الصورية فيستفيد من العقد المستتر، كما لو كان مثلا عقد الإيجار الحقيقي المنظم بين مدينه وبين المستأجر يتضمن أجرا أعلى من الأجر المصرح به في عقد الإيجار الظاهر، حيث يسوغ له التمسك بالأجر الحقيقي[14].
إذن إذا قامت الصورية، فهنا ينعقد الخيار للغير، فإما أن يتمسك بالعقد المستتر، وله أيضا أن يتمسك بالعقد الظاهر[15].
2-الغير سيء النية
إذا كان الغير سيء النية، أي إذا إذا كان تعاقد مع أحد طرفي العقد الصوري مع علمه بالصورية، فأحكام العقد الخفي هي التي تسري عليه[16].
والأصل هو حسن نية الغير الذي يتمسك بالعقد الصوري، وعلى من يدعي سوء النية إثباتها[17]. وذلك تطبيقا لقاعدة العامة "البينة على من ادعى".
وبالرجوع إلى حق الخيار الممنوح للغير حسن النية من شأنه أن يفضي إلى نزاع فيما بينهم، فقد تقضي مصلحة البعض منهم بالتمسك بالعقد الظاهر، بينما تقضي مصلحة البعض الآخر بالتمسك بالعقد المستتر، ولا يمكن بالطبع إعمال العقدين معا.
حل المعضلة يكون على صورتين: إما أن تعطى الأفضلية للعقد المستتر، لأن هذا العقد تضمن إرادة المتعاقدين الحقيقية، وإما أن تعطى الأفضلية للعقد الظاهر لأن هذا العقد وحده علم بأمره الغير.
ففي فرنسا بعد أن انقسم القضاء والفقه بين الحلين أجمعت الكلمة في نهاية الأمر على نبذ الحل الأول والأخذ بالحل الثاني الذي كان يدافع عنه منذ البداية القسم الأكبر من الفقهاء، وقد أخذت التقنينات الحديثة كالقانون المدني المصري والقانون المدني السوري بهذا الحل.
وفي المغرب يسلك القضاء الطريق الذي سلكه كل من الفقه والقضاء الفرنسيين، ويقر في حالة تضارب مصالح الغير أرجحية من يدلي منهم بالعقد الظاهر، رغم إنتفاء النص، ولاسيما أن هذا الحل هو السائد في التشريع المقارن[18].
ثانيا: تمييز الصورية عن ما يشابهها
تختلف الصورية عن بعض الصور لها تتشابه معها، وسنبين ذلك من خلال تمييزها عن التدليس(أ)، وعن التزوير(ب)، وعن التحفظ الذهني(ج).
أ-تمييز الصورية عن التدليس
تختلف الصورية عن التدليس بحيث أن الأولى تدبير وإحتيال من المتعاقدين صوريا ضد الغير بقصد غشه أو إخفاء أمر معين عنه، أما التدليس فتدبير واحتيال يقوم به أحد المعاقدين ضد المتعاقد الآخر لإيهامه وحمله على التعاقد. والأساس الذي يعيب العقد المبرم تحت التدليس هو ذلك الوهم الذي حصل في ذهن المتعاقد الآخر فحمله على إبرام العقد.
وقد تجتمع الصورية والتدليس معا، كاتفاق البائع والمشتري على بيع صوري، ثم يعطي المشتري البائع سندين بتوقيع مزور[19].
ب- تمييز الصورية عن التزوير
إن مفهوم الصورية يتفق مع التزوير في كلا منهما ينطوي على تشويه وتحريف مقصود الحقيقة، ولا يقتصر إستخدامهما على السندات العرفية بل على السندات الرسمية أيضا، إلا أن الصورية تختلف عن التزوير في أنها تكون بعلم الطرفين وإتفاقهم، في حين أن التزوير يكون بفعل أحد المتعاقدين دون علم المتعاقد الآخر، كما أن الصورية تتمثل في التهرب من أحكام القانون، أو الإضرار بحقوق الغير...أما التزوير فهي غش سائر الأطراف الذين لا يعلمون به من أجل تحقيق مصالح شخصية، كذلك فإن الصورية ينظمها القانون المدني ولا يترتب عليها جزاء جنائي، في حين أن التزوير ينظم أحكامة القانون الجنائي ويترتب عليه جزاء جنائي[20].
ج- تمييز الصورية عن التحفظ الذهني
تتميز الصورية عن التحفظ الذهني في كون هذا الأخير يظهر أحد المتعاقدين إرادة وتختلف عن إرادته الحقيقية، لكن دون أن يتفق مع الطرف الآخر على إرادته الباطنة، بمعنى مخالفة الإرادة الظاهرة للإرادة الباطنة، وهي تختلف عن الصورية التي تتجه فيها إرادة الطرفين إلى وجود إتفاقين أحدهما ظاهر لا يتفق مع الإرادة الحقيقية والآخر خفي يتفق معها[21].
ثالثا: الإثبات في الصورية وتقادمها
سنتطرق في البداية إلى قواعد الإثبات في الصورية (أ)، وفي التالي سنعالج تقادمها(ب).
أ‌-       قواعد الإثبات في الصورية
 تختلف قواعد الإثبات في الصورية حسب إذا كان بين المتعاقدن وخلفهما العام(1)، أو بالنسبة للأغيار(2).
1-قواعد الإثبات في الصورية بين المتعاقدين والخلف العام
تقضي القواعد العامة بوجوب إثبات التعاقدات الكتابية بالكتابة، وهذا ما ذهب إليه الفصل 444 من ق.ل.ع المغربي الذي ينص على أنه:"لا تقبل بين المتعاقدين شهادة الشهود للإثبات ما يخالف أو يجاوز ما جاء في الحجج، ولو كان المبلغ أو القيمة يقل عن القدر المنصوص عليه في الفصل[22]443".
إلا أن هناك حالات إستثنائية يمكن فيها للمتعاقدين أو الخلف العام أن يثبتوا التعاقدات الكتابية بالشهادة، وذلك بمقتضى الفصلين 419 و 448 من ق.ل.ع المغربي[23].
بالنسبة للحالة الأولى يتطلب إثبات الصورية بين طرفي العقد الصوري وخلفهما العام كقاعدة عامة بالكتابة كأصل، وذلك في حالة ما إذا زادت قيمة التصرف عن 10.000 درهم، أو إذا كان التصرف الصوري ثابتا في محرر، حتى ولو لم يتجاوز قيمة 10.000 درهم، وذلك تعاملا بالمبدأ الذي يقضي بأنه لا يمكن إثبات ما يخالف ما ورد كتابة إلا بالكتابة[24]. وهذا ما نص عليه الفصل 444 كما سبق الإشارة إلى ذلك، فالأصل إذن يتجلى في أنه على كل طرف في عقد ما ادعى صورية ذلك العقد وطعن فيه بأنه مجرد عقد ظاهر يخفي عقدا مستترا وجب عليه أن يقيم الحجة على ذلك، بإثبات وجود العقد المستتر بدليل كتابي وبمدأ الثبوت بالكتابة المعززة بالشهادة والقرائن، من ذلك أن تكون هذه الأخيرة دالة على إحتمال الصورية، وعلى العكس من هذا فالغير الذي يكون من مصلحته أن يطعن في العقد الظاهر، فإنه يتأتى له أن يثبت الصورية بجميع الوسائل، وفي جملتها شهادة الشهود والقرائن[25].
أما بالنسبة للحالة الثانية: إذا كانت القاعدة تقضي أنه بين طرفي العقد الصوري وخلفهما العام في مجال إثبات الصورية، في حالة ما إذا زادت قيمة التصرف عن 10.000 درهم، أو إذا ما كان ذلك التصرف الصوري ثابت في محرر بوجوب إثبات بدليل خطي وبمبدأ الثبوت بالكتابة، فإنه يجوز لهم أن يثبتوا الصورية إستثناءا بشهادة الشهود، وبمجرد القرائن حتى، وذلك عندما تكون الصورية تستهدف الإحتيال على القانون، أي عندما يكون رضى أحد المتعاقدين صوريا مشوبا بالإكراه أو التدليس[26].
ولقد أكد على هذا القضاء المغربي م خلال ما جاءت به المحكمة الإبتدائية بالدار البيضاء في حالة يوجد فيها إحتيال:" أن صورية العقد يمكن إثباتها بمجرد القرينة ويمكن للقاضي أن يرفض الإثبات بواسطة الشهود المقترح من طرف المدعى عليه لإقامة الدليل المعاكس إذا كان القاضي يعتبر أن الأدلة المتوفرة كافية للإثبات"[27].
2- إثبات الصورية بالنسبة للغير
بالنسبة للغير يجوز إثبات الصورية بجميع وسائل الإثبات بما فيها الشهادة والقرائن، ومرد ذلك أن الصورية بالنسبة إليهم مجرد واقعة، والوقائع يجوز إثباتها بكافة وسائل الإثبات[28].
كما أن المنطق يقضي بتسهيل مهمة الغير وتخويله حق إثبات الصورية بالشهادة والقرائن، ولأنه أيضا لا يتحمل مسؤولية أي إهمال له في عدم حصوله على دليل خطي من المتعاقدين يثبت إقدامهم على الإثبات الصوري[29].
وقد ذهب المجلس الأعلى في شأن هذا الموضوع حول صورية السبب، إلا أن المدعي في هذا الشأن عليه أن يثبت ذلك بكافة وسائل الإثبات[30].
من خلال ما سبق يستشف أن الغير عن العقد الصوري يمكن له أن يثبت الصورية بالقرائن وشهادة الشهود... .
ب‌-         تقادم الدعوى الصورية

إختلف الفقه في موضوع تقادم دعوى الصورية، فمنهم من قال بأن دعوى الصورية تخضع للتقادم العادي كغيرها من الدعاوى. وفريق آخر يقول بعدم تقادم دعوى الصورية مطلقا[31]. معللين بذلك بأن الزمن ليس من شأنه أن يمنح الوجود لعمل لا وجود له.
ولكن يتفقون على أن الحقوق والإلتزامات الواردة في دعوى الصورية يطالها التقادم. لأن التقادم وسيلة لإكتساب الحقوق وإنهائها وكون أن الحق منبعثا عن عقد مستتر لا يمكن أن يِؤثرعلى طبيعة هذا الحق ويجعله غير قابل للتقادم.

فإذا أراد الموهوب مثلا الطعن في صورية الهبة و القول أنها تخفي بيعا مستترا فإن دعواه لا تخضع للتقادم وينبغي سماعه في كل وقت، ولكنه لو ادعى بضمان العيب الخفي بعد إنصرام سنة على حيازته للعقار فإن دعواه لا تسمع لتقادم حق المطالبة بضمان العيب حسب الفصل 573 من ق.ل.ع، وإخفاء البيع بعقد هبة لا يؤثر على مبدأ تقادم الحقوق.

وعليه فإن لا مجال لتطبيق الفصل387 من ق.ل.ع على هذه الدعاوى لأنها دعاوى لا يطالها التقادم ولكن الحقوق والإلتزامات النابعة من هذه الدعوى تتقادم حسب القواعد المقررة للتقادم.

ولكن إذا صدر حكم تضمن إعلان الصورية فهل يكون نسبيا يشمل المتقاضين وحدهم أو يكون مطلقا يتعدى دائرة المتقاضين وينطبق على الغير بما فيهم الدائنين؟

إن المشرع المغربي لم يقدم حلا لهذا الموضوع وبقي ساكتا، والرأي الراجح يذهب إلى القول بنسبية الحكم المتضمن إعلان الصورية لأن هذا الإتجاه ينسجم مع مبدأ نسبية الشيء المقضي به من جهة ويتفق مع مبدأ وجوب إحترام حق الغير في التمسك بالعقد الظاهر رغم قيام العقد المستتر، ولا يجب أن نزيل هذا الحق من صاحب المصلحة لا لشيء إلا أن أحد المتعاقدين أو أي شخص آخر رغب في إستصدار حكم بإعلان الصورية، فحماية الغير أولى من إعلان الصورية[32].



[1]  مأمن الكزبري: مرجع سابق،ص:294.
[2]  عبد الرزاق أحمد السنهوري: مرجع سابق، ص:1073.
[3]  سلطان أنور:أحكام الإلتزام  الموجز في النظرية العامة للإتزام ، مطبعة دار النهضة العربية للطباعة و النشر، طبعة 1980، ص:152.
[4]  مأمون الكزبري،  مرجع سابق، ص: 294
[5]  مصطفى حتيتي وعبد الرحمن أسامة، النظرية العامة للإلتزمات،المطبعة غير مذكورة، سنة 2004، ص:256.
[6]  المختار بن أحمد العطار: النظرية العامة للإلتزمات في ضوء القانون المغربي، ص:251.
[7]  عبد الرزاق السنهوري مرجع سابق،ص:1077.
[8]  مأمون الكزبري: مرجع سابق، ص:295،(بتصرف).
[9]  عبد الودود يحيى: الموجز في النظرية العامة للإلتزمات، أحكام الإلتزام، دار النهضة العربية،طبعة1987، ص:107.
[10]  مأمون الكزبري، م.س، ص296.(بتصرف).
[11]  مأمون الكزبري، نفس المرجع السابق، ص296،(بتصرف).
[12]  عبد الرزاق السنهوري، م.س، ص1082.
[13]  أيمن أبو العيال، الصورية ودعوى الطعن بها، مجلة جامعة العلوم الإقتصادية والقانونية، المجلد 20 – العدد الأول 2004، ص57.
[14]  مأمون الكزبري، مرج سابق، ص297 (بتصرف).
[15]  عبد الرزاق السنهوري، مرجع سابق، ص 1096 و1099 بتصرف.
[16]  مأمون الكزبري، مرجع سابق، ص298(بتصرف).
[17]  أيمن أبوالعيال، الصورية و دعوى الطعن بها. مرجع سابق، ص58.
[18]  مأمون الكزبري، مرحع سابق، ص298و 299 و300 – بتصرف-.
[19]  عدنان عبد الهادي حسن حسان، أحكام العقود الصورية في الفقه الإسلامي، شهادة لنيل شهادة الماجستر في الفقه المقارن،الجامعة الإسلامية غزة، كلية الشريعة والقانون، السنة الجامعية2006م، ص96و97.
[20]  عرفات نواف فهمي مرداوي، الصورية في التعاقد "دراسة مقارنة"، رسالة لنيل شهادة الماجستر في القانون الخاص، كلية الدراسات العليا نابلس، فلسطين، السنة الجامعية 2010، ص 25 و 26 بتصرف.
[21]  تيغرمت جهيدة و بركان سلوى، الصورية في التعاقد، مذكرة لنيل شهادة الماستر في شعبة القانون الخاص، جامعة عبد الرحمن ميرة، كلية الحقوق والعلوم السياسية، السنة الجامعية 2012/2013، ص12.
[22]  الفصل 443 من ق.ل.ع جاء فيه"الاتفاقات وغيرها من الأفعال القانونية التي يكون بشأنها أن تنشئ أو تنقل أو تعدل أو تنهي الإلتزامات أو الحقوق، والتي يتجاوز مبلغها أو قيمتها 10.000.درهم، لا يجوز إثباتها بشهادة الشهود. ويلزم أن تحرر بها حجج رسمية أو عرفية، وإذا اقتضى الحال ذلك أن تعد بشكل إلكتروني أو توجه بطريقة إلكترونية".
[23]  المجلة المغربية: القانون و الإقتصاد والتنمية، العدد 1984، الدار البيضاء، ص 142.
[24]  ذ.عبد الكريم شهبون، الشافي في شرح قانون الإلتزامات والعقود، بدون مطبعة وتاريخ الطبعة، ص 138.
[25]  قرار صادر عن محكمة الإستئناف بالناظور بتاريخ 26/09/2000، في الملف العقاري عدد 99/14.
[26]  إدريس العلوي العبدلاوي، وسائل الإثبات في التشريع المدني المغربي، الجزء الأول، الطبعة الأولى 1971، بدون مطبعة. ص338.
[27]  حكم عدد124 بتاريخ 5/12/1960، مجلة القضاء والقانون، السنة الرابعة، العدد37، مارس1961، ص345.
[28]  مأمون الكزبري، م.س، ص301.
[29]  إدريس اللوي العبدلاوي، مرجع سابق، ص340.
[30]  قرار ادر عن المجل الأعلى بتاريخ 19/02/2003، تحت عدد315 في الملف عدد781/99.
[31]  مأمون الكزبري، م.س، ص303.
 زيد قادري الترجمان، المصادر الإرادية للإلتزام وفق قانون الإلتزامات والعقود المغربي، مطبعة الدودي دمشق، طبعة 2007، ص 279.[32]

التعليقات



إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

باحث في المجال القانوني حاصل على الماستر المتخصص في المهن القانونية والقضائية بكلية

جميع الحقوق محفوظة

مدونة المهن القانونية والقضائية ..

2016