-->
مدونة المهن القانونية والقضائية .. مدونة  المهن القانونية والقضائية ..

الدعوى المدنية التابعة


تقــــد يـــــــــم

يترتب عن وقوع الجريمة نشوء مسؤوليتين على عاتق مرتكبها، الأولى مسؤولية جنائية الهدف من إقرارها هو من حماية المجتمع من كل فعل أو امتنع يهدد أمنه ومصالحه الأساسية، حيث أن هذه الجريمة أو الفعل المخالف للقانون يضر بالمصلحة العامة أو المصالح الأساسية للمجتمع، ويتخذ الجزاء في هذا المسؤولية طابع زجري في شكل عقوبة تطال مرتكب الجريمة شخصياً.
لكن في بعض الأحيان يترتب عن نفس الجريمة أو الفعل المخالف بالإضافة للمسؤولية الجنائية مسؤولية مدنية تابعة، تقوم هذه الأخيرة عندما يضر الفعل المخالف أو الجريمة المرتكبة بالمصالح الخاصة للأغيار، فيترتب في ذمة مقترف هذه الجريمة إصلاح هذا الضرر عن طريق تعويض الطرف المتضرر، إذن فالغاية من إقرار هذه المسؤولية هو حماية مصلحة خاصة، هي مصلحة المتضرر، لذلك يمكنه التنازل عن حقه في المطالبة بالتعويض لارتباط ذلك بمصلحته الشخصية، ويؤخذ الجزاء في المسؤولية المدنية صورة تعويض يمنح لطرف المتضرر جبراً للضرر الذي لحقه.
فالمسؤولية المدنية إذن نهي المؤاخذة عن الأخطاء التي تضر بالغير وذلك بإلزام المخطئ بأداء التعويض للطرف المضرور وفقاً للطريقة والحجم الذين يحددهما القانون. وتفيد أيضا الضرر الناتج عن فعله[1].
إذا كان الوضع في الوقت الحاضر قد استقر على أن لكل من المسؤولية المدنية والجنائية أحكاما مستقلة تتميز إحداهما عن الأخرى، فإن الأمر لم يكون كذلك لذا معظم التشريعات القانونية القديمة، فلم يظهر الفصل بين المسؤوليتين عند الرومان سوى في قانون الألواح الاثني عشر الذي فصل بين الجرائم الخاصة التي تستتبع التعويض والجرائم العامة التي تستوجب الزجر والعقاب[2]، لكن هذا الفصل بين المسؤوليتين كان محصور في قائمة بعض الجرائم التي يلزم فيها مرتكبها بأداء غرامة أو تعويض من نوع خاص، واستمر هذا الوضع على هذه الوتيرة في ظل القرون الوسطى إلى أن تم الفصل بين المسؤوليتين المدنية والجنائية في النصف الثاني من القرن الثامن عشر.
وبالعودة للحديث عن المسؤولية المدنية في الوقت الحالي، فإن المتضرر إذا أراد الحصول على تعويض في إطار المسؤولية المدنية فيجب عليه اللجوء إلى القضاء وذلك بإقامة دعوى تسمى الدعوى المدنية التابعة للدعوى العمومية، وهي الدعوى التي يقيمها أمام القضاء المدني أو الزجري حسب الأحوال كل من تعرض شخصياً لضرر مادي أو معنوي تسببت فيه الجريمة مباشرة. وهذا ما سيكون موضوع هذا البحث.
فما هو موضوع وسبب الدعوى المدنية التابعة؟ وكيف تمارس هذه الدعوى؟ وما هي أسباب انقضائها؟
للإجابة عن هذه التساؤلات وأكثر سنقسم هذا البحث إلى مبحثين :

المبحث الأول : أطراف وموضوع الدعوى المدنية التابعة
المبحث الثاني : ممارسة الدعوى المدنية التابعة وأسباب انقضائها








المبحث الأول : أطراف وموضوع الدعوى المدنية التابعة 

كما أشرنا منذ البداية فالمقصود بالدعوى المدنية في المسطرة الجنائية الطلب الذي يقدمه المتضرر أمام المحكمة الجنائية بقصد الحصول على تعويض الضرر الذي لحقه من الجريمة المعروضة على هذه المحكمةٌ، ويستفاد من ذلك أن الدعوى المدنية كغيرها من الدعاوى لها طرفان مدع ومدعى عليه وأن موضوعها هو تعويض الضرر الناتج عن الجريمة، وأنها تقدم إلى المحكمة المعروضة عليها الدعوى العمومية فهي بذلك تعتبر تابعة لها وأخيرا فالدعوى المدنية هذه تخضع لشروط فرضها القانون لممارستها كما أن لها أسباب تنقضي بها[3].
ولهذا فإننا سنعرض الدعوى المدنية التابعة ففي البداية سنتطرق لأطرافها وموضوعها أو لسبب إقامتها من خلال مطلبين الأول سنخصصه للحديث عن (طرفي الدعوى المدنية) ثم المطلب الثاني سنعالج فيه (موضوع وسبب إقامة الدعوى المدنية).
المطلب الأول : طرفا الدعوى المدنية التابعة 
طرفا الدعوى المدنية التابعة كما أشرنا هما المدعي والمدعى عليه فالمدعي هو المتضرر مباشرة من الجريمة سواء كان مجنيا عليه أو ألحقه الضرر من وقائع الجريمة دون أن يكون معتدى عليه شخصيا،أما المدعى عليه فهو المتهم مرتكب الجريمة أو المساهم أو المشارك فيها وورثة هؤلاء أو المسؤولين عنهم مدنيا[4]. لذا فإننا سنعرض لطرفي الدعوى المدنية في فقرتين نتناول في الأولى(المدعي)والثانية (المدعى عليه).
الفقرة الأولى : المدعي
طبقا لما ورد في المادة 7 من قانون المسطرة الجنائية يرجع الحق في إقامة الدعوى المدنية للمطالبة بتعويض الضرر الناجم عن جناية أو جنحة أو مخالفة، إلى كل من لحقه ضرر ذاتي أو معنوي تسببت فيه الجريمة مباشرة وأضافت المادتان 9و10 من نفس المسطرة أن هذه الدعوى يمكن أن تقدم أمام المحكمة الزجرية إلى جانب الدعوى العمومية المرفوعة إليها أو إلى المحكمة المدنية المختصة ،وبمقتضى القواعد القانونية العامة يجب أن يكون كل مدع متوفرا على الشخصية القانونية وعلى أهلية التقاضي وبالإضافة إلى ذلك تشترط المادة 7 السالفة إلى ضرورة وجود ضرر وأن يلحق هذا الضرر المدعي شخصيا، وأن يكون ناشئا عن الجريمة مباشرة لذلك سنقوم بعرض هذه الشروط تباعا كالتالي :
1-أن يتوفر المدعي على شخصية قانونية وعلى أهلية التقاضي 
بحيث يجب أن يكون الشخص طبيعيا أو معنويا يعترف له القانون بالشخصية القانونية الاعتبارية وبحق التقاضي كما يستوي أن يكون الشخص المعنوي من أشخاص القانون العام أومن الخاص. ويرجع في معرفة توفر المدعي إذا كان شخصا اعتباريا على الشخصية القانونية إلى القانون المنظم لنوع الأشخاص المعنوية التي ينتمي إليها كقانون الجمعيات وقانون الشركات إذا كان المدعي جمعية أو شركة مثلا أو إلى القانون المنظم له بصفة خاصة مثل المكتب الوطني للنقل ومكتب السكك الحديدية ونقابة المحامين وعلى كل حال فالمدعي هو الملزم بإثبات صفته وتوفره على الشخصية التي تخوله حق التقاضي[5].
أما فيما يتعلق بأهلية التقاضي فإن صفة المدعي بالحق المدني للمضرور في الجريمة لا تثبت إلا إذا كان يتوفر في حقه أهلية التقاضي أي متمتعا بالأهلية للممارسة حقوقه المالية ولا تثبت هذه الأهلية إلا للشخص البالغ الرشيد وسن الرشد القانوني 18 سنة شمسية كاملة فكل شخص بلغ سن الرشد ولم يثبت سبب من أسباب نقصان أهليته أو انعدامها كامل الأهلية لمباشرة حقوقه،أما فاقدو الأهلية وناقصوها فيخضعون بحسب الأحوال لأحكام الولاية أو الوصاية أو التقديم بالشروط ووفقا للقواعد المقررة في مدونة الأسرة ،ويعتبر المحجوز كامل الأهلية فيما أذن له وفي التقاضي فيه والحجز القانوني كعقوبة تبعية يحرم المحكوم عليه من مباشرة حقوقه المالية طوال مدة التنفيذ العقوبة الأصلية،وللمحكوم عليه في جميع الأحوال أن يختار وكيلا ينوب عنه في مباشرة تلك الحقوق ،تحت إشراف الوصي القضائي.
2-أن يلحق المدعي ضرر شخصي 
لا تختلف عناصر وشروط الضرر في الدعوى المدنية أمام المحكمة الجنائية عن عناصر وشروط الضرر في المسؤولية التقصيرية، لذلك يمكن القول أن المتضرر من الجريمة يحق له طلب التعويض عن الضرر سواء كان حالا أو مستقبلا،ماديا أو أدبيا ،فالضرر المادي يتكون من الخسارة التي تلحق المتضرر وما يفوته من كسب بسبب الجريمة متى كانت الخسارة والكسب قيمة مالية ويشمل ضياع الكسب المستحق للتعويض ما يضيع عن المتضرر بسبب تفويت فرصة عليه كان ينتظر منها كسبا معينا شريطة إثبات العلاقة السببية بين الجريمة وبين ضياع الكسب الذي كان منتظر من الفرصة المفوتة، وهناك الضرر المعنوي الجدي هو ألا يكون احتماليا أن يكون محققا لا محتملا، ولأن يلحق الضرر المدعي شخصيا وخذا ما اقتضته المادة الأولى من المسطرة المدنية  أنه لا يصح التقاضي إلا ممن له الصفة فالدعوى وسيلة لحماية الحقوق الشخصية أما الحسبة أي التبرع في الإدعاء برفع الدعوى لمصلحة الغير فغير مقبولة إلا في حدود النيابة الاتفاقية أو القانونية ولا فرق في تطبيق هذه القاعدة بين رفع دعوى التعويض أمام محكمة جنائية أو محكمة مدنية[6].
3- أن يتضرر من الجريمة مباشرة 
وهو شرط ثالث يتعين توفره في المدعي أن يكون قد تضرر من الجريمة موضوع المتابعة وخذا الشرط يبرز في الواقع حدود اختصاص القضاء الجنائي بالدعوى المدنية التابعة، إن الفصل بين القضاء المدني والجنائي ووضع مسطرة مستقلة لكل واحد يقتضي اقتصار كل جهة منهما على نوع واحد من القضايا المدنية أو الجنائية دون النوع الآخر[7].
ومن أهم الأسباب العملية التي أدت إلى طرح الدعوى المدنية التابعة على المحكمة الجنائية هي :
1) مراعاة شعور المجني عليه في المساهمة في التحقيق الجنائي وإثبات الجريمة ضد الجاني.
2) استفادة ضحية الجريمة من إجراءات القضاء الجنائي .
3) الرغبة في توفير الجهد والعمل وتفادي تكرار القضايا والإجراءات لأسباب شكلية محضة، فالمحكمة الجنائية بعد أن تتقصى وقائع الجريمة وتناقشها تكتمل لديها ولا شك عناصر الضرر اللاحق بالضحية،ومن مصلحة المتقاضين بل ومصلحة التنظيم القضائي ذاته.
الفقرة الثانية : المدعي عليه 
تقام الدعوى المدنية على مرتكبي الجريمة وعلى المساهمين أو المشاركين فيها وكذلك على ورثتهم أو المسؤولين عنهم مدنيا[8]، ويتضح لنا أن الإدعاء المدني يكون ضد المتهم،الورثة، المسؤول عن الحقوق المدنية.
أولا :المتهم 
المدعى عليه في الدعوى المدنية أمام المحكمة الجنائية هو بطبيعة الحال المتهم لأنه المتابع في الدعوى العمومية والدعوى المدنية التابعة لها وترمي إلى التعويض عن الضرر الناتج موضوع المتابعة،ويستوي أن يكون المتهم متابعا بوصفه فاعلا وحيدا أو مساهما أو شريكا ،وتجوز مقاضاة المتهم بالتعويضات المدنية سواء كان شخصا معنويا مادام القانون الجنائي أجاز الحكم على الشخص الاعتباري بالعقوبات والتدابير المنصوص عليها في المادة 127 من القانون الجنائي،أما إذا تعدد المتهمون في الجريمة أمكن للمتضرر أن يطالب الحكم عليهم جميعا أو على واحد منهم باختياره ولا فرق في ذلك بين الفاعل الأصلي والمساهم والمشارك[9].

ثانيا : الورثة 
لا يتأتى الإدعاء عليهم في الدعوى المدنية إلا في صورة إدخالهم لمواصلة إجراءاتها بعد موت المتهم الذي كان مدعي عليه في طلب التعويض ، فلا يمكن توجيه الدعوى ضدهم ابتداء لأن الدعوى المدنية تابعة للدعوى العمومية إذا سقطت هذه بموت المتهم تعذر رفع الدعوى المدنية بعد ذلك إلى المحكمة الجنائية وهناك حالتين لدخول الورثة كمدعى عليهم :الحالة الأولى : أن تكون الدعويان معا أمام المحكمة ويموت المتهم فتسقط الدعوى العمومية بموته وتواصل إجراءات الدعوى المدنية في مواجهة الورثة طبقا المادة 12 من المسطرة التي تقضي ببقاء الاختصاص للمحكمة الجنائية في الدعوى المدنية بعد سقوط الدعوى العمومية.والحالة الثانية : أن تكون الدعويان معا أمام المحكمة أيضا ثم تنتهي الدعوى العمومية قبل وفاة الموروث بالتقادم أو العفو أو إلغاء القانون أو بصدور حكم اكتسب قوة الشيء المحكوم به وتواصل إجراءات الدعوى المدنية وحدها في مواجهة الموروث وبعد موته يخلفه الورثة فيها بصفتهم مدعى عليهم[10].
ثالثا :المسؤول عن الحقوق المدنية 
يقصد بالمسؤول مدنيا الأشخاص الذين يقرر القانون مسؤوليتهم عن تعويض الأضرار التي يتسبب فيها خطأ غيرهم ،ولقد تعرض لهم قانون الالتزامات والعقود في المواد 79و85و85 مكرر وخم الدولة والبلديات والأبوان والمتبوعين وأصحاب الحرف وأخيرا الأقارب ومن يلتزم برقابة مختلي العقل، وأضافت النصوص الخاصة المقدمين والأولياء ويرجع في معرفة شروط مسؤولية كل واحد من هؤلاء وحدودها إلى أحكام المسؤولية عن الغير في نظرية الالتزام وتكون المحكمة الزجرية مختصة أيا كان الشخص الذاتي أو المعنوي الخاضع للقانون المدني المسؤول عن الضرر كما أنها لم تختص إزاء كل شخص معنوي خاضع للقانون العام إذا كانت دعوى المسؤولية ترمي إلى تعويض أضرار تسببت فيها وسيلة نقل[11]
    المطلب الثاني : موضوع وسبب الدعوى المدنية التابعة  
إذا كان موضوع الدعوى العمومية هو المطالبة بإنفاذ الجزاء على المخالف للقانون الجنائي، فإن موضوع الدعوى المدنية التابعة يكون في حق المتضرر طلب رفع وجبر الأضرار اللاحقة من جراء الجريمة ولا يكون ذلك إلا بالتعويض عن ذلك ( الفقرة الأولى )، فالضرر الذي أحدثته الجريمة للغير يعد سبب الدعوى المدنية التابعة، ويجب أن يتم إثباته وفق شروط الخاصة التي حددتها له المادة 7 من قانون المسطرة الجنائية - شخصية الضرر، وعلاقته المباشرة بالجريمة – حتى يتأتى له الإنتصاب طرفاً مدنياً أمام القضاء الزجري من أجل تعويضه ( الفقرة الثانية ).
  الفقرة الأولى : موضوع الدعوى المدنية التابعة 
الحكم الجنائي قد يفصل زيادة على البت في الدعوى العمومية في المصاريف وفي الرد، وقد يحكم بتعويض ليس ناتجاً عن دعوى مدنية تابعة، وقد يحكم بتعويض ناتج عن الدعوى المدنية وهذا النوع الأخير من التعويض هو موضوع الدعوى المدنية التابعة دون سواه[12].
فتنصب الدعوى المدنية على المطالبة بالتعويض عن الضرر، وكذلك على استرداد ما تم حجزه، وترمي كذلك إلى استرداد ما تم دفعه بمثابة مصاريف الدعوى.
أولا : التعويض
التعويض باعتباره الموضوع الرئيسي للدعوى المدنية التابعة، ويقصد به في معناه الضيق " المقابل الذي يطالب به المتضرر لإصلاح ما لحقه شخصياً من الجريمة مباشرة عن أضرار "[13]، وعلى القضاء تكليف صريح من القانون بأن تكون التعويضات المدنية المحكوم بها محققة للمتضرر تعويضاً كاملاً عن الضرر الشخصي الحال والمحقق الذي أصابه من الجريمة[14].
تحدد المحكمة مقدار التعويض على أساس جسامة الضرر الذي لحق المضرور من الجريمة، وتقدير التعويض أمر موضوعي بيد محكمة الموضوع ولا رقابة لمحكمة النقض عليه، فالمحكمة تقدره بعد مناقشتها لوقائع القضية والاقتناع بثبوتها في إطار سلطتها التقديرية وتفحصها لوسائل الإثبات وتأكدها من حقيقة الأضرار، أو حصول الضرر بشروط القانونية مستنداً في ذلك لعدة عناصر منها مدى مشاركة المتضرر في إحداث الضرار – كإستفزاز الضحية للمتهم – وطبيعة النشاط المجرم الذي أدى إلى الضرار سواء أكان عمدياً أو كان نتيجة خطأ ( الفصل 98 من قانون الإلتزامات والعقود ) وحالة المسؤول عن الضرر المادية من فقر وغنى – وإن كان هذا الأمر يلقى معارضة البعض – وموقف

القانون الذي يفرض أحياناً حدوداً للتعويض ينبغي إتباعها من القضاء – كما هو مبين مثلاً في جداول التي أوجدها ظهير 2 أكتوبر 1984 المتعلقة بتعويضات ضحايا حوادث السير – وفق ذلك ظروف المتضرر الشخصية التي ينبغي إعطاؤها إهتماماً خاصاً لأن القانون أوجب أن يكون التعويض عن الضرر الشخصي اللاحق بالمتضرر بسبب الجريمة كاملاً، وجب إدخال هذه الظروف في الحسبان وعدها عناصر واجبة الإعتبار عند تقدير التعويض وإلا كان التعويض جزئياً وغير كامل.
وقضاء الموضوع إن هو قدر التعويض الكامل الواجب للمتضرر مراعاة منه للعناصر السابقة وبما له من خبرة بذلك فلا معقب عليه من طرف المجلس الأعلى – محكمة النقض حالياً – كما تم ذكره، فقد جاء في قرار للمجلس الأعلى بأن " التعويض الناتج عن جريمة والواجب لكل طالب في حدود طلبه يرجع إلى السلطة التقديرية المطلقة لقضاة الزجر وأن إستئناف الظنين والمسؤول المدني وشركة التأمين يسمح لقضاة الدرجة الثانية بتخفيض التعويض الممنوح للمطالبة بالحق المدني من غير أن يكونوا ملزمين بتبرير ذلك بأسباب خاصة "[15].
   ثانياً : المصاريف
يستلزم دخول المدعي المدني أمام المحكمة الجنائية للمطالبة بتعويض عن الأضرار التي لحقته من الجريمة، أداء رسوم ومصاريف قضائية، ومن الطبيعي أن يطالب بإستردادها وعلى المحكمة أن تحدد من يتحمل عبء تلك المصاريف.
فالفصل 105 من القانون الجنائي يقضي بأن " كل حكم بعقوبة أو تدبير وقائي، يجب أن يبث في الصوائر ومصاريف الدعوى طبق القواعد المنصوص عليها في الفصلين 347 و 349 من المسطرة الجنائية.
ويجب أن يبت علاوة على ذلك، إذا إقتضى الحال في طلبات الرد والتعويضات المدنية ".
المسألة لا تخلو من فرضيات، الأولى : أن يحكم لفائدة المدعي بالحق المدني بكل طلباته، والثانية : أن ترفض الطلبات كلها، والثالثة : أن يحكم ببعض الطلبات فقط.
1-    إذا قضى الحكم للمدعي بالحق المدني بكل طلباته، يلتزم المدعى عليه – المتهم والمسؤول المدني إن وجد – بمصاريف الدعوى بوصفه طرفاً في الدعوى وخاسراً لها، وليس بوصفه مسؤولاً عن الضرر اللاحق بالطرف المدني، وقد أكدت ذلك المادة 367 من قانون المسطرة الجنائية أن كل حكم صدر بإدانة المتهم أو بالحكم على المسؤول المدني يجب أن يحملهما المصاريف التي تدفع للخزينة، وأضافت أنه يمكن أيضاً تحميل هذه المصاريف للمتهم الذي حكم بإعفائه أو للمسؤول المدني.

2-    إذا رفضت طلبات المدعي بالحق المدني على أساس أنها غير مؤسسة، لا يلتزم بها المتهم أو المسؤول المدني أو الدولة، ويقع عبؤها على المدعي، غير أنه يمكن إعفاء المدعي بالحق المدني إذا كان حسن النية من أداء المصاريف.

3-    عندما يحكم للمدعي بالحق المدني ببعض طلباته فقط، تحدد المحكمة مبلغ المصاريف التي يجب أن يعفى منها المحكوم عليه، ويجوز تقدير هذه المصاريف على أساس نسبة تبين في الحكم، وقد تعرض قانون المسطرة الجنائية لموضوع المصاريف في المادة 216 بالنسبة لقاضي التحقيق، وفي المواد 246 و 349 و 367 و 368 بالنسبة للمحكمة، في حالات الحكم بالبراءة أو بعدم المتابعة، وفي حالة الإدانة[16].

ثالثاً : الرد
يقصد بالرد إرجاع الأشياء أو المبالغ أو الأمتعة المنقولة الموضوعة تحت يد العدالة إلى أصحاب الحق فيها، وفق الفصل 106 من القانون الجنائي، وبتالي فهو بمثابة إعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل وقوع الجريمة، وتجوز المطالبة بالرد من طرف الضحية أو حتى من طرف المتهم، ويمكن للمحكمة أن تحكم برد الأشياء المحجوزة من تلقاء نفسها، أو برد ثمنها إذا كان قد تقرر بيعها خشية فسادها أو تلفها أو نتيجة تعذر الاحتفاظ  بها.
فالرد الذي تأمر به هيئة التحقيق أو المحكمة يتم بإحدى الصور الثلاثة التالية :
1-    أن يؤمر بالرد تلقائياً وبدون طلب، ويستوي أن يكون الرد لضحية الجريمة أو للغير أو للمتهم نفسه.
2-    أن يتقرر الرد بناء على طلب غير ضحية الجريمة كالغير والمتهم.
3-    أن يتقرر الرد بناء على طلب ضحية الجريمة كضحية السرقة الذي يطلب إسترداد المسروق المحجوز أمام التحقيق أو المحكمة[17].

الفقرة الثانية : سبب الدعوى المدنية التابعة
بالعودة إلى المادة الثانية من قانون المسطرة الجنائية التي جاء فيها " يترتب عن كل جريمة الحق في إقامة دعوى عمومية لتطبيق العقوبات والحق في إقامة دعوى مدنية للمطالبة بالتعويض عن الضرر الذي تسببت فيه الجريمة "، فإن إقامة الدعوى المدنية للمطالبة بالتعويض يتوقف على توفر شرطين أساسين :
1-    ضرورة وجود ضرر.
2-    أن يكون هذا الضرر ناشئاً مباشرة عن الجريمة.

أولاً : وجود الضرر
إن الضرر الذي يعتد به كسبب للمطالبة بالتعويض هو الضرر الخاص الذي أصاب المجني عليه، والذي يجب أن يكون محققاً، وأن يمس مصلحة مشروعة للمتضرر، وأن يكون شخصياً ثم أن يكون مباشراً.
1-    أن يكون الضرر محققاً : يكون الضرر قد ثبت حصوله أو أنه سيقع حتماً في المستقبل، وبالتالي لا مكان هنا للضرر الإحتمالي، وتعد الفرصة الضائعة من قبيل الضرر القابل للتعويض مادامت عناصر تقدير هذا الأخير متوافرة.
2-    يجب أن يمس الضرر مصلحة مشروعة للمتضرر : بمعنى أن يكون الحق موضوع الإدعاء حقاً يحميه القانون،  وأن يكون الضرر ناتجاً عن الجريمة بصفة مباشرة، والمحكمة بسلطتها التقديرية هي التي تقدر الرابطة السببية، فإذا إدعى الشخص بأن الضرر نتج مباشرة عن الجريمة ولتكن السرعة غير القانونية مثلاً ولم تقتنع المحكمة بهذا الإدعاء فإن الدعوى المدنية  لا تكون تابعة لعدم وجود الرابطة السببية[18].
3-   يجب أن يكون الضرر شخصياً : وذلك بصريح المادة 7 من قانون المسطرة الجنائية وخصوصاً في فقرتها الأولى[19]، التي منحت حق إقامة الدعوى المدنية التابعة إلى كل من لحقه شخصياً ضرر مادي، ذاتي أو معنوي تسببت فيه الجريمة. لكن هذا لا يعني أن المطالبة لا تجوز إلا من ذلك الشخص، إذا يمكن أن يصاب شخص آخر مباشرة غير المجني عليه كزوج الشخص المقتول، لكن في هذا الإطار نجد المجلس الأعلى قد أعطى تفسيراً غريباً وشاذاً كما وصف ذلك بعض الفقه حينما حصره في مفهومه الضيق، حيث أورد في إحدى قراراته على أن " زوج المعتدى عليها في جريمة الاغتصاب لم يكن هو المتضرر شخصياً ومباشرة من الجريمة، فلا صفة له في التدخل كمطالب بالحق المدني"[20]. فليس الأمر هنا يتعلق بضرر ذاتي ومعنوي ناشئ مباشرة عن جريمة الإغتصاب في حق الزوج ؟

ثانياً : نشوء الضرر مباشرة عن الجريمة للمدعي

لكي يتصل الضرر المدعى به مدنياً بالجريمة مباشرة، وجب :
1-    صدور حكم بالإدانة في جريمة مرفوعة عن دعوى عمومية :
وذلك حتى يثبت الاختصاص للقضاء الزجري، أما إذا صدر حكم بالبراءة فإن هذا القضاء سيحكم بعدم الاختصاص، لكن يبقى لمدعي الضرر سلوك الطريق المدني في هذه الحالة.
2-    أن تتوافر علاقة سببية بين الجريمة والضرر المطلوب التعويض عنه :
وذلك بصريح المادتين 2 و7 من قانون المسطرة الجنائية، وهو ما أكدته محكمة النقض في العديد من قراراته، ومنها القرار الذي ورد فيه أنه " إن المحكمة الزجرية لا تعوض المطالب بالحق المدني إلا عن الضرر الناجم مباشرة عن الجريمة محل المتابعة..."[21].

المبحث الثاني : ممارسة الدعــوى المدنية التـابعة وأسبــاب انقضــاءهــا

من خلال هذا المبحث سوف نتطرق لطرق ممارسة الدعوى المدنية التابعة في (المطلب الأول)، وكذلك لأسباب انقضاء الدعوى المدنية التابعة في (المطلب الثاني).

المطلب الأول: ممارسة الدعوى المدنية التابعة
من المعلوم أن الجهة التي تختص بالنظر في الدعاوى المدنية هي القضاء المدني، لكن المشرع المغربي قد سمح استثناء للمتضرر بإقامة الدعوى المدنية للمطالبة بتعويض الأضرار التي لحقته مباشرة من الجريمة، أمام القضاء الزجري المحالة إليه الدعوى العمومية، وهذا ما يستنتج من نص المادة 9 من قانون المسطرة الجنائية والتي تنص في فقرتها الأولى على ما يلي، " يمكن إقامة الدعوى المدنية والدعوى العمومية في آن واحد أمام المحكمة الزجرية المحالة إلها الدعوى العمومية".
انطلاقا مما سبق سنقسم هذا المطلب إلى ثلاث فقرات سنخصص (الأولى) للحديث عن قاعدة حق الخيار بين القضاء المدني والقضاء الزجري والذي منحه المسرع بقوة القانون للمتضرر. وسنتحدث في (الفقرة الثانية) عن ممارسة الدعوى المدنية أمام القضاء المدني، و(الفقرة الثالثة) ستكون مخصصة لممارسة الدعوى المدنية أمام المرجع الزجري.

الفقرة الأولى: خيار المدعي بين الطريقين المدني والجنائي
إن القانون المغربي خول مبدئيا للمتضرر الخيار في أن يقيم دعواه المدنية التابعة، أمام المحاكم المدنية أو المحاكم الزجرية، وقد ورد النص على حق الطرف المدني في الاختيار بين القضاء المدني أو القضاء الزجري في المواد 9 و 10 و 11 و 14 و 356 من قانون المسطرة الجنائية[22].
حيث تقضي الفقرة الأولى من المادة 9 على أنه: " يمكن إقامة الدعوى المدنية والدعوى العمومية في آن واحد أمام المحكمة الزجرية المحالة إليها الدعوى العمومية".
وتنص المادة 10 على ما يلي: " يمكن إقامة الدعوى المدنية، منفصلة عن الدعوى العمومية، لدى المحكمة المدنية المختصة.
غير أنه يجب أن توقف المحكمة المدنية البت في هذه الدعوى إلى أن يصدر حكم نهائي في الدعوى العمومية إذا كانت قد تمت إقامتها".
وجاء في المدة 11 من نفس القانون: " لا يجوز للطرف المتضرر الذي أقام دعواه لدى المحكمة المدنية المختصة أن يقيمها لدى المحكمة الزجرية.
غير أنه يجوز له ذلك إذا أحالت النيابة العامة الدعوى العمومية إلى المحكمة الزجرية قبل أن تصدر المحكمة المدنية حكمها في الموضوع".
وتقضي الفقرة الثانية من المادة 14 بأنه: " إذا تقادمت الدعوى العمومية فلا يمكن إقامة الدعوى المدنية إلا أمام المحكمة المدنية".
فرغم أن الأصل أن الدعوى المدنية، ولو كانت  ناتجة عن جريمة، أنها تقام أمام المحاكم المدنية المختصة. إلا أن المشرع أجاز بصفة استثنائية، للطرف المدني كما سبق وذكرنا أن يقيم دعواه المدنية أمام المحاكم الزجرية، وذلك مراعاة منه لاعتبارات متعددة من أهمها ما يلي:
1)   تمكين الطرف المدني من الاستفادة من أدلة الإثبات التي تقدم من طرف النيابة العامة في الدعوى العمومية، الأمر الذي يغنيه عن إعداد وتقديم بعض الأدلة الخاصة بدعواه المدنية[23].
2)   تمكين المتضرر من الجريمة من الاستفادة من السرعة التي تميز المسطرة الزجرية عن نظيرتها المدنية، نظرا للسلطات و الصلاحيات التي يتمتع بها القضاء الزجري، وخضوع دعواه للإجراءات المقررة بقانون المسطرة الجنائية.
3)   تمكين النيابة العامة من الاستفادة من أدلة الإثبات التي يقدمها الطرف المدني.
4)   زيادة فعالة العقوبة وتدعيم دورها في ردع المخالفين، وهذا ما يتحقق من خلال الحكم على المتهم بالتعويض والعقوبة معا.
5)   تفادي بعض التناقضات المحتملة بين الأحكام، رغم وحدة الأطراف وكذلك السبب، و وحدة الموضوع.
لكن ما يجب الانتباه إليه أن حق المتضرر في الاختيار بين الطريقين المدني أو الزجري، من أجل المطالبة بالتعويض عن الأضرار التي لحقته بسبب الجريمة، يجب أن لا يفهم منه أنه  مطلق وعام، إذ أن هذا الحق ترد عليه بعض الاستثناءات، نذكر منها الاستثناء الوارد في الفصل 75 من قانون الصحافة الذي يقرر بأن الدعوى المدنية الناجمة عن جنحة القذف لا يمكن فصل متابعتها عن الدعوى العمومية إلا في حالة وفاة مرتكب الأمر المدعى فيه أو في حالة العفو. فهذا الاستثناء يمنع على المتضرر اللجوء إلى القضاء المدني من أجل إقامة دعواه، ولا يكون له سوى إتباع الطريق الزجري.

الفقرة الثانية: ممارسة الدعوى المدنية أمام القضاء المدني
انتهينا فيما سبق إلى أن الأصل هو أن يقيم المتضرر دعواه المدنية أمام القضاء المدني، لتكون بذلك شأنها شأن أي دعوى مدنية، تتبع فيها حتما الإجراءات الواردة في قانون المسطرة المدنية وليس تلك المنصوص عليها في قانون المسطرة الجنائية.
وبالتالي فإن الحكم الصادر فيها سيكون نسبي الأثر وغير مطلق لا يسري إلا على أطرافه، ومن ثم فلا حجية له أمام المحاكم الزجرية إن ثم النظر في الدعوى العمومية بعد صدور الحكم المدني، إعمالا للخيار الذي ذكرناه سابقا والثابت للمتضرر إلا إذا قرر القانون خلاف ذلك[24].
لكن وعلى الرغم من وضوح النصوص الواردة في قانون المسطرة الجنائية التي تؤكد على استقلال الدعويين العمومية والمدنية (المادتان 10و11 من ق م ج)، إلا أنه يجب علينا أن لا نغفل أن الضرر المراد التعويض عنه ناتج عن جريمة، وهو ما يوجد لنا نوعا من الارتباط بين الدعويين المدنية والعمومية لا يمكن إغفاله، حيث يرتب هذا الارتباط وجوب مراعاة قاعة هامة وردت في الفقرة الثانية من المادة 10 من قانون المسطرة الجنائية[25]، مفادها أنه إذا أثيرت الدعوى العمومية وكانت الدعوى المدنية المرفوعة أمام المحكمة المدنية لم يبث فيها نهائيا، وجب وقفها إلى حين البث النهائي في الدعوى العمومية.


قاعدة الجنائي يعقل المدني "يوقفه"
إذا أقام الطرف المدني الدعوى المدنية منفصلة عن الدعوى العمومية، أمام المحكمة المدنية المختصة، وكانت الدعوى العمومية قد تمت إقامتها أمام المحاكم الزجرية المختصة، فإنه يتعين على المحكمة المدنية أن توقف البت في هذه الدعوى المعروضة عليها ولو كانت الدعوى العمومية مقامة أمام محكمة زجرية ليست لها ولاية الحكم في الدعوى المدنية.
ويرجع السبب في إقرار المشرع لهذه القاعدة - الجنائي يعقل المدني – والتي توقف البت في الدعوى المدنية المقامة أمام المحكمة المدنية إلى غاية البت في الدعوى العمومية، في تفادي التعارض بين الحكم الجنائي والحكم المدني الذي يعتمد عليه.
وقد قضى المجلس الأعلى سابقا محكمة النقض حاليا في هذا الخصوص بما يلي: " إذا رفعت الدعوى المدنية منفصلة عن الدعوى العمومية كان على المحكمة المدنية أن ترجئ النظر في الدعوى المدنية في انتظار البت النهائي في الدعوى العمومية (المادة 10 من قانون المسطرة الجنائية).
يعني البت نهائيا الوارد في المادة المذكورة أن يفصل القضاء الجنائي في الدعوى العمومية بصورة مبرمة حتى لا يقع تناقض بين الحكم الجنائي و الحكم المدني الذي يعتمد عليه.
يتعرض للنقض قرار المحكمة التي رفضت إيقاف النظر في الدعوى المدنية إلى حين البت في الطعن بالنقض في القرار الجنائي الذي بنت عليه"[26].
لكنه و انطلاقا من الفقرة الثانية من المادة 10 من قانون المسطرة الجنائية يمكن استنتاج بعض الشروط التي يتوجب توفرها لإعمال قاعدة الجنائي يعقل المدني وهي كالآتي:
1)   سبق إقامة الدعوى العمومية على الدعوى المدنية
هذا الشرط مفاده أنه لا يمكن تصور وقف الدعوى العمومية للدعوى المدنية إذا أقيمت الدعوى العمومية بعد انقضاء الدعوى المدنية بحكم مكتسب لقوة الأمر المقضي به، لأن الإيقاف يفترض دعوى قائمة.
ويقصد بإقامة الدعوى العمومية التي يترتب عليها إيقاف الدعوى المدنية المقامة أمام القضاء المدني، رفع الأولى أمام المحاكم المختصة بها، وليس مجرد تحريكها أمام سلطات التحقيق.

2)   التربص لحين صدور حكم نهائي في الدعوى العمومية
هذا الشرط يعتبر بمثابة أجل ضمني للإيقاف لا يتحرر معه القضاء المدني إلا إذا قام القضاء الزجري بالفصل في الدعوى موضوع المتابعة، واكتسب الحكم فيها الصفة النهائية الذي أكد على وجوب استيفائها صراحة المشرع في الفقرة الثانية من المادة 10 من القانون الجنائي[27].
ويعد الحكم نهائيا إذا أصبح غير قابل للطعن بأي طريق من طرق الطعن سواء الطرق العادية للطعن أو الطرق الاستثنائية، وهذه الطرق كما هو معلوم هي التعرض والاستئناف والطعن بالنقض.
الفقرة الثالثة: ممارسة الدعوى المدنية أمام القضاء الجنائي
إن الخيار الممنوح للمتضرر والذي يخول له الحق في اللجوء إلى للقضاء الزجري للمطالبة بتعويض الأضرار التي لحقته شخصيا ومباشرة من الجريمة، يعتبر حق استثنائي من الأصل العام الذي يوجب المطالبة بالتعويض أمام القضاء المدني.
لذلك لم يترك المشرع هذا الحق مفتوحا دوما في وجه المتضرر، بل قيده بما يلي:
1)   أن لا تكون المحكمة الزجرية ممنوعة من النظر في المطالب المدنية، أو بمعنى آخر ليست لها ولاية الحكم في الدعوى المدنية، كما هو الحال بالنسبة للمحاكم العسكرية، وكذلك الحال بالنسبة للدعوى المدنية الناتجة عن الأفعال المنسوبة إلى الأشخاص المشار إليهم في الفقرة الأولى من المادة 265 من قانون المسطرة الجنائية[28]، حيث لا تقبل أي مطالبة مدنية أمام الغرفة الجنائية لمحكمة النقض التي تختص بالنظر في هذا النوع من الدعاوى.
2)   إذا كانت الدعوى العمومية قد سقطت لسبب من أسباب السقوط المشار إليها في المادة 4 من قانون المسطرة الجنائية[29]، أو بالعفو الخاص المشار إليه في ظهير 6 فبراير 1958 المعدل بظهير 8.10.1977، قبل إقامة الدعوى المدنية الناتجة عن الجريمة.
حيث تقضي الفقرة الثانية من المادة 14 من قانون المسطرة الجنائية بأنه: " إذا تقادمت الدعوى العمومية فلا يمكن إقامة الدعوى المدنية إلا أمام المحكمة المدنية". ورغم أن هذا النص ورد بخصوص التقادم، إلا أن الحكم الوارد به يسري على باقي أسباب السقوط المشار إليها في المادة 4 من قانون المسطرة الجنائية لاتحاد العلة، وهو ما يستفاد من المادة المادة 12 من نفس القانون[30].




المطلب الثاني: أسباب انقضاء الدعوى المدنية التابعة                     
إن الغاية من الدعوى المدنية التابعة هي إلزام المتهم أو المسؤول عنه مدنيا بأداء التعويض أي بتنفيذ الالتزام الذي يفرضه عليه القانون طبقا لأحكام المسؤولية التقصيرية، فالتزام المسؤول بأداء التعويض يعتبر التزاما مدنيا (مصدره العمل غير المشروع) يمكن أن ينقضي بأية وسيلة من وسائل انقضاء الالتزامات المدنية بصفة عامة ما لم تكن متعارضة مع طبيعة وأسباب انقضاء الالتزام مفصلة في قانون الالتزامات والعقود[31].
وهي إن كانت تؤدي أيضا إلى إنقضاء الدعوى المدنية بحكم التبعية إلا أننا لن نعرضها هنا.
وإذا استبعدنا أسباب إنقضاء الحق في التعويض بإعتباره إلتزاما مدنيا يبقى أمامنا ثلاثة أسباب تنقضي بها الدعوى المدنية مباشرة أمام المحكمة الجنائية بصرف النظر عن إنقضاء الحق في التعويض نفسه أو عدم إنقضائه[32].
وتتجلى أسباب إنقضاء الدعوى المدنية التابعة في مايلي:


الفقرة الأولى : صدور حكم بات في موضوع الدعوى المدنية التابعة(الحكم النهائي)   والتقادم
1-              صدور حكم بات في موضوع الدعوى المدنية التابعة:
قد يقع الفصل في موضوع الدعوى المدنية التي يكون المتضرر قد توسل بها التعويض عن الأضرار التي لحقته مباشرة من جراء الجريمة، وهذا سواءا أمام المحكمة الزجرية تبعا للدعوى العمومية أو بإستقلال عنها أمام المرجع المدني ويحدث أن يصير هذا الفصل باتا لا يجوز التعقيب فيه إن لمصلحة المطالب بالحق المدني وإن ضده، ففي هذه الفرضية لايجوز رفع دعوى جديدة تتناول ذات الموضوع الذي سبق للقضاء أن بث فيه بصورة مبرمة شريطة طبعا تحقق الشروط الواردة في الفصل 451 من ق.ل.ع، للتمسك بقوة الأمر المقضي به في المواد المدنية،ن والتي تستلزم الإتحاد الثلاثي في الموضوع والسبب والأطراف بين الدعويين السابق الفصل فيها بحكم بات، والمرفوعة لاحقا لها بحيث ينبغي أن يكون:
* الشيء المطلوب (الموضوع) هو ما سبق طلبه والذي لا يعدو وأن يكون المطالبة بتعويض الضرر الناجم مباشرة عن الجريمة، أما إن كان غير ذلك من مطالب فله ذلك لاختلاف الوحدة حينئذ في الموضوع المطلوب بين الدعويين المدنية المبتوت فيها واللاحقة لها.
* أن تؤسس الدعوى المدنية الجديدة على نفس السبب الذي كانت الدعوى المدنية المبتوت فيها سابقا قد أقيمت عليها، أما إن كانت الوقائع المقامة عليها الدعوى الجديدة تختلف عن الوقائع التي تأسست عليها الدعوى المدنية السابقة حق للمطالب الذي بث في إدعائه المدني بصورة مبمة ورفض أن يعود مجددا لرفع دعوى مدنية جديدة يطالب بتعويضه عن وقائع الجريمة على أساس أخر، وهكذا فمن رفض تعويضه مدنيا عن اغتصاب زوجته لعدم ثبوت الاغتصاب حق له طلب التعويض ورفع الدعوى مجددا على أساس الخيانة الزوجية أو هتك العرض.....
* أن تكون الدعوى المدنية الجديدة والتي سبق الفصل فيها بحكم بات مقامة بين نفس الخصوم ومرفوعة منهم وعليهم بنفس الصفة، وهذا ما يؤدي بداهة إلى أن يكون للمدعي المدني إذا رفضت دعواه المدنية في مواجهة المساهم أو الفاعل المعنوي[33].
وبالتالي فإن تحديد الحكم النهائي هنا يرجع فيه إلى الأحكام العامة لاكتساب الحكم قوة الشيء المحكوم فيه إلى القضايا المدنية. وهكذا إذا سبق للمحكمة أن فصلت في دعوى المتضرر، تعذر عليه رفعها مرة أخرى إلى المحكمة الجنائية التي تحاكم المتهم. والحكم الصادر في مواجهة مرتكب الجريمة يفيد الورثة والمسؤول عنه مدنيا ولكن الذي يصدر في مواجهة أحد المساهمين أو أحد الشركاء لا يحتج به المساهمون والشركاء الآخرون والحكم النهائي الذي فصل في الدعوى المدنية سواء صدر عن المحكمة المدنية أو المحكمة الجنائية تنقضي به الدعوى وحدها.
ولا تكون له حجة الشيء المحكوم به  أمام المحكمة الجنائية بالنسبة لفصلها في الدعوى العمومية.
ونشير في  النهاية إلى الفصل 452 ق.ل.ع التي تقضي بأنه:" لايعتبر الدفع بقوة الشيء المقضي به إلا إذا تمسك به من له مصلحة في إثارته، ولا يسوغ للقاضي أن يأخذ به من تلقاء نفسه ".
فإذا لم يتمسك المتهم أو المسؤول المدني بالدفاع يسبق الحكم في الموضوع كان على المحكمة الجنائية أن تفصل في الدعوى المدنية ولا تعتبرها إذ ذاك منتهية[34].
2-              التقادم :
إن المشرع المغربي لم يأخذ بنظرية وحدة التقادم بين النظامين الجنائي والمدني (كما هو الحال بالنسبة للمشرع الفرنسي والتونسي والمصري)،وإنما إختار نظرية الفصل بينهما في هذا السبب المادي للانقضاء القائم على مرور الزمن لما قرر في المادة 14 من ق.م.ج بأن حق الإدعاء المدني لا يتقادم إلا وفق قواعد التقادم المقررة في القانون المدني ورتب على ذلك نتيجة منطقية وهي أن الدعوى العمومية إذا هي تقادمت فإن الدعوى المدنية لا يمكن إقامتها حينئذ إلا أمام المحكمة المدنية المختصة.
وهكذا فإن الدعوى المدنية التي ترمي إلى تعويض الأضرار الناجمة مباشرة عن الجريمة تتقادم بمضي المدة التي تنقضي بها الدعوى الرامية إلى التعويض عن العمل غير المشروع في القانون المدني كما هي محددة في الفصل 106 من ق.ل.ع الذي ينص على أن " التعويض من جراء جريمة أو شبه جريمة تتقادم بمضي خمس سنوات تبتدئ من الوقت الذي بلغ فيه إلى علم الفريق المتضرر الضرر ومن هو المسؤول عنه، وتتقادم في جميع الأحوال بمضي عشرين سنة تبتدئ من وقت حدوث الضرر."[35]
وترتيبا عليه يتبين أن لتقادم الدعوى المدنية الناجمة عن العمل غير المشروع ( عن الجريمة)، مدتان إحداهما قصيرة والأخرى طويلة:
ü               المدة القصيرة: وأمدها خمس سنوات تبتدئ من اليوم الموالي لليوم الذي يبلغ فيه إلى علم المتضرر الضرر ومن هو المسؤول عنه وهكذا جاء في قرار رقم 576 في 31/12/1975 ، مجلة القضاء والقانون عدد 127، ص 103 حيث جاء فيه : "دعوى المسؤولية عن الجريمة وشبه الجريمة تتقادم بمضي خمس سنوات من تاريخ علم المتضرر بالضرر وبالمسؤولية عنه والمحكمة غير ملزمة بالإجابة عن دفع غير مدعم بالحجة ".
وهكذا فالتقادم القصير هذا يستلزم توافر شرطين:
- توافر العلم بحدوث الضرر: هذا الشرط أول ما يفيده هو استقلال العلم بحدوث الضرر عن العلم باقتراف الجريمة إذ قد ترتكب هذه الأخيرة ويعلم بها المجني عليه، فيها ولكنه لا يتفطن إلى الضرر إلا بعد مدة من ارتكابها ففي هذه الحالة يعتد بوقت علمه بالضرر وليس وقت حصول الجريمة (كأن يقع تزوير في الأوراق المثبتة لهوية أحد الأشخاص ولا ينتبه إلى أن المحرر المزور قد أستعمل من أجل غصب ملكية صاحب الورقة على عين من الأعيان مملوكة له، أو تقع سرقة على مال لأحدهم ولا يدري أن بعض المسروقات كانت أيضا من جملة ما اختلسه المختلس)، ففي هذه الحالات يعتد لاحتساب التقادم الخمسي بتاريخ فقدان الملكية على العين المفوتة بالورقة المزورة، وبتاريخ التمكن من الاكتشاف بأن مسروقات أخرى كانت من جملة ما وقعت عليه السرقة.
والمشرع اشترط لمضي فترة التقادم الخمسي العلم بوقوع الضرر فقط وبذلك فإن هو ظهر هذا الضرر على أجزاء أو دفعات، وفي فترات مختلفة فالعلم لا يكون منصبا إلا على الجزء الذي منه وعلم به، وفي فترات مختلفة فالعلم لا يكون منصبا إلا على الجزء الذي منه وعلم به، دون الجزء أو الأجزاء التي ظلت خفية وغير معلومة من المتضرر.
- العلم بالمسؤول عن الضرر: وهذا الشرط لازم تحققه غلى جانب الشرط الأول للاحتجاج على المتضرر بالتقادم الخمسي، فإن هو المتضرر لم يعلم بالمسؤول عن الضرر –ولو علم بحدوث الضرر- فإن فترة التقادم القصيرة هذه لا يحتج بها عليه من قبل محدث الضرر بالجريمة حيث تظل فترة التقادم القصيرة متوقفة لصالح المتضرر الذي لا يتقادم حقه في الإدعاء مدنيا بالتعويض إلا بمرور عشرين سنة من وقت حدوث الضرر. وبديهي أن يحد هذا الشرط الثاني الذي يقف حائلا دون ابتداءا سريان التقادم الخمسي على مجرد علم المتضرر بالضرر الواقع له وإنما بالعلم كذلك بمن هو مسؤول عنه،أساسه في المنطق الذي يقتضي بأن المتضرر إن كان جاهلا بمن يسأل عن الضرر فإنه لن يتمكن عمليا من المطالبة بحقه أمام القضاء مادامت القواعد المسطرية التي تنظم الدعوى أمام القضاء توجب تحديد أطرافها من قبل المدعي بكيفية لا جهالة فيها (الفصل 106 ق.ل.ع)
ü               المدة الطويلة : وأمدها عشرون سنة تبتدئ من اليوم الموالي لحدوث الضرر (الفصل386 ق.ل.ع.) الذي قد لا يصادف يوم وقوع الجريمة، وسواء بلغ إلى علم المتضرر حصول الضرر له أم لم يبلغ، لأن القانون اعتد في هذه الصورة من صور التقادم بوقت حدوث الضرر الذي كان من الممكن المطالبة بتعويضه باستقلال تام عن تاريخ ارتكاب الجريمة أو العلم بالضرر ممن وقع عليه.
وفي كل حال فإن انصرام  فإن انصرام مدة التقادم سواء كانت خمسية أو عشرينية إذا كانت تسقط الحق في المطالبة بالتعويض عن الضرر الناجم مباشرة عن الجريمة حتى ولو كانت الدعوى العمومية المقامة بسبب هذه الأخيرة ما تزال قائمة، فإن هذا السقوط وعملا بالفصل 372 من ق.ل.ع. ليس من النظام العام ولذلك فلا يثار تلقائيا من المحكمة وإنما صاحب المصلحة في الاستفادة منه هو الذي عليه التمسك به، والمطالبة بإعماله، فإن هو فعل قضت المحكمة بسقوط الدعوى المدنية، وإن هو سكت عن ذلك امتنع عليها التصريح بقيامه ورفض الدعوى تبعا لذلك[36].

الفقرة الثانية : التنازل عن الدعوى المدنية التابعة والصلح

1-              التنازل:
المقصود بالتنازل أو التخلي عن الدعوى المدنية المرفوعة أمام القضاء الزجري كسبب من أسباب انقضائها، تخلي المطالب بالتعويض الواجب له بسبب الجريمة عن صفته كطرف مدني في الدعوى العمومية.
وقد شرع القانون المغربي هذه الإمكانية في المادة 356 من ق.م.ج حيث نص على أنه: " لا يحول تنازل الطرف المدني عن طلبه دون إقامته الدعوى المدنية يعد ذلك أمام المحكمة المختصة". وبالتالي نستفيد من هذا النص بأن التنازل كما سبق إذا كان منهيا للدعوى المدنية المقامة استثناءا أمام القضاء الزجري فإنه قد لا ينهي حتما الحق في التعويض الناشئ عن الجريمة حيث يجوز والحالة تلك للمتنازل أن يعرض مطالبه في التعويض أمام المحكمة المدنية المختصة ولا يحتجن عليه بسبق تنازله، بل لا مانع في ضوء المبادئ العامة والمنطق القانوني أن يقوم المتنازل ويطالب أمام القضاء الزجري بالتعويض ضد أطراف لم يكن قد تنازل عن مقاضاتهم أمام المحكمة الزجرية، باعتبارهم مساهمين أو مشاركين في ذات الجريمة مع المتهم المتابع إذا لم يكن قد انتصب قبلهم طرفا مدنيا، تأسيسا على كون التنازل الذي يسقط الدعوى المدنية التابعة نهائيا لا ينسحب أثره لغير الطرف الذي تناوله هذا التنازل وهو ما لا يتحقق كما هو ظاهر إذا وقع لفاعل أصلي وليس المساهم معه أو شريكه ...[37]
كما أن " التنازل ليس له شكل معين فيتحقق بمجرد إعلان المطالب بالحق المدني عن نيته في التخلي عن مواصلة الدعوى أمام المحكمة الزجرية المرفوعة إليها. وقد نصت المادة 334 من ق.م.ج على أن المطالب بالحق المدني أمام قاضي التحقيق إذا استدعي من طرف المحكمة عند إحالة القضية عليها ولم يودع المذكرة المنصوص عليها في هذه المادة يعتبر متنازلا عن طلبه، ومجرد تغيب الطرف المدني عن حضور جلسات المحكمة لا يعتبر تنازلا ولو تكرر هذا التغيب.
وإنما يمكن المحكمة أن تحكم بإلغاء طلباته غير الثابتة، ويعتبر الحكم حضوريا أو غيابيا أو بمثابة حضوري حسب التفصيل المنصوص عليه في المادة 371 من ق.م.ج.
وهذا التنازل الذي يتحقق بالإعلان الصريح أو الضمني عن التخلي عن مواصلة الدعوى، خاص بالتنازل عن الدعوى المدنية أمام المحكمة الجنائية أما إذا كان التنازل الذي يدفع به المتهم أو المسؤول المدني يتعلق بالحق نفسه أي التعويض فإنه يجب على المحكمة الزجرية أن تطبق قواعد القانون المدني وفي مقدمتها مقتضيات المادة 467 من ق.ل.ع التي تقضي بأنه:'التنازل عن الحق يجب أن يكون له مفهوم ضيق ولا يكون إلا المدى الذي يظهر بوضوح من الألفاظ المستعملة ممن أجراه، ولا يسوغ التوسيع فيه عن طريق التنازل' "[38].
وإذا كان تنازل الطرف المدني عن طلبه لا يحول دون إقامة الدعوى المدنية بعد ذلك امام المحكمة المدنية المختصة فإنه يمنع عليه أن يرجع إلى إثارة الدعوى المدنية بعد تنازله النهائي عنها في نفس القضية بموضوعها وسببها وطرفيها (المادتين 355و356 من ق.ل.ع )، وإذا كان الأمر يتعلق بمتابعة من اجل جنحة من الجنح المنصوص عليه في المادة 41 من هذا القانون، فإنه يمكن للمحكمة المعروضة عليه القضية بناءا على ملتمس النيابة العامة في حالة تنازل الطرف المتضرر من الفعل الجرمي عن شكايته ان توقف سير إجراءات الدعوى العمومية مالم تكن قد بثت فيها بحكم نهائي (المادة 372 من ق.م.ج) وإيقاف سير الدعوى لا يعني سقوطها، وإنما يقصد به حفظ الملف مؤقتا إلى ان تتقادم الدعوى العمومية أو تسقط بسبب أخر من أسباب السقوط مالم تتقدم النيابة العامة بطلب لمواصلة البث فيها بنتيجة لأسباب تمس الدعوى العمومية نفسها[39]
ومن جهة اخرى فإنه ولو ان حق للمطالب بالحق المدني في التنازل عن دعواه المقامة أمام القضاء الزجري حق عام ومطلق وله أن يمارسه في أية مرحلة من مراحل التقاضي فإنه يجب لفت النظر لبعض الأمور منها:
1 صحيح أن المشرع (المادة 356 من ق.م.ج)، لم يشترط شكلا خاصا للتنازل عن الدعوى المدنية إلا أنه يجب مراعاة المادة 403 من ق.م.ج ، التي أوجبت بأن يأتي التنازل عن الإستئناف صريحا وأن يقع الاشهاد به من طرف المحكمة وإلا عد عديم المفعول وأمكن بالتالي التراجع عنه.
2 التنازل عن الدعوى المدنية مقصور الأثر على هذه الأخيرة لوحدها وبغض النظر عن بقاء الحق في التعويض عالقا بذمة المتنازل عن الدعوى إزاءه (دون الدعوى العمومية التي تواصل مسيرتها بكيفية عادية عملا بالمادة 13 من قانون المسطرة الجنائية). إلا إذا هو كيف التنازل عن الدعوى المدنية بأنه سيشكل في نفس الوقت سحبا للشكاية التي تتوقف عليها إقامة الدعوى العمومية ذاتها حيث يصير حينئذ هذا التنازل تنقضي به الدعويين العمومية والمدنية التابعة.
3 الحق في التنازل عن الدعوى المدنية الذي ينعت في الفقه والقضاء بأنه عام ومطلق ويملكه عارض الدعوى المدنية أمام القضاء الزجري ينبغي أن يساء إستعماله بحيث يصير ضارا بالمتهم المتابع الذي يصبح من حقه المطالبة برفضه  من المحكمة عملا بالفصل 121 من ق.م.ج الذي خول للمدعى عليه عموما معارضة تنازل المدعي متى كان هذا التنازل عن الدعوى المدنية مفضيا إلى الإضرار به والذي قد يتحقق عملا عندما يتأكد لدى المتنازل عدم ثبوت اسناذ الواقعة الإجرامية للمتهم، والذي يترتب عنه حصول هذا الأخير على البراءة، فيكون تنازله حينئذ محاولة منه فقط لتفادي إمكانية الحكم عليه (المتنازل)، بالتعويضات التي يخولها القانون للمتهم المبرأ عملا بالمادتين 389/2 التي تحيل على المادة 98 و 411 من قانون المسطرة الجنائية.
4 تنازل المدعي بالمطالب المدنية عن دعواه المقامة تبعا للدعوى العمومية وإن كان حقا مؤكدا بالقانون فهو لا يعفي صاحبه من إمكانية الحكم عليه بالمصاريف التي وقع إنفاقها قبل صدور التنازل عنه (المادة 355 من ق.م.ج)[40]
2-              الصلح:
يعد الصلح أو المصالحة بين المتضرر من الجريمة ومرتكبها سندها القانوني والصريح في المادة 13 من ق.م.ج والفصل 1100 من ق.ل.ع، والمصالحة هذه أو الصلح يتم إما قبل رفع الدعوى المدنية أو بعد رفعها ويكون ذلك غالبا مقابل دفع مبلغ من المال معلوم للمتضرر يتفق عليه بين هذا الأخير ومرتكب الجريمة، وبمقتضى هذا الاتفاق يفقد المتضرر إمكانية الإدعاء مدنيا بصورة نهائية قبل مرتكب الجريمة المتضرر منها أمام القضاء بسبب انقضاء الدعوى المدنية التي كانت له قبل التصالح مادام المتضرر قد عوض اتفاقا بالتصالح عليه. والصلح مادام تصرف قانوني بإرادتين ينبغي أن تكون الشروط المتطلبة عموما في إبرام العقود متوافرة للمتعاقدين معا وإلا ما كان عقدا صحيحا يعتد به ويلزم أطرافه به كما تقضي بذلك المبادئ العامة في القانون المدني[41].








خاتمة :


ختاماً نخلص أنه يحق لكل شخص لحقه ضرر ناتج عن جريمة، أن يطالب بالتعويض عن تلك الأضرار في إطار المسؤولية المدنية التابعة، وذلك عن طريق الدعوى المدنية التابعة وفق الشروط والضوابط التي حددها القانون، وخصوصاً قانون المسطرة الجنائية الذي نظم هذا النوع من الدعاوى.





















المـلا حـــق










لائــحة الـمـراجـــع
o      الدكتور أحمد الخمليشي. شرح قانون المسطرة الجنائية الجزء الأول الطبعة السادسة منقحة ومزيد فيها، مطبعة المعارف الجديدة الرباط.
o      الدكتورة لطيفة الداودي. دراسة في قانون المسطرة الجنائية وفق آخر التعديلات الطبعة الخامسة مزيدة ومنقحة مارس 2012، المطبعة و الوراقة الوطنية الحي المحمدي الداوديات مراكش.
o      الدكتور إدريس الحياني والدكتور عمر أنجوم. محاضرات في قانون المسطرة الجنائية المغربي. الطبعة الخامسة. طبع وتوزيع: قرطبة. أكادير. سنة 2014.
o      الدكتور عبد الواحد العلمي. شرح في القانون الجديد المتعلق بالمسطرة الجنائية، الجزء الأول، الطبعة الرابعة، مطبعة الجديدة الدار البيضاء، سنة 2014.
o      الدكتور محمد بوزبع. شرح قانون المسطرة الجنائية. منشورات جمعية نشر المعلومة القانونية والقضائية سلسلة الشروح والدلائل، العدد 2، الجزء الأول، الطبعة الثانية، سنة 2014.
o      الدكتور عبد السلام بنحدو. الوجيز في شرح المسطرة الجنائية المغربية. الطبعة الرابعة. المطبعة والوراقة الوطنية- مراكش. سنة 2001.
o          الدكتور نور الدين التائبو. قانون المسطرة الجنائية والعمل القضائي المغربي على ضوء التعديلات الجديدة. الطبعة الأولى.المطبعة SAFIGRAPHE. سنة 2014.
o      الدكتور محمد عبد الحميد الألفي. الدعوى المدنية أمام القضاء الزجري، الطبعة الأولى، الدار المصرية المغربية للنشر و التوزيع، الدارالبيضاء، سنة 2006.
o      الدكتورة نزهة الخلدي. الموجز في النظرية العامة للالتزامات –المسؤولية المدنية- الطبعة الأولى، مطبعة تطوان، السنة 2015.
o      الدكتور عبد القادر العرعاري. مصادر الإلتزامات -المسؤولية المدنية- الطبعة الثالثة. مطبعة الأمنية، الرباط، سنة 2014.

الفهرس
تقديـــــم.........................................................................................3
المبحث الأول : أطراف وموضوع الدعوى المدنية التابعة..................................5 
المطلب الأول : طرفا الدعوى المدنية التابعة.................................................5 
الفقرة الأولى : المدعي.........................................................................5
الفقرة الثانية : المدعي عليه....................................................................8 
المطلب الثاني : موضوع وسبب الدعوى المدنية التابعة....................................10  
الفقرة الأولى : موضوع الدعوى المدنية التابعة.............................................10 
الفقرة الثانية : سبب الدعوى المدنية التابعة..................................................13
المبحث الثاني : ممارسة الدعــوى المدنية التـابعة وأسبــاب انقضــاءهــا.................15
المطلب الأول : ممارسة الدعوى المدنية التابعة.............................................15
الفقرة الأولى : خيار المدعي بين الطريقين المدني والجنائي...............................16
الفقرة الثانية : ممارسة الدعوى المدنية أمام القضاء المدني................................18
الفقرة الثالثة : ممارسة الدعوى المدنية أمام القضاء الجنائي...............................20
المطلب الثاني : أسباب انقضاء الدعوى المدنية التابعة.....................................22
الفقرة الأولى : صدور حكم بات في موضوع الدعوى المدنية التابعة (الحكم النهائي)
                  والتقادم.......................................................................23     
الفقرة الثانية : التنازل عن الدعوى المدنية التابعة والصلح.................................27
خـــاتمــــــة................................................................................31
المـــــلاحــق...............................................................................32
لائـــحـة الــمـراجــع......................................................................33
الفـــــهـــرس..............................................................................34




[1] - دة. نزهة الخلدي. الموجز في النظرية العامة للالتزامات –المسؤولية المدنية- الطبعة الأولى، مطبعة تطوان، السنة 2015، صفحة 10.
[2] - عبد القادر العرعاري. مصادر الإلتزامات -المسؤولية المدنية- الطبعة الثالثة. مطبعة الأمنية، الرباط، سنة 2014، صفحة 14.
1_د.أحمد الخمليشي، شرح قانون المسطرة الجنائية الجزء الأول الطبعة السادسة منقحة ومزيد فيها، مطبعة المعارف الجديدة الرباط، ص 120
2_د.لطيفة الداودي، دراسة في قانون المسطرة الجنائية وفق آخر التعديلات الطبعة الخامسة مزيدة ومنقحة مارس 2012، المطبعة و الوراقة الوطنية الحي المحمدي الداوديات مراكش، ص 86.
3_د.أحمد الخمليشي، مرجع سابق ص.121-122.
[6] - د. أحمد الخمليشي، مرجع سابق، ص 135.
[7] - د.أحمد الخمليشي، مرجع سابق، ص 136.
[8] - المادة الثامنة من قانون المسطرة الجنائية تنص على أنه " يمكن أن تقام الدعوى المدنية ضد الفاعلين الأصليين أو المساهمين أو المشاركين في ارتكاب الجريمة، وضد ورثتهم أو الأشخاص المسؤولين مدنياً عنهم".
[9]- د.أحمد الخمليشي، مرجع سابق، ص 158 و 159.
[10] - د.لطيفة الداودي، مرجع سابق ص. 87و 88.
[11] - د. أحمد الخمليشي، مرجع سابق ص.165و166.
[12] - د.أحمد الخمليشي، مرجع سابق، صفحة 171.
[13] - د.إدريس الحياني والدكتور عمر أنجوم. محاضرات في قانون المسطرة الجنائية المغربي. الطبعة الخامسة. طبع وتوزيع: قرطبة
أكادير. سنة 2014. صفحة 56.
[14] - ينص الفصل 108 من قانون الجنائي على أن " التعويضات المدنية المحكوم بها يجب أن تحقق للمتضرر تعويضاً كاملاً عن الضرر الشخصي الحال المحقق الذي أصابه مباشرة من الجريمة ".
[15] -  قرار الغرفة الجنائية في 15 ماي 1969، مأخوذ من كتاب: عبد الواحد العلمي، شرح في القانون الجديد المتعلق بالمسطرة الجنائية، الجزء
     الأول، الطبعة الرابعة، مطبعة الجديدة الدار البيضاء، سنة 2014، صفحة 236.
[16] -  د. محمد بوزبع. شرح قانون المسطرة الجنائية. منشورات جمعية نشر المعلومة القانونية والقضائية سلسلة الشروح والدلائل، العدد 2،
     الجزء الأول، الطبعة الثانية، سنة 2014، صفحة 74.
[17] -  الدكتور الخمليشي. مرجع سابق. صفحة 174.
[18]- د. عبد السلام بنحدو. الوجيز في شرح المسطرة الجنائية المغربية. الطبعة الرابعة. المطبعة والوراقة الوطنية- مراكش. سنة 2001.
     صفحة  63.
[19] -  تنص الفقرة الأولى من المادة 7 من قانون المسطرة الجنائية على أنه " يرجع الحق في إقامة الدعوى المدنية للتعويض عن الضرر الناتج عن جناية أو جنحة أو مخالفة، لكل من تعرض شخصياً لضرر جسماني أو مادي أو معنوي تسببت فيه الجريمة مباشرة."
[20] -  قرار رقم 237 في 13/2/1975 بتصرف: عبد الواحد العلمي. مرجع سابق. صفحة 248.
[21] - قرار عدد 171 المؤرخ في 30-01-2008 ملف جنحي عدد 21233-6-10-07. منشور بقضاء محكمة النقض في المادة الجنائية. بتصرف:
    الدكتور نور الدين التائبو. قانون المسطرة الجنائية والعمل القضائي المغربي على ضوء التعديلات الجديدة. الطبعة الأولى. سنة 2014.
 المطبعة SAFIGRAPHE. صفحة 18.  
- د. محمد عبد الحميد الألفي، الدعوى المدنية أمام القضاء الزجري، الطبعة الأولى، الدار المصرية المغربية للنشر و التوزيع، ص 8. [22]
[23] - د. عبد الواحد العلمي، مرجع سابق، ص 260.
[24] - د. عبد الواحد العلمي، مرجع سابق، ص 266.
[25] - تنص الفقرة الثانية من المادة 10 من ق م ج على ما يلي: " غير أنه يجب أن توقف المحكمة المدنية البت في هذه الدعوى إلى أن يصدر حكم نهائي في الدعوى العمومية إذا كانت قد تمت إقامتها".
- د. محمد عبد الحميد الألفي، مرجع سابق، ص 22[26]
- د. عبد الواحد العلمي، مرجع سابق، ص 270.[27]
[28]- جاء في الفقرة الأولى من المادة 265 من ق م ج: " إذا كان الفعل منسوباً إلى مستشار لجلالة الملك أو عضو من أعضاء الحكومة أو كاتب دولة أو نائب كاتب دولة مع مراعاة مقتضيات الباب الثامن من الدستور أو قاض بالمجلس الأعلى أو بالمجلس الأعلى للحسابات أو عضو في المجلس الدستوري أو إلى والي أو عامل أو رئيس أول لمحكمة استئناف عادية أو متخصصة أو وكيل عام للملك لديها، فإن الغرفة الجنائية بالمجلس الأعلى تأمر- عند الاقتضاء بناء على ملتمسات الوكيل العام للملك بنفس المجلس بأن يجري التحقيق في القضية عضو أو عدة أعضاء من هيئتها".

[29]- جاء في المادة 4 ما يلي: " تسقط الدعوى العمومية بموت الشخص المتابع، وبالتقادم وبالعفو الشامل وبنسخ المقتضيات الجنائية التي تجرم الفعل، وبصدور مقرر اكتسب قوة الشيء المقضي به.
وتسقط بالصلح عندما ينص القانون صراحة على ذلك.
تسقط أيضا بتنازل المشتكي عن شكايته، إذا كانت الشكاية شرطاً ضرورياً للمتابعة، ما لم ينص القانون على خلاف ذلك.

[30] - - د. محمد عبد الحميد الألفي، مرجع سابق، ص 12.
[31] -  تقضي المادة 319 من قانون .ل.ع بأن " الإلتزامات تنقضي بما يلي : - الوفاء
- الابراء الاختياري
- المقاصة
- الاقالة الاختيارية
-إستحالة التنفيذ
- التجديد
- اتحاد الذمة".


[32]- د. أحمد الخمليشي، مرجع سابق، ص 266.
[33] - د.عبد الواحد العلمي، مرجع سابق، ص 335 و336 .
[34] - د. أحمد الخمليشي، مرجع سابق ص، 242 و243 .
[35] - د. عبد الواحد العلمي، مرجع سابق، ص: 336 -337 .
[36] - د. عبد الواحد العلمي، مرجع سابق، ص 337 إلى 341.
[37] - د. عبد الواحد العلمي، مرجع سابق ، ص: 343 و 344.
[38] - د. أحمد الخمليشي، مرجع سابق، ص228 .
[39] - د. محمد بوزبع، مرجع سابق، ص 75 .
[40] - د. عبد الواحد العلمي ، مرجع سابق، ص 345.
[41] - د. عبد الواحد العلمي ، مرجع سابق، ص 341 و342.

التعليقات



إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

باحث في المجال القانوني حاصل على الماستر المتخصص في المهن القانونية والقضائية بكلية

جميع الحقوق محفوظة

مدونة المهن القانونية والقضائية ..

2016