-->
مدونة المهن القانونية والقضائية .. مدونة  المهن القانونية والقضائية ..

القضاة وواجب التحفظ وحرية التعبير

 

 

يلعب النظام القضائي دورا رئيسيا في ترسيخ قيم العدالة وحقوق الإنسان، بحيث يبقى الانتقال من الدولة الشرعية إلى دولة الحق والقانون التي يخضع فيها كل المواطنين على قدم المساواة إلى سلطة القانون رهينا بمدى فعالية هذا النظام القضائي واستقلاله وحياده.

بالتالي تشكل وظيفة او سلطة القضاء من اهم الوظائف واسمى المهام داخل أي مجتمع، وذلك بالنظر لما لها من  دور فعال في إرساء أسس العدالة وتوفير الأمن للأفراد، مع ما يستبع ذلك من ضمان للحريات والحقوق، ولتكريس دولة الحق القانون، لذلك كان من الطبيعي احاطتها بمجموعة من الأعراف الضابطة لسلوك العامل داخلها، ضمانا لرفعة وسمو الهدف المنوط والمتوخى من هذه الوظيفة .

ولعل من بين أهم هذه الضوابط والقيم نجد واجب التحفظ الذي أقره الدستور المغربي الجديد من خلال الفصل 111 الذي نص على أنه " للقضاة الحق في التعبير بما يتلاءم وواجب التحفظ والأخلاقيات القضائية ". من خلال هذا الفصل يتبين أن الدستور منح للقضاة الحرية في التعبير غير أن هذه الحرية مقيدة بواجب التحفظ.

ويقصد بلفظ التحفظ من الناحية اللغوية معاني متعددة فيقال تحفظ بمعنى احترز ويتخذ معنى الحيطة والحذر، اما من الناحية الاصطلاحية فقد عرفة مدونة الأخلاقيات  القضائية الصادرة في 8 مارس 2021 وذلك من خلال المادة 21 التي نصت على ما يلي يقصد بالتحفظ حرص القاضي في سلوكه وتعبيره على الاتزان والرصانة وعدم ابداء اراء ومواقف من شأنها المساس بثقة المتقاضين في استقلال وحياد القضاء وذلك مهما كانت وسائل الاتصال ومواقع التواصل المستخدمة، دون الإخلال بالحق بالحق الدستوري للقاضي في التعبير.

وتتجلى أهمية واجب التحفظ بالنسبة للقضاة أنه  يفرض نفسه لدرء فقدان المتقاضين الثقة في استقلالية القضاء ، وحياد العدالة، وضمانا لمصداقية الأحكام والقرارات  التي يصدرها، ذلك أنه لو تم الإقرار بالحرية المطلقة للقضاة للتعبير فقد تصدر عنهم تصريحات أو تعليقات تخلخل ثقة المواطنين في نظامهم القضائي لذلك  يعد واجل التحفظ هو الضابط  لحرية القضاة في التعبير.

من خلال ما سبق يمكن طرح الإشكالات التالية :

ماهو موقع  واجب التحفظ في المرجعية الحقوقية بين الدستور والمرجعية والكونية.؟

ماهي تطبيقاته  علة مستوى مدونة الأخلاقيات  القضائية ؟

للجابة على هذه الإشكالات  وغيرها سأتبنى التصميم التالي:

المطلب الأول: واجب التحفظ في المواثيق الدولية زالدستور

المطلب الثاني: واجب التحفظ من خلال مدونة الأخلاقيات.

 

المطلب الأول: واجب التحفظ في المواثيق الدولية زالدستور

لقد أقر الدستور في تصديره على جعل الاتفاقيات  الدولية كما صادق عليها المغرب وفي نطاق أحكام الدستور وقوانين المملكة وهويتها الراسخة تسمو فور نشرها على  التشريعات الوطنية، والعمل على ملائمة هذه التشريعلت  مع ما تتطلبه تلك المصادقة .

وإذا كان المغرب قد اختار المرجعية الحقوقية الكونية كأحد أسس التشؤيع في المغرب فبالتالي فإن فهم أي نص داخل الدستور الجديد لايتأتى سوى بإستحضار هذه المرجعية بالتالي فقد نصت مجموعة من  المواثيق الدولية، على واجب التحفظ.

1)    المبادئ الأساسية للأمم المتحدة بشأن استقلالية السلطة القضائية

والتي تم إقرارها في مؤتمر الأمم المتحدة السابع لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين والمنعقد خلال خلال شهر دجنبر من سنة 1985 بميلانو والمصادق عليها من قبل الجمعية العمومية للأمم المتحدة بمقتضى القرار 32/40 والذي جاء في البنذ الثامن منها ما يلي: "وفقا للإعلان العالمي لحقوق الإنسان يحق لأعضاء السلطة القضائية كغيرهم من المواطنين التمتع بحرية التعبير والاعتقاد وتكوين جمعيات والتجمع بشرط أن يسلك القضاة لدى ممارسة حقوقهم مسلكا يحفظ هيبة منصبهم ونزاهته واستقلال القضاء".

2)    مبادئ بانغالور للسلوك القضائي:

والتي تم إقرارها من قبل مجموعة النزاهة القضائية في بانغالور بالهند في  فبراير 2001، قبل أن يتم مراجعتها خلال المائدة المستديرة لرؤساء المحاكم العليا المنعقدة بقصر السلام في لاهاي بهولاندا  خلال نونبر 2002 والتي تم إقرارها كذلك  من قبل لجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة سنة 2003.

وقد جاء فيها في البند 6/4 من هذه المبادئ مايلي:" يحق للقاضي كأي مواطن أخر حرية التعبير والعقيدة والارتباط والتجمع ولكن يتعين عليه دائما عند ممارسته هذه تلك الحقوق أن يتصرف بشكل يحافظ على هيبة المنصب القضائي وحياد السلطة القضائية واستقلالها".

3)    مبادئ مجلس بيرغ بشأن  استقلال السلطة القضائية

والتي تنص في بندها 1/7 يتمتع القضاة بحرية التعبير وتكوين الرابطات  أثناء توليهم منصب القضاء بطريقة لا تتعارض مع مهامهم الوظيفية والقضائية أو قد ينال من حياد ونزاهة القضاء، كما جاء في 2/7 من نفس المبادئ ما يلي :" يحضر على القضاة افشاء أسرار المداولات وإبداء أي تعليقات  حول الدعاوى قيد النظر"، ونص البند 3/7 من نفس المبادئ على أنه 3 يتعين على القضاة أن يكونوا متحفظين في التعليق علية الأحكام  أو على مسودة الحكم أو أي مشاريع أو مقترحات أو موضع متنازع عليه من المحتمل أن ينظر أمام محكمتهم خارج النطاق القضائي أو المحاكم ألأخرى".

فمن خلال ما سبق يمكن القول أن جميع المواثيق الدولية الحقوقية التي تطرقت لحق القضاة في التعبير وقرنت ممارسة هذا الحق ببعض لا لقيود، هذه القيود هي ما يمكن أن يطلق عليها واجب التحفظ، وهذه ما تبناه الدستور المغربي في الفصل 111.

المطلب الثاني: واجب التحفظ من خلال مدونة السلوك القضائية.

بالرجوع إلى مدونة السلوك القضائية نلاحظ أنها نصت في المادة 23 بعض تطبيقات  واجب التحفظ وتتجلى هذه التطبيقات فيما يلي:

يمتنع القاضي عن الدفاع عن المؤيدات التي اعتمدها  قراراته وأحكامه حتى وأن أثارت النقاش داخل المجتمع.

يمتنع على القاضي إعطاء أي استشارة قانونية لاسيما في القضايا المعروضة على أنظار القضاء.

يحرص القاضي على عدم الإساءة لسمعة القضاة والسلطة القضائية وعدم المس باستقلال ونزاهة وحياد القضاء، ولاسيما عند مشاركته في الندوات والأنشطة العلمية.

يتقبل القاضي القيود المفروضة على الحياة الخاصة للقضاة والتي قد تبدو عبئا بالنسبة للمواطن العادي، ويتصرف بما يتماشى مع كرامة وشرف ورسالة القضاء.

كما تنص المدونة على قواعد التعامل مع الإعلام، حيث على القاضي أن يتعامل مع الصحافة والإعلام بما يليق ومكانة القضاء من حرص على حياده واستقلاله، والتجنب الدخول في سجلات قد تؤثر سلبا على صورته كقاضي وعلى هيبة القضاء، مع ضرورة الإشعار المسبق للرئيس المنتدب وكذا رئيس النيابة العامة بالنسبة لقضاة النيابة العامة عند إجراء المقابلات  الإعلامية والإدلاء بتصريحات للصحافة، باستثناء القضاة المعينين للتحدث باسم المؤسسات القضائية والقضاة ممثلي الجمعيات المهنية المخول لهم وفق انظمتهم الأساسية التحدث باسمها، عند التطرق لأنشطة جمعياتهم ومجالات اشتغالها.

كما نصت المدونة على قواعد التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي: حيث يضع القاضي في اعتباره أن استخدامه لشبكات التواصل الاجتماعي يجب أن يتناسب مع إحترامه للالتزامات الأخلاقية الواردة في هذه المدونة، ويلتزم القاضي بدرجة عالية من الحذر عند التعبير عن آرائه ومواقفه عبر وسائل التواصل الاجتماعي، سواء افصح عن صفته القضائية أم لا، سواء تعلق الأمر بالشأن القضائي أو بحياته الخاصة أو بأي شيء أخر.

كما ينبغي على القاضي الابتعاد عن كل ما هو مسيء لسمعة القضاء أو يمس باستقلال أو نزاهة وحياد القاضي عند استخدامه وسائل التواصل الاجتماعي ويراعي المكانة الاعتبارية للقضاء سواء في الكتابات أو التعليقات أو الردود.

كما يحرص القاضي عند استعمال أي وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي سواء استعمل اسمه الحقيقي أو اسمه المستعار أو صورته أو صورة مرتبطة به، أن يحترم الشرف والوقار والكرامة وألا يستخدم لغة مشينة أو غير لائقة من شأنها المس بصورته أو بصورة القضاء.

كما يجب على القاضي أن يضع في اعتباره أن عدم الكشف عن هويته الحقيقية عند استعماله لوسائل التواصل الاجتماعي لا يحرره من التزاماته الأخلاقية إذ عليه التقيد بأسلوب يتلاءم مع هذه الالتزامات.

 

 

التعليقات



إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

باحث في المجال القانوني حاصل على الماستر المتخصص في المهن القانونية والقضائية بكلية

جميع الحقوق محفوظة

مدونة المهن القانونية والقضائية ..

2016